أثار فوز ايمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية بفرنسا جملة من التعليقات وردود الفعل المغربية؛ لعل أطرفها تلك المتعلقة بالوضعية العائلية للرئيس الجديد، ولاسيما زواجه من بريجيت، معلمته السابقة الأكبر سنا منه. إن طرافة التعليقات تستدعي الوقوف على المعوقات الثقافية التي تكمن خلف الاتجاه الرافض وجدانيا لهذا الوضع عند بعض المغاربة والمغربيات، الأمر الذي دفعهم إلى التعبير عن صدمتهم ورفضهم القاطع، بل دعوتهم الرئيس الشاب إلى تطليق بريجيت والبحث عن زوجة صغيرة السن "تليق بالمقام" وتتناسب مع وسامته، مقابل ذم المسكينة بريجيت من حيث مستوى جمالها وعمرها المرتفع مقارنة مع زوجها. هكذا، يمكن الدفع بالملاحظات الأولية التالية: 1. تبين التعليقات الرافضة قيميا للوضع المذكور أن هناك اعتقادا معرفيا راسخا مفاده أن الرجل هو الذي يجب أن يحدد مواصفات زوجته من حيث السن والجمال والقوام وغيره. غير أن هناك معيارا يعد بمثابة خط أحمر يتعلق بالسن الذي يجب أن يقل بكثير عن سنه. فالمرأة كلما صغر سنها، ارتفعت أسهمها في "سوق" الخطوبة والزواج. كما سيكون من الأجدر أن "يتحكم" فيها و"يربيها على يديه". ولأمر ما نجد أن البطولة تحتلها بنات 16 و18 سنة في المخيال الجماعي المغربي على الأقل؛ حيث يتم تداولها على نطاق واسع في الأحاديث والنكت وسرد الغزوات والفتوحات الرجالية من خلال "الرجل المزواج" و"عودة الشيخ إلى صباه"، الخ... وعليه، يمكن القول إن وضعية الرئيس الفرنسي الجديد تتجاوز خطا أحمر في الثقافة المغربية والتقاليد المرعية صراحة أو ضمنا في الزواج. 2. إن كسر الحاجز القيمي/المعرفي يجد ما يؤكده في ما علق في الوجدان الرجالي والنسائي المغربي الذي يكره ويرفض الرجل الذي "يتنازل" عن "حقه" في الزواج بامرأة "جميلة" و"تصغره سنا". إن "تنازل" ماكرون وقبوله بالوضع، بل وافتخاره العلني بزوجته، صدم بعض المغربيات والمغاربة الذين احتجوا، فيسبوكيا على الأقل، على ما فعله "ماكرون الرئيس الجميل الشاب...". لقد ترسخ في الوجدان المغربي رفض قاطع لزواج الرجل "الوسيم" بالمرأة "الذميمة" و"الأكبر سنا". في المقابل، يقبل الوجدان ذاته وينظر "بعين الرحمة" لزواج شيخ هرم بطفلة صغيرة لا تتجاوز في بعض الحالات 9 سنوات. 3. إن المعوقين المعرفي والوجداني يجدان استمرارهما وتجسيدهما العملي على المستوى السلوكي؛ ذلك أن زواج ماكرون، وهو الفرنسي البعيد جغرافيا وثقافيا، أثار ما أثار، فما بالك لو "فعلها" مغربي أو "فعلتها" مغربية. هنا تكون "الفضيجة بجلاجل"، كما يقال باللهجة المصرية. هكذا، يجد المغربي أو المغربية، اللذان ينطبق عليهما حال ماكرون، نفسيهما في وضعية لا يحسدان عليها اجتماعيا. فيكونان عرضة لموجات من الغمز واللمز والتنكيت والتسفيه والتبخيس لا أول لها ولا آخر. كما ينخفض اسهمهما في "بورصة الرجال" و"بورصة النساء"؛ ذلك أن "سيد الرجال" تزوج "ستاشية"، وأنت "تتزوج امرأة قد أمك؟؟" وهكذا دواليك. 4. السؤال الأخير الذي أختم به هذه الملاحظات هو: هل هذه المعوقات مرجعيتها دينية صرفة أم اجتماعية تاريخية ذات أصول قبلية؟ جوابي سيكون في شكل فرضية تقول إن العوائق المذكورة مرجعيتها اجتماعية تاريخية وليست دينية؛ ذلك أن النبي محمد (ص) تزوج السيدة خديجة وهي تكبره سنا، ولم يشكل ذلك صدمة أو "عيبا" في الإسلام. ولعل هناك أدلة وقرائن أخرى تؤكد هذه الفرضية. من ثمة، فإن صدمة ماكرون في صيغتها المغربية ذات جذور ثقافية واجتماعية مرتبطة بمنظومة القيم المحلية المتوارثة والمقبولة تاريخيا. ومن أجل تحليل وفهم الصدمة، لا بد من تحليل النسق والوقوف على مكوناته وأبعاده المعرفية والوجدانية والسلوكية.