افتتحت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، اليوم الاثنين ببنجرير، نواحي مراكش، نسختها الرابعة من المؤتمر الدولي حول الابتكار والتكنولوجيا في صناعة الفوسفاط "سيمفوس"، تحت شعار "الابتكار من أجل فلاحة الغد". النشاط الذي يحضره بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية حوالي ألف باحث من مختلف القارات يوفر، على مدى ثلاثة أيام، الفرصة لإيجاد الحلول الكفيلة بتطوير سلسلة إنتاج وتصدير "الذهب الأصفر"، عبر الانفتاح على عدد من المتغيرات الدولية، وعلى رأسها فتح المجال أمام الطاقات البديلة لتحقيق هذه الأهداف، بالإضافة إلى استفادته من تجارب مختلف الحاضرين الذين يمثلون 43 بلدا. وخُصصت الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر لعرض علمي قدمه سيرام راماكريشنا، البروفيسور بالجامعة الوطنية لسنغافورة، حول التحول الذي غير وجه هذه الدولة الآسيوية الصغيرة في الخمسين سنة الماضية، بعد أن كانت تعتمد على الصيد التقليدي بشكل حصري، جاعلا منها اليوم واحدة من أبرز القوى الاقتصادية والصناعية بآسيا والعالم. وفِي معرض مداخلته، أبرز راماكريشنا أن سنغافورة تتوفر على 5 ملايين نسمة فقط، إلا أن ناتجها الداخلي الخام يضاعف 3 مرات الناتج الداخلي للمغرب، إذ يصل إلى 300 مليار دولار، فيما تبلغ احتياطاتها من العملة الصعبة 400 مليار دولار، مقابل 40 مليار دولار فقط يتوفر عليها المغرب، كما أوضح أن متوسط الدخل حسب الفرد يبلغ في دولته 87 ألف دولار، فيما لا يتجاوز الرقم نفسه 8 آلاف و200 دولار بالمملكة. راماكريشنا، الذي يشرف على وحدة بحثية هي الأفضل من نوعها بآسيا وتحتل المرتبة 11 عالميا، شرّح أسباب تحول سنغافورة من دولة فقيرة في ستينيات القرن الماضي، تعتمد بالأساس على الصيد التقليدي، إلى واحدة من أهم الدول الآسيوية، مشيرا إلى أن سنغافورة سنة 1965 لم تكن تتوفر على الطاقة والطعام والماء والثروات الطبيعية، غير أنها الآن تنافس الدول العظمى في الكثير من المجالات، وتستعد لإنشاء أكبر محطة عائمة للطاقة الشمسية على الصعيد العالمي، تلبي 80 في المائة من حاجياتها الطاقية. وعن أسباب هذا التحول الحضاري اللافت، كشف المتحدث ذاته أن سنغافورة بحكم أنها لا تتوفر على ثروات طبيعية تغطي حاجياتها، اتجهت منذ عقود إلى الاستثمار في الإنسان، برهانها على قطاعي التعليم والبحث العلمي؛ هكذا إذن تتوفر سنغافورة اليوم، بحسبه، على نسبة مهمة من الباحثين بمختلف الجامعات الكبرى والمراكز البحثية بالعالم، ارتفع عددهم من 5 آلاف سنة 2000 إلى 50 ألف باحث سنة 2016، بينهم 3 آلاف امرأة حاصلة على شهادة الدكتوراه، لافتا الانتباه إلى أن البلاد تنفق اليوم 19 مليار دولار في مجال البحث العلمي، مقابل 2 مليار دولار فقط سنة 1995. وعن تطور الاقتصاد السنغافوري منذ ستينيات القرن الماضي، أفاد الباحث ذاته بأن سنغافورة كانت تعتمد بشكل حصري على الصيد التقليدي في الستينيات، بعدها ستبدأ بالتركيز بشكل محتشم على القطاع التقني في السبعينيات، فيما شهدت مرحلة الثمانينيّات انخراطها في النظام الرأسمالي، ما سيؤهلها سنوات التسعينيات للاهتمام بالمجال التكنولوجي، ثم المجال المعرفي في الألفية الثالثة، غير أنها اليوم تتجه بشكل كبير إلى مجال الابتكار. وإلى جانب الورشات التي يفتح فيها المؤتمر النقاش حول عدد من المواضيع، وعلى رأسها التقنيات الجديدة في صناعة الفوسفاط، يوفر هذا النشاط فرصة لعشرات الشركات المتخصصة لعرض منتجاتها أمام المشاركين والزوار. وعن هذه المعارض يقول رشيد بوليف، عضو لجنة تنظيم "سيمفوس"، ومدير الأبحاث والتنمية بالمكتب الشريف للفوسفاط، إنها تضم "106 شركات من 43 بلدا بمختلف القارات، تخص بالأساس الشركات التي تشتغل في مجال التكنولوجيا والابتكار، والطاقات المتجددة والكيمياء والتعدين والتكنولوجيا الحيوية وغيرها". وأوضح بوليف، في تصريح لهسبريس، أن مجال اشتغال هذه الشركات يتقاطع مع أهداف هذه الدورة من فعاليات مؤتمر "سيمفوس"، "التي تنصب بالأساس على تطوير مجال إنتاج الفوسفاط، عبر ترشيد الطاقات في سلسلة الإنتاج، خاصة أن المغرب بلد لا يتوفر على البترول وعدد من الثروات الطبيعية الأخرى". وأبرز المسؤول البارز في المكتب ذاته أن المملكة، بصفتها واحدة من أهم الدول المنتجة والمصدرة للفوسفاط، مدعوة إلى الانفتاح على هذه التجارب والسبل الحديثة في عملية الإنتاج، في إطار اهتمام المكتب الشريف للفوسفاط بمجال البحث العلمي والابتكار. كما أنها "فرصة لتبادل الخبرات مع متخصصين من مختلف مناطق المعمور لإيجاد السبل الكفيلة بتحسين إنتاج الفوسفاط"، يزيد المسؤول نفسه. وعن توجيه الدعوة للباحث السنغافوري لإلقاء العرض الافتتاحي، أوضح بوليف، أن راماكريشنا واحد من الباحثين السنغافوريين الأكثر إشعاعا على الصعيد الدولي، إلى جانب مساهمته الكبيرة في تطوير بلده على مستوى البحث العلمي، ما أهلها لكي تصبح اليوم من أبرز القوى المساهمة في تطوير الاقتصاد العالمي. من جهة ثانية، شدد بوليف على أن المكتب الشريف للفوسفاط انفتح على البحث العلمي منذ 1947، قبل أن يشير إلى أهمية هذا المجال إلى جانب الابتكار للتموقع ضمن الدول القوية بالقول: "يجب مواكبة التطورات التي يعرفها العالم بشكل يومي، كما يجب توفير أرضية صلبة للبحث العلمي، وهو ما يجعل المكتب الشريف للفوسفاط يطور بنيته المستقلة في مجال البحث ويعقد شراكات مع عدد كبير من الجامعات والمؤسسات البحثية". وفِي هذا السياق، أعلن المكتب الشريف للفوسفاط عددا من المشاريع العلمية، أبرزها المختبرات التشاركية "Living Labs"، التي تمكن الشباب عبر الانفتاح على المجتمع العلمي من إيجاد الحلول المناسبة في عدد من المجالات، كمشروع "المدينة الخضراء" الذي اعتبره المكتب "فريدا من نوعه على مستوى القارة الإفريقية، تمكن مشاريعه الخاصة بالتنمية الحضرية في مجالات تدبير النفايات والطاقة والمياه العادمة من فتح الباب لإجراء العديد من الدراسات". إلى جانب مشروع المدينة الخضراء محمد السادس، الذي يضم مزرعة للطاقة الشمسية تمكن من تجريب نختلف تقنيات الألواح الكهروضوئية، لمواكبة جهود المغرب في تنفيذ المخطط الوطني لتنمية الطاقات المتجددة، ثم مشروع منصة الاستغلال المنجمي المتطورة، والمركب الكيماوي بآسفي، ومنصات التكنولوجيا الفلاحية. كما كشف المكتب الشريف للفوسفاط استعداده لإنشاء مركز بحثي بمدينة العيون، موجه نحو الموارد الطبيعية والطاقات المتجددة بما في ذلك الطاقة الريحية.