من خلال التقرير العالمي حول المخدرات لسنة 2016، والذي أصدره مكتب المخدرات والجريمة التابع لهيئة الأممالمتحدة، يستمر المغرب في التربع على رأس لائحة منتجي راتينج الكيف (الحشيش) على مستوى العالم، وهي نتيجة منتظرة باعتبار احتلال البلاد المرتبة ذاتها منذ سنوات وفق المصدر ذاته. هذه المعلومة إلى جانب أخريات مضمنة في التقرير تثير انتباه الخبراء في المجال، ولكن أيضا الرأي العام الذي يتلقها في جل الأحيان، منغمسة في الإثارة، دون أن تعرض لمجهر النقد والتحليل، ما يفرض طرح سلسلة من الأسئلة في ما يتعلق بالمنهجية المتبعة للوصول إلى هذه النتائج التي بقدر ما هي اعتيادية فهي صادمة. هذا الأمر أصبح حادا بعد صدور التقرير الأمريكي شهر مارس الماضي، الذي تطرق لحالة المغرب استنادا إلى التقرير الأممي المذكور، ولكن مع اقتباس خاطئ للمعطيات، ما دفع عددا مهما من الصحافيين وبعض السياسيين إلى طرح أسئلة حول مضامينه، وفرض بالتالي إلقاء الضوء على هذه المعطيات. مضمون التقرير الأممي حول المغرب التقرير الأممي الأخير يشير إلى أنه، من خلال تصريحات الدول الأعضاء بشأن الدول مصدر راتينج الكيف المحجوز خلال الفترة 2009-2014، استمر المغرب في تصدر لائحة الدول المنتجة، بإنتاج قدر بكمية 700 طن سنة 2013، وفق تصريحات المملكة المتعلقة بالمساحات المزروعة بالكيف، والتي تبلغ 47.196 هكتار عن السنة ذاتها. ومن خلال تقارير مكتب المخدرات والجريمة أو الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، ومن ضمنها تلك التي تم إعدادها بشكل مشترك مع المغرب أو تصريحات وزارة الداخلية، فإن كمية "الحشيش" المعلن أنها "منتجة" قد تعرضت لانخفاضات مهمة عبر السنوات، خصوصا منذ 2003، حين أقدم المغرب من خلال وكالة تنمية الأقاليم الشمالية على إصدار أول تقرير عن تحقيق مشترك مع مكتب الأممالمتحدة للجريمة والمخدرات، الذي أستند على حسابات مستخلصة من صور ملتقطة عبر القمر الاصطناعي تغطي كل مناطق الريف التي شملها التحقيق، والذي جرى بعد ذلك سنتي 2004 و2005. هذه الصور أبانت أنه سنة 2003 وصلت المساحة المزروعة بالكيف إلى أقصاها الذي بلغ 134.000 هكتار، بإنتاج يعادل 3.070 طن من "الحشيش"، وفي سنة 2004 وصلت إلى 120.500 هكتار، بإنتاج يناهز 2.760 طنا، وفي سنة 2005 وصلت المساحة إلى 72.500 هكتار، مع إنتاج كمية من "الحشيش" تقارب 1.067 طنا. بعد السنوات المشار إليها، أصبح تحديد المعطيات المتعلقة بالمساحات المزروعة يتم عن طريق التصريح من طرف المغرب إلى الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، دون أن يتم إلى حد الآن إنجاز تحقيق ميداني بالاستناد إلى صور القمر الاصطناعي، إذ يتم تحديد المساحة المزروعة بالكيف في سنة معينة عبر إنقاص المساحة المجتثة من طرف الدولة من المساحة المتعلقة بالسنة السابقة، وذلك ابتداء من سنة 2008 إلى غاية 2014. هذه التصريحات تبين أنه سنة 2008 وعلى مساحة 64.377 هكتارا تم إنتاج 877 طنا من "الحشيش"، وفي 2009 أصبحت المساحة تبلغ 56.000 هكتار، نتج عنها 820 طنا من "الحشيش". وفي سنة 2010 أصبحت المساحة المزروعة ب"الكيف" تناهز 47.500 هكتار، ولكن لم يتم التصريح بما يقابلها من "الحشيش" المنتج من أي جهة. وفي 2012 المساحة بلغت 52.000 هكتار، بإنتاج يناهز 740 طنا من "الحشيش"، وفي 2013 وصلت إلى 47.196 هكتارا مع إنتاج بلغ 700 طن. وفي 2014، والتي هي السنة الأخيرة المصرح بها، فلم يتم التصريح إلا بالمساحة المزروعة، والتي قدرت بحوالي 47.000 هكتار. وكذلك أكد تقرير مكتب الأممالمتحدة للمخدرات والجريمة لسنة 2016 أن المغرب وأفغانستان يبقيان مصدر راتينج الكيف المحجوز في أوروبا، وإفريقيا الشمالية والشرق الأوسط والأدنى، وأن 32% من المجموع العالمي للمحجوزات مصدره شمال إفريقيا، وخاصة المغرب والجزائر. سنة 2004، أكد المكتب الأممي للجريمة والمخدرات أن قرابة %80 من "الحشيش" الموجه إلى أوروبا الغربية والوسطى يأتي من المغرب؛ وهو ما استند إليه في تقدير رقم معاملات الاتجار ب"الحشيش" المغربي الذي وصل إلى 10 مليارات أورو سنة 2002، و10.8 مليارات أورو سنة 2003، و4.6 مليار أورو سنة 2004. مصدر معلومات التقرير الأممي التقارير الأممية تستند أساسا إلى معطيات مستمدة من الدول الأطراف في إطار استبيان التقارير السنوية (ARQ)، التي تتطرق لوضعية المخدرات، إذ إن المعطيات المتعلقة بالكيف تتعلق بأشكاله الأربعة؛ عشبة الكيف (الماريخوانا)، راتينج الكيف (الحشيش)، نبتة الكيف وزيت الكيف. هذه الاستمارة هي الأداة المستعملة من لدن الدول الأطراف للإعلام بالمعلومات الرسمية المتعلقة بمختلف أوجه مشكل المخدرات غير المشروعة للجنة الدولية لمراقبة المخدرات، تماشيا مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمراقبة المخدرات، والتي "تكمل وثائق أخرى منشورة متعلقة باستهلاك المخدرات، وتستدعي بشكل واسع المعطيات التي تزود بها الأنظمة الوطنية والإقليمية للمعلومات حول المخدرات". (كيفية إعداد نظام متكامل للمعلومات حول المخدرات، الوحدة الأولى، هيئة الأممالمتحدة، نيويورك 2003، ص 7) نظام المعلومات هذا يعاني من مجموعة من السلبيات، ما دفع مكتب الجريمة والمخدرات إلى التصريح بأن "جهودا مهمة بذلت على مر السنين لتحسين التقديرات المقدمة في التقرير العالمي حول المخدرات، التي تعتمد إلى حد كبير على المعلومات التي تقدمها الدول الأعضاء". يحدد مكتب الجريمة والمخدرات في منهجية إعداد تقرير 2016 ثلاثة مشاكل تؤثر على موثوقية المعطيات المتحصل عليها في إطار الاستبيان، وكذا على جودتها وقابليتها للمقارنة، وهي كما يلي: - عدم انتظام إرسال الاستبيانات من لدن الدول، ما يؤدي إلى غياب المعطيات الخاصة ببعض السنوات، الأمر الذي يؤثر على منحى الاتجاهات الخاص بسنة معينة. - عدم استكمال الاستبيانات، إذ إن العديد من المعطيات لا يتم استكمالها من طرف الدول، وفي جانب منها تكون غير مفهومة. - محدودية وعدم حياد مجموعة كبيرة من المعطيات المتوصل بها. كيفية حساب إنتاج "الحشيش" ورقم معاملاته بالنسبة لسنة 2003، واستنادا إلى تقرير تحقيق سنة 2004 المشار إليه أعلاه، بلغت المساحات المزروعة بالكيف 134.000 هكتار، 88% منها تتعلق بأراضي غير مسقية، أي 117.920 هكتارا، وفي سنة 2005 أصبحت هذه النسبة 80%. وبالنسبة للأراضي المسقية ففي سنة 2005 بلغت نسبتها 20%، أي ما يناهز 16.080 هكتارا مقابل 12 %سنة 2003. وبالنسبة للمردود الخام لإنتاج الكيف بالنسبة للسنتين المذكورتين، فقد بلغ سنة 2003 في المساحات المسقية 750 كلغ في الهكتار الواحد مقابل 459 كلغ في الهكتار الواحد سنة 2005. وبالنسبة للمساحات غير المسقية بلغ سنة 2003 ما يناهز 1.270 كلغ في الهكتار الواحد مقابل 1.821 كلغ في الهكتار الواحد سنة 2005. ما يعني أنه بالنسبة لسنة 2003، على سبيل المثال، بلغ إنتاج الكيف في الأراضي المسقية 88.440.000 كلغ، وفي الأراضي غير المسقية 20.421.600 كلغ، أي بإنتاج إجمالي للكيف الخام يساوي 108.861.600 كلغ، أي تقريبا 109.000 طن كما هو وارد في تقرير 2004 المذكور آنفا. من خلال المعطيات الواردة في التقرير ذاته، فإن كل 100 كلغ من الكيف الخام تنتج 2.82 كلغ من راتنج الكيف (الحشيش)، مقابل 2 كلغ سنة 2005، ما يعني أن 109.000 طن من الكيف الخام أنتجت 3.073.80 طنا من الراتنج (الحشيش)، ما يعني أن التقرير حين تطرق لإنتاج 3.070 طنا سنة 2003 فقد افترض أن كل الكيف الخام قد تم تحويله إلى "حشيش". ومن خلال ذلك، واقتصارا على معطيات 2003 على سبيل المثال، نقوم باستكشاف طريقة حساب رقم معاملات الحشيش المغربي. لأجل ذلك، يجب تحديد كمية "الحشيش" المغربي الأصل المحجوز في المغرب وأوروبا فقط، دون ما تم حجزه في باقي مناطق العالم الأخرى، فبالنسبة للمغرب تم حجز 96.305.87 طنا، وفي أوروبا تم حجز 974.899.80 طنا من "الحشيش" متنوع المصادر، وتبين استبيانات الدول الأوروبية أن المغرب مصدر 80% من "الحشيش" المحجوز، أي ما يعادل 876.225.71 طنا سنة 2003. ما يعني أن الباقي من "الحشيش" المنتج بعد خصم كمية "الحشيش" المحجوز يساوي الذي تم بيعه أو استهلك فعليا، دوما وفق افتراضات خبراء الأممالمتحدة، وبالتالي فهذه الكمية تساوي 2.197.574.29 كلغ. وبما أن ثمن الغرام الواحد من "الحشيش" بالتقسيط يساوي في أوروبا 5.4 دولارات أمريكية، وفق تقرير المكتب الأممي للجريمة والمخدرات لسنة 2004، فإن رقم معاملات "الحشيش" المغربي يمثل 11.866.901.166 دولارا أمريكيا، أي ما يناهز 12 مليار دولار (10 مليارات أورو). ملاحظات بشأن الحسابات المعلن عنها من خلال ما سبق ذكره، يمكن استعراض ملاحظتين أساسيتين: أولا، التقارير الأممية وضعت علاقة مباشرة بين الكميات المحجوزة والكميات المنتجة، ما نتج عنه اعتبار المغرب أول منتج عالميا ل"الحشيش"، وأول مصدر لأوروبا، وذلك استنادا إلى استبيانات الدول في ما يتعلق بمصدر "الحشيش" الذي قامت بحجزه. إذا ما استندنا إلى هذه العلاقة دون النظر إلى عوامل أخرى، من قبيل درجة يقظة الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون، فسنكون أمام افتراضات حسابية خاطئة، إذ من الممكن أن يكون انخفاض درجة هذه اليقظة سببا في أن كميات مهمة من "الحشيش" ذي مصدر غير مغربي قد تجد طريقها للتسويق أو أن تحجز بكميات ضئيلة. كذلك، هذه العلاقة لا تأخذ بعين الاعتبار التطور التقني في مجال التهريب غير المشروع بالمخدرات في بعض الدول، التي يمكن أن تأثر في كمية المخدرات المحجوزة. ثانيا، طريقة احتساب كميات "الحشيش" المنتج في المغرب غير صحيحة، إذ إنها لا تمكن من تحديد الكميات المنتجة فعليا، ولو حتى بالتقريب، ومن ثم لا يمكنها أن تساعد على تحديد رقم معاملات الاتجار غير المشروع ب"الحشيش" المغربي. فالمكتب الأممي للجريمة والمخدرات أعلن في تقريره الأخير أن المغرب أنتج 700 طن من "الحشيش" سنة 2013، اعتمادا على عمليات حسابية مركبة من عدة متغييرات بدلالة الزمن، في حين كان من اللازم إجراء تحقيقات ميدانية من قبيل تلك التي أنجزت مع وكالة تنمية أقاليم الشمال سنوات 2003، 2004 و2005، والتي سلف ذكرها. فلحساب كمية "الحشيش" المنتجة في سنة واحدة، وفق أسلوب الخبراء الأممين، يجب تحديد المساحات المزروعة بالكيف، مع تحديد إنتاجية كل من المساحات المسقية وتلك غير المسقية، وكذلك استخلاص مردود "الحشيش" المستخلص عن كل هكتار من كل نوع من المساحات. ومن ثم، سنصبح في مواجهة أمر آخر، وهو أنه سنفترض أن جميع إنتاج المساحات المزروعة بالكيف سيتم تحويها إلى حشيش، وهو ما لا يتم في الواقع، إذ إن المحجوزات التي تتم سواء على مستوى المغرب أو في أوروبا تثبت وجود أنواع أخرى من الإنتاج غير "الحشيش" وبكميات كبيرة، خصوصا عشبة الكيف (الماريخوانا) أو نبتة الكيف في شكلها الأصلي. فعلى سبيل المثال، في سنة 2003، بلغت محجوزات "الحشيش" في المغرب 97 طنا، ومن عشبة الكيف 70 طنا، ونبتة الكيف في شكلها الأصلي 21 طنا، وفي سنة 2004، وصلت على التوالي، 221 طنا، 155 طنا، 13 طنا. ما يعني أن التقرير الأممي الأخير أسس حساباته على فرضية أنه قد تم في المغرب تحويل الإنتاج السنوي المتمثل في 700 طن من الكيف كليا إلى "حشيش" دون أي نوع آخر، وذلك اعتمادا على نتائج تحقيق 2005 في ما يتعلق بالمردودية، والتي كما ذكر تتغير بدلالة الزمن. كذلك الشأن بالنسبة للمكتب الدولي للمخدرات وشؤون إنفاذ القانون الأمريكي الذي أعلن في تقريره الصادر في مارس الماضي حول الإستراتيجية الدولية لمكافحة المخدرات، بناء على تقديرات، أن "المغرب بعد المنتج الأول والمصدر الأول للكيف في العالم. بحسب مكتب الأممالمتحدة للمخدرات والجريمة، الإنتاج الإجمالي للكيف في المغرب بالنسبة لموسم النمو 2015-2016 بلغ تقريبا 700 طن، وهو ما يناهز 23% من الناتج الداخلي الخام الذي يساوي 100 مليار دولار أمريكي بعد تحويله إلى حشيش". هذا التقرير قام بنسخ خاطئ لمعطيات التقرير الأممي الأخير، إذ إن هذا الأخير يشير إلى أن 700 طن تتعلق بإنتاج "الحشيش" وليس الكيف، ولسنة 2013 وليس 2015-2016. وكذلك الشأن بالنسبة لرقم معاملات الاتجار غير المشروع ب"الحشيش" المغربي غير صحيحة، إذ إن محجوزات "الحشيش" المغربي في أوروبا سنة 2013 بلغت 368 طنا، ما يعني أن "الحشيش" المستهلك تبلغ كميته 111 طنا. وبما أن ثمن الغرام الواحد بالتقسيط في أوروبا عن السنة ذاتها يتراوح بين 8 أوروهات و13 أورو (تقرير مركز الرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان على المخدرات لسنة 2015)، ولنفترض أن كل الكمية تم بيعها بالثمن الأقصى، سنحصل على رقم معاملات يساوي 1.5 مليارات أورو، أي ما يمثل 2% كأقصى حد من الإنتاج الداخلي الخام، وبالتالي فهو يشكل فقط 8% من تقدير التقرير الأمريكي. *منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف