معاناة امتدت لخمس سنوات، يوازيها أمل متواصل؛ لكن الأمور تشاء إلا أن تعاكس طموحات ساكنة حي لسياسفة بالدارالبيضاء، ليصير معها حق التطبيب مؤجلا إلى حين. خمس سنوات تمر دون أن تتمكن الساكنة من ولوج فضاءات مستوصف بالأحرى مستشفى تعالج به أمراضها التي يزيد فقرها من حدتها وألمها. خمس سنوات تمر دون أن تفتح وزارة الصحة في وجه الساكنة مؤسسة مهجورة صارت تسيجها الأزبال. النساء.. معاناة الإغلاق تنقلت السيدة فاطمة من منزلها صباحا علها تجد مكانا لها بمستوصف "بريستيج الألفة" قرب حي الزوبير، وتحظى بفرصة التطبيب به، تاركة غير بعيد عن منزلها مستوصفا مغلقا لم يكتب له الافتتاح ليكون وجهة للمرضى بالمنطقة. معاناة هذه السيدة ومعها باقي نساء المنطقة تتكرر بشكل مستمر. كل يوم تستيقظ لعل الفرج يأتي، وتفتح هذه المؤسسة الصحية أبوابها في وجوههن، وتعفيهن من التنقل مشيا لكيلومترات صوب المستوصف الذي لا يستطيع تحمل مرضى جدد. وتروي فاطمة لهسبريس أن "النساء تعانين الأمرين، وتتكبدن العناء للتنقل إلى المستوصف الثاني، خاصة أنه يواجه بدوره مشكلة الاكتظاظ وقلة الأطر الطبية والأدوية"، مضيفة: "ما يعلم بينا غير الله، تانفيقو بكري باش نجيو لهنا ونشدو بلاصتنا قبل ما يولي الزحام". لا تقل معاناة فاطمة عن نظيرتها السعدية التي حملت طفلتها ذات العامين والمصابة بارتفاع درجة الحرارة من أجل التداوي، حيث طالبت بضرورة فتح المستوصف المغلق منذ سنوات للتخفيف من معاناة النساء. السعدية، وكباقي النساء والرجال بحي ليساسفة الهامشي، لا تملك أمام هذا الوضع الذي لا يستوعبه أحد سوى أن تمني النفس بأن تستفيق وزارة الصحة من سباتها وتنقذ الساكنة من معاناة ظلت لصيقة بهم، في مدينة تسعى إلى أن تكون "قطبا ماليا". أسباب الإغلاق قصة هذا المستوصف تكاد تكون غريبة، إذ لم يكتب له منذ بنائه أن يستقبل مرضى المنطقة بشكل مستمر. المستوصف، الذي شيد سنة 1998، ظل مغلقا حتى حدود سنة 2003 مغلقا دون أن يفتح أبوابه في وجه الساكنة. بعدها استبشرت الساكنة خيرا حين شرعت هذه المؤسسة في استقبالهم ومعالجتهم؛ لكنها سنة 2012 ستعود من جديد إلى الإغلاق. يرجع سبب الإغلاق الذي اعتمده قرار وزاري، حسب جمعيات المجتمع المدني، إلى كون بناية المؤسسة تعاني تشققات خطيرة قد تهدد سلامة المواطنين والأطر العاملة به؛ لكن هذا الأمر، حسب ناشطين بالمنطقة، يستوجب فتح تحقيق في الصفقة التي أبرمت بخصوصه وبطريقة التشييد وليس إغلاقه في وجه المرضى! لم تتقبل الجمعيات النشيطة بالمنطقة هذا القرار، حيث عملت على القيام بدراسة للمستوصف، والتي أكد فيها مكتب للدراسات أن الشقوق ليس لها أي تأثير سواء في البنية التحتية وفي متانة البناية، مؤكدين أن جميع المسؤولين الذين زاروا المركز بما فيهم المصالح التقنية لمقاطعة الحي الحسني يؤكدون ألا شيء يدعو إلى القلق. من جهتها، الخبرة التي أجراها المختبر العمومي للتجارب والدراسات أكدت أن الشفوق المعاينة بالمستوصف لا تشكل تأثيرا على البناء، إلا أنها أكدت أن طريقة تشييده بدون الاعتماد على أساس تشكل خطورة. "الحكرة" وهدر المال العام لم يستسغ نشطاء المجتمع المدني الطريقة التي تم التعامل بها مع الملف، حيث ظلت حناجرهم تصدح في مناسبات عدة احتجاجا على قرار الإغلاق. كما دخلوا في مرافعات مع الجهات الوصية والسلطات العالمية، للتأكيد على ضرورة فتح المركز الصحي وفك التهميش عن الساكنة. واعتبر مصطفى أفعداس، الفاعل الجمعوي، أن ليساسفة تعيش خصاصا في مجال الخدمات الصحية منذ إغلاق المركز الصحي الحضري ليساسفة منذ خمس سنوات. ولفت المتحدث نفسه، في تصريح لهسبريس، إلى أنه بالرغم من وجود مركز آخر فتح بشكل مؤقت كبديل بإقامة بريستيج الألفة؛ فإنه لا يلبي احتياجات الساكنة بحكم ضيق البناية وبعدها عن التجمعات السكنية، مطالبا بالإسراع في إيجاد حل لهذا المشكل. وذهب إبراهيم القاسمي، أحد الفاعلين الجمعويين بالمنطقة، إلى اعتبار أن الإغلاق" كان متعمدا وممنهجا لتحقيق مآرب شخصية مع العلم أنه جرى صرف مبالغ مالية خيالية على المركز، خصصت للترميم وإعادة الإصلاح قبل قرار الإغلاق بمدة قصيرة بمساهمة من اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بعمالة مقاطعة الحي الحسني". وأضاف الفاعل الجمعوي أن التحركات التي قاموا بها في الآونة الأخيرة بخصوص مطالبة المسؤولين بإعادة فتح المركز الصحي المغلق عاجلا "لم ترق للبعض منهم، لا سيما أولئك المتورطين من حيث الجانب التقني والمالي، الذين تأكد لنا بعد دراستنا لكل الوثائق والمعطيات المتوفرة أن لهم يدا في كل ما يجري من خروقات قانونية طالت العديد من الملفات الكبرى والمشاريع الإنمائية المتعلقة بالمنطقة". ولفت المتحدث إلى أن قرار الإغلاق كان "نتيجة إملاءات بعض المنتخبين لخدمة أجندتهم الانتخابية، والخطير في الأمر هو إعادة توجيه ميزانية المشروع الذي وقع أمام الملك محمد السادس من ضمن المشاريع المبرمجة في إطار المخطط الاستعجالي 2015/2020، والحامل لمشروع بناء مستوصف صحي جديد بليساسفة إلى إعادة بناء المركز المغلق حاليا، والذي برمج هدمه في تحد صارخ للإرادة الملكية وهدرا للمال العام بكل الأشكال". من جهته، اعتبر جواد الحاضي، الفاعل الجمعوي بليساسفة، أن البناية التي كان مفترضا أن تشرف على معالجة المرضى أضحت اليوم بناية مهجورة تحيط بها الأزبال وأكوام الأتربة في انتظار قرار شجاع من لدن الوزارة الوصية على القطاع. وأوضح المتحدث نفسه أن الساكنة لن تصمت عن هذا الأمر وستواصل احتجاجها إلى حين فتحه؛ مشيرا إلى أنه يتم حاليا العمل على" تأسيس حركة الفصل 33، للترافع على ملفات تتعلق بالصحة والسكن والشغل والتنسيق بين فعاليات جمعوية من الحي الحسني وليساسفة وعلى صعيد الدارالبيضاءسطات، من أجل مواصلة الدفاع والتراجع عن قضايا الساكنة". هدم المستوصف وإعادة بنائه أكدت نبيلة الرميلي، المديرة الجهوية لوزارة الصحة، في تصريح لجريدة هسبريس، أن مصالح الوزارة تأخذ بعين الاعتبار المعاناة التي تعيشها الساكنة بسبب إغلاق المستوصف منذ سنوات. وأوضحت الرميلي، التي تشغل في الوقت نفسه نائبة لعمدة الدارالبيضاء، أن اجتماعا جمع بينها وبين عاملة الحي الحسني بداية الأسبوع الجاري، جرى خلاله تدارس وضع المستشفى، مؤكدة أن الجهات المعنية تبحث عن حلول له. وأشارت المسؤولة نفسها، ضمن تصريح للجريدة، إلى أن التوجه الحالي يكمن في هدم المستوصف المذكور وإعادة بنائه بمعايير جديدة تستجيب لمتطلبات الساكنة، مبرزة في الوقت نفسه أن "هذه فرصة جديدة من أجل مراعاة ذلك مع الخريطة الصحية الجديدة للمنطقة". ولفتت المديرة الجهوية للصحة بالدارالبيضاء أن جميع المسؤولين يبحثون عن حل لهذا المشكل؛ لأنه "لا يمكن ترك ساكنة حي ليساسفة تعيش تحت وطأة المعاناة"، حسب تعبيرها.