صالونات الحلاقة النسائية بعضها يتعلق بمهنة الحلاقة والتجميل، والبعض الآخر يتعلق بمهن أخرى تجارية تروج لكل أنواع التجارات المباح منها والمحظور··· فقد أصبح بعض هذه الصالونات بالمغرب عبارة عن نوادي للصداقة والتعارف وتحديد المواعيد وعقد الصفقات وتقديم نوع خاص من الخدمات، حيث تنسج العلاقات داخل الصالون وتتناسل وتتوسع، كما تتنوع مجالات خدماته وتتشابك لتمتد خارج نطاقه، بل خارج نطاق الوطن··· فيتحول إلى فضاء للاتجار المحلي، الوطني والدولي··· بضاعات تستورد وأخرى تصدر! مركز تجاري لعرض المنتجات المستوردة من دول الشرق من أقمشة وعطور وحلي وغيرها مما يجذب المرأة إلى سحر الشرق و>الشرقيين<، فيغريها بذخهم وثراؤهم، ليصبح الصالون معرضا لعرض اللحوم البشرية، بل يتحول إلى وكالات تشغيل محلية، وطنية ودولية في مجال الدعارة والوساطة فيها تحت يافطات وأقنعة متعددة، إنه نقطة التقاء لسماسرة الدعارة ورقيقها الأبيض· "" قد تتردد بعض النساء على صالونات الحلاقة بغرض التجميل، وأيضا بغرض الترفيه عن النفس ونفض بعض هموم ومشاكل الحياة اليومية وروتينها الممل، خصوصا أن هذا الفضاء يجمع نسوة لم يسبق لهن أن تعرفن على بعضهن، مما يرفع الكلفة بينهن ويجعل ستار التحرج أو الخجل أيضا مرفوعا· وتلعب صاحبة الصالون دورا أساسيا في خلق أجواء من الدفء والحميمية المغرية بالحديث والكشف عن خبايا النفس الدفينة لكل زبونة··· فأجواء الصالون وطريقة تعامل العاملات به مع الزبونات، توحي بالألفة والأمان وتمنح شعورا بالاطمئنان والحميمية والثقة، فتنحل عقدة اللسان، ومن ثم تتحول الزيارات الأسبوعية إلى جلسات حميمية للتنفيس عن النفس وللحكي والفضفضة عن مشاكل الزبونات مع الأبناء والزوج والحماة، وتبدي صاحبة الصالون اهتمامها بمتابعة تطورات حياة الزبونة في أدق تفاصيلها وأكثرها حميمية، حيث تعمل جاهدة على إرساء علاقات خاصة مع كل زبوناتها، لتصبح حافظة أسرارهن وبئرها العميق· وبلباقتها، تتمكن من معرفة أسرار كل زبونة؛ وبالتالي معرفة احتياجات كل منهن النفسية والعاطفية والمادية، بل وتتوقع ردود فعل كل واحدة عندما تعرض عليها تقديم خدماتها >الخاصة< لإخراجها من محنتها النفسية أو ورطتها المادية، مما يضمن لها النجاح في مهمتها المتعلقة بالوساطة في الدعارة، والتي أصبحت صفة ملازمة لأغلب الصالونات· إذ أصبحنا نسمع العديد من الشائعات والوقائع أيضا حول ما يجري في فضاء هذه الصالونات··· تحكي إحدى السيدات، في جلسة حميمية بأحد صالونات المدينة القديمة، بدون أدنى حرج، عن زوجها المشغول عنها دوما، والذي علمت بخيانته لها: >كنت مخلصة ومطيعة له، وكنت أحترمه، بل أهابه· ومع ذلك، لم أر منه يوما ما يرضيني أو يشعرني بأنني مهمة لديه· وكنت أصبر وأداري وأتغاضى··· إلى أن علمت بخيانته لي··· (وتشير إلى صاحبة الصالون قائلة): >(ن) تعلم بقصتي معه، وكم بكيت في هذا الصالون كالمجنونة· والفضل لها في ما أنا عليه الآن· لقد تأثرت كثيرا لحالي وواستني وعرفتني على رجل شرقي يحبني ويهتم بي· أشعر معه بأنوثتي· فقد استعدت ثقتني بنفسي وبجمالي التي فقدتها مع زوجي الذي عاد لي الآن بعد أن ضاع شرفه· لقد تغير سلوكه معي· انقلبت الآية، الآن، حيث أصبح مقبلا علي بعد أن أعرضت أنا عنه··· وأصبح يستجدي اهتمامي به ويغمرني بالهدايا· أنا، الآن، سيدة الموقف في علاقتي به<· وتنهي حديثها بضحكة صاخبة، وهي تلعن الرجال وتهزأ من غباء الزوجات المخلصات المقهورات المذلولات حسب رأيها· هناك حكايات أخرى عن صالونات تحولت إلى وكالات تشغيل دولية تبيع عقود عمل للراغبات في الهجرة نحو دول الخليج، أو الراغبات في الزواج فيفاجأن في النهاية بأنها عقود للدعارة، وأن العمل أو الزواج هو طعم فقط للوقوع في مصيدة البغاء· ومن الزبونات من ترفض ومنهن من توافق· بعض الحلاقات والحلاقين قوادون أو وسطاء، وبعض الصالونات عبارة عن فيترينات لعرض المومسات أو لاقتناء الضحايا واستدراج القاصرات· أسماء وهواتف الزبناء والمومسات، بل حتى عناوين الشقق والفيلات المعدة للدعارة أيضا··· كل هذه المعلومات ممركزة عند بعض أصحاب الصالونات من الرجال والنساء··· فهؤلاء هم المفتاح الرئيسي لهذه العملية والعقدة الأساسية في هذا المسلسل الرخيص· وكلما كان الصالون راقيا، كلما كان مجال السمسرة متطورا ومتسعا ومربحا··· إنها محلات لتجارة اللحوم البيضاء، بل دكاكين للدعارة السرية··· عازبات، متزوجات، مطلقات وأرامل، موظفات، عاملات، عاطلات وتلميذات، شابات، مراهقات وقاصرات··· البضاعة متنوعة بتنوع أعمار ومستويات هؤلاء النساء والفتيات· والزبائن خليجيون، شرقيون، غربيون ومغاربة، بل حتى رجال الأمن من مستويات عليا والذين من المفروض أنهم يحاربون هذه الظاهرة··· تحكي إحدى النساء: >كنت وصديقتي، وهي في نفس الآن زميلتي في الدراسة وجارتي آنذاك، نقطن بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، وكنا نتردد أسبوعيا على أحد صالونات الحلاقة هناك لسيدة متزوحة، كانت تحترمنا بحكم أننا من قدماء بنات المدينة القديمة وعائلاتنا معروفة هناك بالاستقامة والشرف··· وكنت وصديقتي نحرص على أن نذهب إلى صالون الحلاقة هذا ونتحاشى الذهاب إليه في أيام الذروة كالجمعة والسبت والأحد والأعياد· كنا نذهب أيام الخميس أو الاثنين حتى لا نصادف من لا نرغب في لقائهن وحتى لا نسمع مالا يعجبنا سماعه، وحتى لا نحرج صاحبة المحل، فهي من نصحنا بالمجيء في هاذين اليومين خوفا من أن نرى ونسمع ما لا تريدنا أن نطلع عليه· وفي إحدى المرات، كنا في الصالون لوحدنا، أنا وصديقتي وصاحبة الصالون فقط، وبينما كنت أنا جالسة تحت آلة تنشيف الشعر وكانت صاحبة الصالون مستغرقة في تصفيف شعر صديقتي، إذا بامرأة من الحي، مشهورة بعلاقاتها المشبوهة مع رجال الأمن ومسؤوليهم بالمدينة القديمة، تدخل وتسلم علينا· وكانت كلما انحنت على وجه الواحدة منا لتقبيلها إلا وأمعنت النظر في وجهها بشكل ملفت ووقح وهي تنقل بصرها لاستكشاف جسدينا مركزة على الوجه والصدر··· ثم تحرك رأسها باتجاه مؤخرتينا المختفيتين داخل المقعد· بعد التحية وحركة الاستكشاف تلك التي أثارت انتباهنا واشمئزازنا ودهشتنا التي زالت عندما توجهت إلى صاحبة الصالون سائلة إياها هل لديها بنات للسهر مع مسؤولَيْ الأمن (في عهد ثابت آنذاك)· أصيبت صاحبة الصالون بالذهول، وأحست بالإحراج والارتباك، فأجابت السائلة الوقحة، بإجاز شديد وبصرامة، بلفظة: >لا!<· فكررت السائلة السؤال بشكل أوضح وأفضح: >فلان وفلان يريدان الليلة فتاتين (للقسارة)<، فأجابتها بسرعة وحدة شديدة تريد التخلص منها: >لا يوجد عندي ما يريدان<· فنظرت إلينا السائلة وقالت لها وهي تبدي إعجابها واستحسانها: >بلى، هذا جيد وهو عز الطلب، وسيقدمان 500 درهم للواحدة!<· احمر وجه صاحبة الصالون وتصبب العرق من جبينها وارتبكت يداها، وأصيبت بنوبة غضب شديد بسبب بلادة السائلة وإلحاحها الوقح، وأصابها الإحراج من نظراتنا المستنكرة والمستفسرة في صمت والمستغربة للحوار الدائر بينهما· إذ كنا كبضاعة في مزاد علني أو سوق للرقيق! تركت صاحبة الصالون شعر صديقتي وتوجهت نحو السائلة، فنهرتها ثم دفعتها بقوة نحو الباب، وهي تصرخ: >ها الشي ماشي داكشي لي بغيتي<، وطردتها من الصالون ثم عادت متعثرة خجلا لعملها· عم الصمت المكان، فكان أعمق من الكلام حتى انتهت من تصفيف شعرنا، فخرجنا بدون رجعة··· وهناك قصص أخرى عديدة عن قضايا الدعارة والوساطة فيها لحلاقين وحلاقات عرضوا على القضاء منها صاحبة صالون بدرب الطاليان بالدار البيضاء، أحيلت على المحكمة وسجنت بسبب الوساطة في الدعارة وأغلق صالونها الذي تحول إلى محلبة··· الصالون، أيضا، فضاء لمن تريد أن تمارس عاداتها السيئة وتروي عطشها للخمرة أو تشبع حاجتها للتدخين بعيدا عن الأب والأخ أو الزوج··· تدخين السجائر والمخدرات··· وعندما تدور الرأس وتتوسع سحابة الدخان الكثيف الذي يغمر الصالون الضيق وتدور رؤوس المدخنات تدخينا سلبيا وإيجابيا، ينطلق اللسان ويرتفع القناع وتبدأ الحكايا والقصص عن المغامرات والمداهمات والمطاردات مع الزبائن ورجال الأمن وأصحاب الفنادق··· حكايات يندى لها الجبين، بعضها تقشعر له الأبدان والآخر يبين مدى المعاناة والقسوة والحاجة التي دفعت هؤلاء الفتيات والنسوة لأن يصبحن فرائس تحت أنياب وحوش بشرية عربية وشرقية ولأن يسترخصن أجسادهن وذواتهن، كرامتهن وشرفهن···