خص البرنامج الحكومي الذي تقدم به الدكتور سعد الدين العثماني أمام المؤسسة البرلمانية ، للعقار فقرة تحت عنوان تيسير الولوج للعقار . وقد ورد في هذه الفقرة مجموعة من النوايا بعد الإقرار بأن العقار هو الوعاء الحاضن لمختلف المشاريع والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ووسيلة لتيسير الاستثمار . وتتلخص هذه النوايا الحسنة في ما يلي : • تنزيل اصلاح شامل لقطاع العقار ؛ • تحسين الحكامة فيه وتسهيل تعبئته ؛ • وتفعيلا لهذه النوايا تم اقتراح التدابير التالية : أولا : تحسين حكامة القطاع أتى التصريح الحكومي بالخطة التالية : - بلورة سياسة عمومية عقارية فعالة وناجعة ؛ - فتح ورش تحيين وتحديث ومراجعة الترسانة القانونية المؤطرة للعقار وفق منظور شامل ؛ - تفعيل اللجنة الوزارية الدائمة للسياسة العقارية ؛ - تسريع وتيرة نظام التحفيظ العقاري ، لاسيما من خلال تكثيف عمليات التحفيظ الجماعي ؛ تتميم عملية جرد واحصاء الرصيد العقاري العمومي ؛ وضع إطار مرجعي للمعايير التي يتعين توفرها في برمجة المرافق والتجهيزات العمومية في وثائق التعمير بهدف عقلنة وترشيد استعمال الرصيد العقاري للدولة ؛ وضع برمجة زمنية ومالية لتسوية المبالغ المستحقة برسم التعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة وتنفيذ الأحكام القضائية ثانيا : النهوض بالعقار كآلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تنوي الحكومة في هذا المحور اتباع التدابير التالية : - العمل على تعبئة العقار لفائدة المشاريع الاستثمارية؛ - وضع أليات عملية واجرائية لضبط السوق العقارية؛ - تسريع عملية تمليك الأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري لذوي الحقوق المستغلين ؛ - اعتماد مساطر ومعايير دقيقة لعمليات تفويت وكراء العقارات العمومية وفق قواعد الشفافية وتكافؤ الفرص . - مراجعة النصوص الخاصة بنزع الملكية ؛ - اعتماد مدونة الأملاك الخاصة للدولة تتضمن مساطر ومعايير دقيقة لتدبيرها ؛ - إرساء استراتيجية وطنية شمولية ومندمجة في مجال السكن . ويلاحظ من خلال ما سبق بأن الحكومة لم تأت بجديد في مجال تدبير العقار الوطني كما سنوضح أذناه : -أولا بالنسبة للشق المتعلق بحكامة العقار من خلال التقرير التركيبي الذي أعدته اللجنة التقنية وكذا العلمية للمناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة المنعقدة بمبادرة من رئاسة الحكومة يومي 5 و 6 دجنبر 2015 يستخلص بأن وضعية البنية العقارية بالمغرب تعرف مجموعة من الاختلالات الناتجة عن قدم الترسانة القانونية التي تنظمه وكذا الازدواجية ناهيك عن تعدد المتدخلين او المدبرين للعقار ، و عليه تم اقتراح التفكير في وضع سياسة شمولية ومندمجة وذات طابع استراتيجي في القطاع العقاري . وقد اتضح من خلال تلك المناظرة الوطنية أن الدولة لا تتوفر على سياسة عقارية وطنية كل ما هنالك هو تعدد وثائق التعمير التي كما جاء في الرسالة الملكية السامية الموجهة للمشاركين في المناظرة المذكورة ينبغي أن تكون هذه الوثائق في خدمة المواطن ، وهو ما يتطلب الحد من التفاوتات المجالية وتكريس العدالة الاجتماعية بدل أن تكون هذه الوثائق وسيلة للمضاربة التي تتنافى مع مصالح المواطنين . و قد تبين بالملموس من الواقع العملي بأن اعداد وثائق التعمير كثيرا ما يفتقر إلى مفهوم العدالة العقارية ، بحيث تعتبر وسيلة ناجعة لتنمية الثروة من خلال الخلل في توزيع العباء والارتفاقات . وهذا ما أكده جلالته عندما جاء في نطقه السامي بأنه " كما يتعين أن يكون التعمير آلية لإرساء العدالة العقارية في توزيع الأعباء والارتفاقات المقررة للمصلحة العامة بين ملاك الأراضي وضمان توزيع عادل لفائض القيمة الناجم عن وثائق التعمير ." وعلى هذا الأساس يجب ان يكون الانسان في صلب السياسة العقارية وليس العقار ذاته . وذلك بضمان تحصين الملكية العقارية وتعزيز المن العقاري، ومشاركته في توزيع عائدات العقار بكل شفافية وبعيدا عن الزبونية والمحسوبية . وهذا ما لم تلتفت إليه الحكومات المتعاقبة ، بل إن ما تفتقت به عبقريتها ما تضمنته المادة 2 من مدونة الحقوق العينية التي شجعت على الاستيلاء على ملك الغير تحت ستار حسن النية عندما نصت في الفقرة الثانية منها على أنه " ما يقع على التقييدات من ابطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية ..... وهذا يعني أنه في الحالة الذي يتم تفويت ملك عقاري محفظ بناء على وكالة مزورة لم يعلم بها المشتري أو صاحب الملك ، فإن المالك الحقيقي يسقط حقه ما لم يبادر بالمطالبة به داخل 4 سنوات من تاريخ التقييد . لا فرق أن يكون هذا الضحية مهاجرا أو في الثغور يدافع عن حوزة الوطن او حتى مسجون على ذمة قضية ما أو كان اميا أو غير ذلك . والغريب أن الحكومة في شخص وزارة العدل والحريات لم تبادر إلى اعداد مشروع قانون لسد هذه الثغرة ، رغم الحناجر القانونية التي بحت في هذا الشأن . وقد تدخل جلالته ، من خلال الرسالة الموجهة إلى وزير العدل والحريات السابق من أجل حثه على أخذ هذا الملف بالجدية المطلوبة بعد أن اصبح الضحايا دوليون . إن الحكامة العقارية يتترض أنها تقترن بالمراقبة والمحاسبة ، فإلى أي حد استطاعت المفتشيات العامة للمالية أو الداخلية أو غيرها او حتى المجلس الأعلى للحسابات أن تراقب كيفية تدبير العقار "العمومي " سواء تعلق بالأراضي السلالية أو أراضي الدولة أوالجماعات الترابية الخاصة والعامة، وإلى أي حد هناك لجنة تتبع الاستثمارات التي عبئت هذه العقارات من أجلها . ثم كيف يمكن الحديث أن الحكامة في ظل تعدد المتدخلين والمسيرين في غياب أية سلطة لرئيس الحكومة على ذلك . فأملاك الدولة العامة والأحباس والسلالية والترابية والغابوية وغيرها يدبرها الوزراء أو من في حكمهم بنص القانون ولا دخل لرئيس الحكومة عليها وذلك منذ بداية الحماية . ولا يتدخل هذا الأخير إلا إذا تعلق الأمر بمساطر تقنية تتمثل في الاخراج من الملك العمومي والضم إلى الملك الخاص للدول أو الاقتطاع من الملك الغابوي . والغريب أنه حتى الضم إلى الملك العمومي للدولة لأملاك الدولة الخاصة يوقع مرسومها رئيس الحكومة في غياب أي نص قانوني يسمح بله بإجراء هذه العملية ، وذلك تحت أعين الأمانة العامة للحكومة . ولا غرو أنه لا مجال للحكامة في تدبير الثروة العقارية الوطنية إلا بالشفافية والنزاهة وحسن التدبير . ولن يتم ذلك إلا عن طريق اعداد سياسة أفقية تتمثل في إعادة النظر في الترسانة القانونية المنظمة للعقار وتوحيد الجهة المشرفة على عقارات الدولة، ونفس الشيء بالنسبة لأملاك الجماعات الترابية ، وكذا المؤسسات العمومية . اما بالنسبة للجماعات السلالية فينبغي لمؤسسة رئاسة الحكومة الاحتفاظ اعمال حقها في الاشراف على الأملاك الجماعية ، لأن وزير الداخلية وصي على الجماعات السلالية ولا دخل له في الأراضي السلالية بصريح ظهير 27 أبريل 1919 المنظم للوصاية على الجماعات السلالية، ذلك أنه من اختصاص رئيس الحكمة طبقا للفصل الأول من الظهير المذكور حق المراقبة المالية والقانونية والتقنية بمعية وزارة الفلاحة . وهذا ما لم ينتبه إليه أي رئيس حكومة منذ الاستقلال ، الشيء الذي جعل جلالة الملك في رسالته السامية المشار إليها أعلاه ينبه إلى " أن التقييم الذي عد أحد مقومات السياسة العقارية للدولة ، يقتضي اعتماد استراتيجية وطنية شمولية وواضحة المعالم ، وتنزيلها في شكل مخططات عمل ، تتضمن كافة الجوانب المتعلقة ببلورة وتنفيذ هذه السياسة مع ما يرتبط بذلك من تدابير تشريعية وتنظيمية واجرائية وغيرها ، في تكامل بين الدولة والجماعات الترابية ، باعتبارها فاعلا أساسيا في التنمية المجالية ...." ولنا أن تساءل لماذا لم يتم تنظيم المناظرة الوطنية حول الأراضي الجماعية التي أكد عليها كل من السيدين محمد حصاد وشوقي الضريس وهما الوزيرين اللذين كانا يشرفان على وزارة الداخلية في عهد الحكومة السابقة واللذين التزما أمام قبة البرلمان بتنظيمها ، ثم لماذا لم تقم هذه الوزارة بتنفيذ ما تضمنته الرسالة الملكية عندما ورد فيها بالحرف بأنه " تلبية للتطلعات المعبر عنها من طرف الجماعات السلالية ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين ، أثناء الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية ، المنعقد سنة 2014 ، فإنه من الضروري إعادة النظر في الاطار القانوني والمؤسساتي ، وتبسيط المساطر لتدبير أنجع لهذا الرصيد العقاري" لقد مر على الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية ما يقرب من 3 سنوات والمناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة أكثر من سنتين ، ولم يخرج للوجود لا الاطار القانوني الجديد للأراضي الجماعية ولا مدونة التعمير ، ولم تنفذ من التوصيات إلا القشور ، علما ان الفرق البرلمانية تقدمت بمقترحات قوانين في هذا الشأن لم تعرها الحكومة أية أهمية لحد الان . وهذا ما يجعلنا نسائل السيد رئيس الحكومة أما آن الآوان لمصالحكم أن تأخذ ملف العقار وتدبيره بنفس الجدية التي يتناولون بها ملفات الاستثمارات الكبرى . لأن العقار هو الرافعة لكل تلك الاستثمارات ، والتحكم في دواليبه من اختصاص السلطة التنظيمية . وقد يساعد على ذلك على خلق المرصد الوطني للعقار تحت رئاستكم يضم المتدخلين والفاعلين وبالأخص خبراء العقار الغيورين عن البلد في غياب كل تنازع للمصالح . ثانيا : النهوض بالعقار كآلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من أجل اعتبار العقار آلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لا بد أولا من معرفة القيمة المالية للثروة العقارية للدولة والجماعات الترابية وغيرها . فحسب الاحصائيات شبه الرسمية فإن الملك الخاص للدولة العادي والغابوي لا يتعدى 12 مليون هكتار يضاف إليها 300.000هكتار كأراضي الجيش حيث تملك في بعضها الجماعات السلالية حق المنفعة ، أما ملك الجماعات السلالية فيقدر ب 15 مليون هكتار فأكثر ، و85 ألف هكتار أراضي الاوقاف ، ولا تتوفر مصالح رئاسة الحكومة على مساحة كل من الملك العمومي واملاك الجماعات الترابية. وهذا دليل على عدم ضبط المعلومات العقارية في غياب اجبارية التحفيظ لأملاك الدولة والجماعات الترابية ، فكيف يطلب من المواطن البسيط تحفيظ أملاكه العقارية ، والدولة لا تقوم بذلك رغم استفادتها من مجانية التحفيظ ؟ ثم لنا أن تساءل كيف أنه في مارس 1973 تم اصدار ظهير 2 مارس 1973 من اجل مصادرة أملاك الأجانب العقارية المتواجدة خارج المدار الحضري ، وانجز إحصاء شامل لذلك ولم يتم استرجاع جميع تلك الأملاك ، ونطلع بين الفينة والأخرى في الجريدة الرسمية على استرجاع حيازة عقارات تعود سنة 1973 للأجانب والحال ان حيازتها حاليا لدى المغاربة . وهذا ما يدعونا إلى المطالبة بإلغاء هذا القانون لأن الهدف من إصداره قد تحقق وهي مغربة الأراضي الفلاحية . لذلك فإنه يتعين على الدولة القيام باحصاء شامل للعقارات سواء كانت في ملك الخواص أو الأشخاص العامة ، مما قد يسهل اعداد سياسة عقارية شاملة . هذا ، وإنه حسب الوثائق المرفقة بمشروع القانون المالي لسنة 2017 تمت تعبئة أزيد من 68.660 هكتارا من أملاك الدولة الخاصة خارج مخطط المغرب الأخضر شملت أهم الأوراش الاستراتيجية الوطنية بقيمة استثمارية قد تصل إلى 286 مليار درهم ومن المتوقع ان توفر 244 ألف منصب شغل تقريبا ، استفاد منها قطاع السكن ب 15.000هكتار لإنعاش السكن الاجتماعي، و4835 هكتار لتهيئة فضاءات الاستقبال الصناعي والمحطات الصناعية المندمجة وكذا لإنجاز المشاريع الصناعية المختلفة بمبلغ استثماري اجمالي يقدر بحوالي 45 مليار درهم ومن المتنظر ان يوفر حوالي 107.000 منصب شغل . كما تمت تعبئة 12.428 هكتار لتطوير المنتجعات الساحلية في اطار المخطط الأزرق ومخطط بلادي وخلق مناطق التهيئة السياحية وإنجاز مختلف المشاريع السياحية والسكنية المندمجة بمبلغ استثماري يصل إلى 145 مليار درهم . أما في مجال الطاقة فقد تمت تعبئة 33.133 هكتار لإنشاء المحطات الطاقية بهدف تطوير الطاقات المتجددة . هذا كله ، يظهر أن الدولة تخصص عقاراتها لمشاريع استثمارية كبرى ، لكن الاشكال عامة بالنسبة للأشخاص العامة ، إذ ليس هناك مراقبة لصيقة من أجل تتبع تنفيذ دفاتر التحملات ، وهنا لا بد من خلق هيأة عامة لمراقبة الأوراش التي تفتحها الدولة تعمل تحت اشراف رئاسة الحكومة مباشرة ، ويتعين رفع تقرير مفصل في هذا الشأن لجلالة الملك اسوة بالتقارير المرفوعة له من طرف وسيط المملكة وبنك المغرب وغبيرها من المؤسسات المالية والحكامة ، لأن كل شبر من أرض الدولة يضيع في ما لا مصلحة عامة فيه يعتبر مسا بحقوق الانسان وقد يشوش على الاستقرار. وبالمناسبة فإن وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، يتعين عليه الخروج من فلسفة حقوق الانسان المتهالكة التي تختزل حقوق الانسان في الاعتقال السياسي وحرية التعبير ، إلى ما هو أوسع ، فهل عندما تقوم الإدارة بالترامي على أملاك الغير وتكيف تصرفاتها بأنها اعتداء مادي ألم تمس بحق الانسان في الملكية العقارية ؟ في اعتقادي هذا الورش من أهم الأوراش الذي يجب ان يلتفت إليها رئيس الحكومة عن طريق منع بل وزجر كل اعتداء المادي باعتباره جريمة بكل المقاييس يمس حق الملكية التي يضمنها الدستور والمواثيق الدولية وقبلها الشريعة الإسلامية ، لأن القيود على حق الملكية لا تتم إلا بقانون او بالتراضي . وهذا ما يجعلنا نطالب بإخراج قانون عام جديد لنزع الملكية لأجل المنفعة العامة مع الغاء القوانين الخاصة وما أكثرها وقد يجهلها حتى المختصين مع إقرار مسطرة مرنة مع تعويض مناسب وعادل يعتمد على أثمنة مرجعية تحددها الدولة بالنسبة لكل حي من أحياء المدينة، بحيث تترك للمحكمة سلطة الرفع منها او تخفيضها داخل نسبة مئوية معينة اسوة بالتعويض عن حوادث السير . لأن الواقع اظهر أن التعويض المحكوم به في الغالب يكون مرتفعا بالمقارنة مع ما تقترحه السلطة نازعة الملكية . * رئيس مرصد العقار والتعمير والبيئة