كرّم الإسلام الإنسان بأن شرع للميت أحكاما خاصة؛ منها أنه لا يلقى جثة كغيره من الميتات من البهائم وغيرها، وإنما يدفن في قبر خاص، إذ قال جلَّ وعلا: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)؛ ما يعني أن عقيدة المسلمين تؤكد تكريم الناس أحياء وأمواتا، لذا خصت للميت أحكاماً عظيمة، فالمسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له ويشيع إلى قبره. فإلى أي حد ما زالت هذه القيمة حاضرة اليوم؟ وهل نحن أمام مقابر أم مزابل؟ وبأي معنى يمكن فهم وجود مقابر خاصة بمراكش؟ وما هي خطط المسؤولين عن الشأن العام المحلي في توفير مقابر تليق بموتى المسلمين؟ أسئلة وغيرها طرحتها هسبريس على فاعلين جمعويين ومسؤولين من أجل فهم حقيقة ما تعيشه روضات مدينة سبعة رجال. ودرج المغاربة القدامى على تسمية المقبرة بالروضة، تيمنا بالروضة الشريفة؛ لأن أمنية المسلمين هي دخول الجنة. وهذا ما يعنيه استعمال زوار المقابر خلال ال27 من شهر رمضان مادة الريحان، استحضارا للآية الكريمة: "روح وريحان وجنة النعيم". المقابر بمراكش أنواع تضم مدينة سبعة رجال أشكالا مختلفة من "الروضات"، منها ما يضم الأشراف "آل البيت"، كقبة 12 "لسارية" بروضة الملوك السعديين بالقصبة"، وقبة "لالا مسعودة الوركيتية والدة السلطان أحمد المنصور الذهبي، وقبة أبي العباس السبتي التي تشكل معلمة عكست عبقرية وإبداع من بناها من المهندسين. تعرف أيضا مدينة مراكش مقابر خاصة، كانت تؤدي وظائف علاجية، كمقبرة الحارة وضريح سيدي يوسف بن علي، حيث كان المصابون بمرض "الجذام" يتلقون العلاج. وتتميز قبة مولاي علي الشريف بباب إيلان" التي تضم قبور أشراف الدولة العلوية بطابع خاص، ما جعل مفتاحها بيد قائد المنطقة. من خصائص المدينة العتيقة بالمدينة الحمراء أن لكل حومة مقبرتها، كمول القصور وباب الدباغ وباب دكالة والإمام السهيلي وسيدي سليمان ورياض العروس وبوطويل بعرصة إهري، وسيدي عمارة حيث دفن ابن طفيل، لكن قبر العالم ابن العريف مدفون بسوق الحدادين بسوق السمارين مركز بمدينة سبعة رجال، لأن كل الحومات كانت تود دفنه بروضتها. روضات العامة مزابل لا مقابر وصف يوسف المير، رئيس جمعية ألوان مراكش التي قامت بحملات نظافة بكل مقابر حاضرة مراكش، روضات العامة بأنها "مزابل لا مقابر"، موردا أن علمية التنظيف التي يقوم بها المجتمع المدني تشكل مرآة تعكس الوضع الكارثي الذي توجد عليه "الروضات"، وتعري تصرفات لا تمت إلى أي دين أو أية منظومة أخلاقية بأية صلة؛ فالأزبال والشعوذة تعم كل المقابر بدون استثناء، بالكتابة على الصحون والعظام وجوازات السفر ونبش القبور، ففي مقبرة باب أغمات يتم اغتصاب جثث الموتى، وبباب الدباغ تنهشها الكلاب، فيما يتم التنكيل بها بمقبرة باب الخميس، بحسب تعبير الفاعل الجمعوي ذاته. إن قنينات ماء الزهر التي يستعملها زوار المقابر ويتركونها بعد ذلك تتحول إلى سلاح فتاك بيد المنحرفين الذين يتخذون من المقابر مأوى لهم، يؤكد المير، الذي نبه إلى أن حفرا ببعض المقابر تتخذ مساكن لأفراد وأسر يعانون من الهشاشة. قبور للبيع تعيش مقابر مراكش مفارقة غريبة، بين منطقة وأخرى؛ فمقبرة باب دكالة توجه إليها اتهامات من المجتمع المدني ببيع القبور، نظرا لموقعها الجغرافي ضمن المجال الترابي لمقاطعة جليز الراقية. أما مقبرة الإمام السهيلي، فزيارتها تكشف عن التفاوت الاجتماعي، لأنها تضم جثث موتى العائلات ذات المكانة الاجتماعية. أما المقابر التي أحدثت بالمناطق السكنية الجديدة، كالمسيرة وغيرها فهي وكر لكل الموبقات، يؤكد يوسف المير، و"يقيم البعض بداخل قبورها وتشكل كذلك قسم ولادة للمتشردات، بالرغم من البلاغات المتعددة التي وجهناها إلى السلطة المحلية والقائمين على شأن المدينة الحمراء"، وفق تعبير المتحدث نفسه. حرث مقبرة تعيش مقبرتان بجماعة سعادة بإقليم مراكش وضعا غريبا عن قيم الإسلام التي دعت إلى العناية بالميت وتكريمه، حيث تم تغيير معالم العقار المخصص لدفن موتى سكان 15 دوارا والقاطنين بالضحى والتعاونية وحي الآفاق وكل من دوار بوسحاب والطبيب ودوناديو، ليتحول إلى منطقة سكنية عشوائية، وأرض زراعية. منطقة المرابطين أولاد بوعيشة تعيش وضعا مماثلا، ما دفع السكان إلى تنظيم احتجاج، يوم 13 مارس المنصرم، للتنديد بما أسموه "الترامي على مقبرة وحرثها بدون وجه حق وبدون سند قانوني"، يقول عبد اللطيف لعويني، رئيس جمعية التعاونية الموحدية للتنمية والتضامن، في تصريح لهسبريس. واشتكى هذا الفاعل الجمعوي الإهمال والتهميش اللذين يطالان شكايات المتضررين، مشيرا إلى أن خلاصات لجنة كلفت بالبت في مشكلتهم بمن يستغل أرض المقبرة لم تر النور بعد مرور ثلاثة أشهر على احتجاج كاد يتحول إلى حرب قبلية، يؤكد لعويني، الذي طالب السلطة المحلية بإقليم مراكش بالسماح للسكان ببناء سور محيط بالمقبرة لحمايتها من الكلاب الضالة وصون حرمة القبور. توضيحان في المقابل قال عبد السلام سيكوري، نائب عمدة المجلس الجماعي، ورئيس مقاطعة جليز، لهسبريس: "إننا عازمون على محاربة هذه الظواهر التي عانت منها مقبرة باب دكالة وباقي المجالات الخاصة بدفن موتى المسلمين، من خلال برنامج هيكلة المقابر، حتى تتمكن عائلة الميت من الاستفادة من قبر بثمن رمزي". وأضاف النائب عينه أن المجلس قرر تعزيز خدمات مستودع الأموات بباب دكالة بمكتب وحيد، موردا: "لقد غيرنا الأعوان وكل المسؤولين عن المقبرة، كما تم إحداث خلية للدفن، لتحضير المقابر وكل ما يلزم لدفن الميت، كالكفن ومواد البناء اللازمة مجانا". عبدالصمد العكاري، نائب رئيس مقاطعة المدينة العتيقة، أكد من جهته لهسبريس أن "كلا من مقبرة سيدي بلعباس وباب الدباغ تحسن وضعهما مقارنة مع الملاحظات المشار إليها"، وزاد: "الأولى تتوفر على ممرات، ويتم الآن تثبيت أعمدة الإنارة وتركيب باب بها، والثانية تفتقر إلى حارس، نعمل على توفيره". وإذا كانت مقاطعة المدينة القديمة وجليز تفاعلتا مع المكالمات الهاتفية لهسبريس، فإن الموقع الإخباري لم يتوصل من رئيسي كل من مقاطعة القصبة وسيدي يوسف بن علي بأي رد، رغم الاتصالات والرسائل النصية التي بعثت لهما.