جيب يا فم لا يُنصح بقراءته للفقراء يعانون الأمرّين من أجل تحصيل قوت عيالهم.. هؤلاء الفقراء أحباب الله.. يكدون ويكدحون طيلة نهارهم. الحياة عندهم معركة طاحنة، لذلك غالبا ما يعودون إلى بيوتهم بجروح نفسية متفاوتة الخطورة. يحبون الحياة من طرف واحد.. الحياة تبادل حبهم لها بالقسوة والضنك. كثيرا ما أضع رأسي على وسادتي ليلا وأبكي في صمت تضامنا معهم. المساكين.. قلبي معكم يا من تؤدون مدة عقوبتكم بعد أن صدر في حقكم حكم نافذ بالأشغال الشاقة المؤبدة.. فلا قاض يرقّ قلبه لحالكم ولا محام يدافع عن قضيتكم. نفد رصيدكم من الكرامة على أبواب المستشفيات والمعامل والشركات. تتعرضون للإهانات تلو الإهانات. مرضاكم يئنون داخل مستشفيات أشبه بالإسطبلات، في انتظار الموت الرحيم. زوجاتكم يشاهدن المسلسلات التركية بممثلات مائلات مميلات وممثلين لا تحتمل وسامتهم، ويتحسرن على زواجهن من كائنات مشوهة أشبه بالمسوخ.. أنتم. لا أحب الفقراء ولم أبك يوما تضامنا معهم. لا أحب الفقراء. أكرههم كره العمى. أشتمهم كل صباح وأنا أتعثر بهم في الشوارع والمقاهي ومواقف الحافلات وقرب المصانع في فترات الغذاء.. وهم يتناولون وجباتهم المقززة. يحشون أفواههم النتنة بالكثير من الخبز والقليل من اللحم.. وأي لحم يأكلون؟ لحم الدجاج البلاستيكي.. ومعلبات الكيكس المسرطنة. يدخنون أردأ أنواع السجائر ويتعطرون بأرخص العطور. حاقدون ينجبون أولادا حاقدين أكثر منهم. ينفثون سمومهم كالأفاعي في كل مكان. عاجزون. كسالى. معقدون. خبثاء. جبناء. متملقون. راشون ومرتشون. شهوانيون. انتهازيون. كذابون. عدوانيون. جشعون... فهل مازال في قلبك حبة حب للفقراء؟ أرجو أن تكرههم وأن تربي أبناءك على كرههم والدوس عليهم كما ندوس على الصراصير. تخيل معي لو أن مدننا خالية من الفقراء.. سنعيش حياة رائقة بلا منغصات.. لو أننا لا نصطبح بوجوههم العكرة كل صباح وهم يصرخون أمام برلماننا المهيب بأصواتهم المنكرة. ههه.. ملفاتهم المطلبية لا تنتهي. نلبي لهم طلبا فيطالبوننا بتلبية المزيد. يطالبوننا بالتوزيع العادل للثروات. الكسالى. يريدون أن نقتسم معهم خيراتنا وكنوزنا التي تركها لنا أجدادنا المنعمين.. ههه.. ماذا ترك لهم أجدادهم المعدمون؟ يريدون مزاحمتنا في منتزهاتنا وفنادقنا الخاصة. يطالبوننا بالزيادة في الأجور.. ماذا تقدمون لنا كي تستحقون الزيادة؟ تذهبون إلى الإدارات كل صباح لتسجلوا حضوركم ثم تتسللون إلى المقاهي.. أي إضافة تضيفون؟ أي مشكلات تحلون؟ أنتم المشكلة.. أنتم المعضلة. القتلة. تقتلون بعضكم البعض على أسفلت الطرقات.. دماؤكم تسيل كل يوم ولا ترتدعون. المتهورون.. تقودون بدون وعي. أخجلتمونا أمام العالم المتحضر بسلوكاتكم المتخلفة. تتسابقون كالأطفال. لا توعية نفعت معكم. لا مشاهد تلفزية مرعبة أرعبتكم. لا خطب جمعة أرجعتكم إلى رشدكم. تطلقون زمارات سياراتكم كأنكم في عرس صاخب. الغوغائيون.. تحبون الضجيج والزحام. لا حل لكم..لا حل لكم. أتعبتمونا. ننام ونصبح على حماقاتكم وتظاهراتكم وجرائمكم وخياناتكم التي لا تنتهي. أنتم منغصات حياتنا في هذا البلد الجميل.. كم أكرهكم أيها الفقراء. كتوقع حمار للبيع آخر الأخبار تفيد بأن المواطن المسمّى زعطوط قد تعرض لصعقة كهربائية عندما وقعت عيناه على خانة "الواجب أداؤه" في فاتورة الكهرباء. مبلغ ضخم بالنسبة لمواطن مثله يعاني من داء الهشاشة المزمن. فلكي يجمع هذا المبلغ يحتاج إلى العمل أكثر من شهرين متتاليين مع ربط الحزام على البطن جيدا. وأفادت مصادر أمينة بأن زعطوط وابنته وزوجته يملكون تلفزة وثلاجة وأربعة مصابيح اقتصادية بإضاءة بيضاء خافتة.. ولا يعقل أن يدفع كل ذلك المبلغ. زعطوط يولول ويلطم وجهه. ذُعرت زوجته لحالته. انخرطت معه في سيمفونية الولولة واللطم. "واش أنا وحدي مضوي لبلاد أعباد الله؟؟" يقول وهو يندب حظه وخده. زعطوط الآن في بيته الصغير مع زوجته وابنته يتناولون عشاءهم البسيط على ضوء الشموع. شعور عميق بالغبن ينتابه وهو يُلقم ابنته حبات الزيتون. ما معنى أن يكون الواحد مُقبلا على الحياة وهي مُعرضة عنه. ما معنى أن يلتصق بجلد الحياة وهي تنفضه كأنه قُرادة مقزّزة. الصعقة الكهربائية التي تلقّاها زعطوط لم تكن إلا القشة التي قصمت ظهره. فقد تراكمت عليه الديون. وصارت رأسه مطلوبة. يطلبها البقال والخضار والجزار ومول الدار. جميع جيرانه قاطعوه لأنهم أقرضوه قرضا حسنا، وكلما طالبوه بتسديده يُسْمعهم كلاما سيئا. كلما بادرهم ب "صباح الخير" يردون عليه ب "صبّحنا على الله". الديون الثقيلة قوّست ظهره وجعلته ينحني أكثر فأكثر. البيت الذي يقطنه زعطوط مع أسرته ليس منزلا بل هو بيت.. أي غرفة متعددة الاستعمالات.. مطبخ وغرفة نوم وصالون. أما تلبية نداء الطبيعة فهي عملية تتم بالكامل في الطبيعة. في فصل الشتاء تتحالف مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي فتغرق البيت بكامله. يمكنك مشاهدة زعطوط الآن وهو يغرق ويغرق ويتنفس تحت الماء غير الصالح للشرب. في فصل الصيف تبدأ حملة التبرع بالدم للبعوض والبق وتحطيم أرقام قياسية في قتل الذباب ودهس الصراصير والعقارب. لقطة عامة لوسط المدينة. لقطة متوسطة حيث نرى زعطوط وزوجته وابنته يتجولون بين المقاهي. على ظهر زعطوط لافتة مكتوب عليها "حمار للبيع". زعطوط ينظر إلى الكاميرا وينهق.. راس الحانوت *يا بنت الناس أنا فقير.. دراهم يومي معدودة.. إنما أصابع يدي معضوضة.. فأنا أعض أصابعي كلما ندمت وأندم كلما اقترضت.. وهناك كائنات آيلة للانقراض وكائنات آيلة للاقتراض.. وأنا أقترض إذن أنا أنقرض. *عندي حساسية من كل السلطات باستثناء سلطة الخس.. فأنا مواظب على أكل الخس يوميا، ليس لأني من فصيلة السلاحف أو الأرانب، ولكن لأني مواطن خسيس جدا. *أنا موظف سام. سم الفئران لا يقتلني. سمّي يقتل البشر. أنا موظف سام. أخلاقي متدنية جدا. عندي فوبيا الأخلاق المرتفعة. دقة ببصلة بصلة اليوم نصوبها في اتجاه بعض أصحاب الورّاقات ومحلات الفوطوكوبي الذين يوفرون للتلاميذ "الغشاشين" وسائل النقل العمومية. يتم استنساخ الدروس وتصغيرها وتوفيرها لعموم الغشاشين وبيعها بأثمنة تتفاوت حسب المواد. أحد أصحاب هذه المحلات صرّح لي بأن زبائنه هم فئة التلاميذ المعوزين دراسيا.. بمعنى أنهم يعانون من هشاشة دراسية ومعرفية بحيث يرون أن الغش هو وسيلتهم الوحيدة للحصول على الشهادة.. رغم شهادة الزور التي سيدلون بها يوم الامتحان. هؤلاء هم المؤمنون بالقول المأثور "من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه". وهم براعم الغش التي ستتفتح وتنمو. فعلا، هذه البلاد ولّادة.