أفرزت نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت يوم الجمعة 19 ماي الجاري، والتي سجلت نسبة مشاركة قدرت ب73 في المائة، فوز الرئيس حسن روحاني بولاية ثانية، وهو الذي كان قد علّق على هذه الانتخابات واعتبرها اختياراً بين مسارين اثنين: مسار الهدوء والتعامل مع العالم أو مسار المواجهة والاصطدام معه. وبحصوله على نسبة 57 في المائة من أصوات الناخبين الإيرانيين، يكون الرئيس الإيراني، الجديد القديم، قد كسب دعم الشعب لمتابعة مساره من أجل إكمال مشروعه. أما المنافس والخصم اللدود لروحاني، مرشح التيار المحافظ، إبراهيم رئيسي، فقد حصل فقط على نسبة 37 في المائة من أصوات الناخبين. ومني، بذلك، بهزيمة واضحة رغم تمتعه بدعم واضح أحياناً، وخفي أحياناً أخرى، من المرشد الإيراني علي خامنئي ومن المؤسسات النافذة التابعة له، كالحرس الثوري والسلطة القضائية ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون ومجلس أئمة صلاة الجمعة. وقد كان الرئيس المنتخب حسن روحاني انتقد بشدة في حملته الانتخابية، مراراً، تدخلات هذه الجهات واستغلالها لموارد الدولة والمقدرات العمومية من أجل دعم حملة منافسه المحافظ إبراهيم رئيسي. إعادة انتخاب روحاني: فرص ورسائل: سيكون من الصعب والسابق لأوانه، أيضاً، الحديث عن منجزات حسن روحاني في عهدته الثانية، لكن السنوات الأربع القادمة كفيلة بأن تكشف مدى تنفيذ روحاني لوعوده الانتخابية التي لم ينجح في ولايته الأولى في ترجمتها على أرض الواقع، وخاصة في ما يتعلق بالحريات السياسية وحقوق الإنسان وحقوق المواطنين وقضايا أخرى داخلية. ينضاف إلى وعود الولاية الأولى، وعود جديدة أطلقها في حملاته الانتخابية، ومن بينها جلب الاستثمارات الأجنبية، وتوسيع العلاقات مع الدول الأخرى، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن التقليل من نسبة البطالة. إن إعادة الثقة في حسن روحاني، يمكن قراءتها من زوايا متعددة؛ فهي فرصة ثانية له، وأيضاً رسالة موجهة إلى القوى المحافظة. فرصة ثانية لماذا؟ لاستكمال المشاريع السياسية والاقتصادية التي بقيت معلقة، أو بالأحرى فشل في التقدم فيها في ولايته الأولى. فبالرغم من اليأس وخيبة الأمل اللتين أصيب بهما الشعب الإيراني جراء الانكسارات والتقهقر الذي شهدته فترة رئاسة روحاني الأولى، وخاصة على مستوى السياسة الداخلية وملفات محاربة الفساد والريع وحقوق الإنسان وغيرها، فإن الإقبال المكثف للإيرانيين على صناديق الاقتراع ووضع الثقة مجدداً في حسن روحاني، يعتبر بمثابة فرصة ثانية له لتحقيق وعوده الانتخابية القديمة والجديدة، وبخاصة ما يهم السياسة الداخلية. وهي أيضاً رسالة إلى من يهمهم الأمر بأن سياسة الانفتاح والتعامل مع الأجانب والحوار هي ما يطمح إليه الشعب الإيراني التواق إلى الخروج من العزلة والانفتاح على العالم، وإن هذا التوجه سيستمر رغم العراقيل، وإن مكتسبات الاتفاق النووي لا يمكن أن تقف عند حد أربع سنوات الأولى، بل ستواصل إيران جني ثمارها لأربع سنوات أخرى، وما الارتياح الذي أعربت عنه العديد من العواصم الغربية والفاعلين الاقتصاديين الغربيين بخصوص نتائج الانتخابات ومسارعتهم إلى تقديم التهاني للرئيس حسن روحاني إلا دليل على هذا الادعاء. الأوراش التي تنتظر روحاني: إذن بإعلان النتائج يكون الشعب الإيراني قد وافق على الاستمرارية في ظل حكومة "الأمل والاعتدال". إن الملفات المشار إليها آنفاً تعكس انتظارات الشعب من الرئيس حسن روحاني في ولايته الثانية. وغير خاف على المتتبعين للشأن الإيراني التهديدات الاقتصادية والسياسية التي تواجه إيران في الوقت الراهن، خاصة في ظل إدارة ترامب المعاكسة لإيران. وأولى إرهاصات ذلك تهاوي العملة الإيرانية أمام الدولار الأمريكي. الأوضاع في إيران تحتاج إلى التحرك بسرعة لوضع التدابير الكفيلة بتجاوز التحديات، وإلا فإن الإمكانات الاقتصادية المتاحة حالياً، كالقوة العاملة والنشطة، سوف تنتهي. والإدارة الإيرانية الحالية أتيحت لها الفرصة من جديد لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وإن أي هدر للوقت وإضاعة الفرصة سوف تكون له عواقب وخيمة على المستويين الاقتصادي والسياسي. سياسياً ينتظر الحكومة الإيرانيةالجديدة ملفات ساخنة. فبعد نجاح روحاني في إبرام الاتفاق النووي مع القوى الغربية، الذي بموجبه تخلصت إيران من العقوبات واسترجعت عافيتها الاقتصادية، فهو اليوم مطالب برفع العقوبات غير النووية. ولن يتأتى ذلك إلا بتحسين العلاقات مع الدول الغربية استثماراً لمنجزات ما بعد الاتفاق النووي. يبدو تحقيق هذا الهدف صعب المنال. وعلى مستوى السياسة الداخلية، هناك تحديات تواجه الرئيس روحاني بخصوص الوعود التي أعاد إطلاقها، والمتمثلة في رفع الحصار والإقامة الإجبارية على رموز الحركة الإصلاحية التي تدعمه، وعلى رأسها مير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد ومهدي كروبي. فاليوم بحصوله على 10 ملايين من الأصوات الإضافية مقارنة بالانتخابات السابقة، بات موقعه التفاوضي أقوى، وبالرغم من أنه لا يملك سلطة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لكن بمقدوره أن يغير قواعد اللعبة ويفرض شروطاً جديدة قد تساعد في تمتيع رموز الحركة الخضراء بالحرية، تماماً كما استطاع في الولاية السابقة فرملة تقدم مؤسسات الحرس الثوري الإيراني على المستوى الاقتصادي. *خبير في الشأن الإيراني