لم يعد هناك سائح يضل الطريق إلى العاصمة الليبية طرابلس، الفنادق خاوية، نضبت مياه حمامات السباحة، نصف قوائم الطعام غير متوفرة. أغلب الدبلوماسيين الغربيين لا يبيتون في طرابلس، الأصوات الوحيدة التي تترددت فى الصباح في صالة الطعام شبه الخاوية بالفندق هي أصوات عربية، وأخرى روسية. تكتسب روسيا نفوذا متزايدا في الصراع المستمر في ليبيا. و"المشكلة الحقيقية هي الصراع على النفط والسلطة والمال" حسب مارتن كوبلر، المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا. سقطت ليبيا في الفوضى في أعقاب سقوط حاكمها معمر القذافي، الذي ظل على راس السلطة فترة طويلة. وليست لدى حكومة الوحدة الليبية، بقيادة فايز السراج، سيطرة تذكر خارج العاصمة الليبية. وفي شرق البلاد، حيث الحقول النفطية المهمة ،أعلن مجلس النواب تشكيل حكومة مضادة، وتخضع هذه المنطقة لسيطرة أحد العسكريين الأكثر نفوذا في ليبيا، إنه الجنرال خليفة حفتر، العسكري غريب الأطوار الذي هدد بالزحف إلى طرابلس. كان السياسي الأممي كوبلر على اتصال بحفتر أيضا فترة طويلة، بمساعدة روسيا. وقال : "انا سعيد جدا بأن لدى الروس تأثيرا جيدا على الجنرال حفتر". وأكد المسؤول الأمم أن هناك تنسيقا في المواقف مع روسيا وسط مجلس الأمن، وأضاف أنه لا يمكن أن يكون هناك حل للنزاع في ليبيا بدون خليفة حفتر. ويرى ماكسيم سوخكوف، الباحث في العلوم السياسية والخبير الأمني بالمعهد الروسي للشؤون الدولية أن روسيا لديها هي الأخرى مصالح في شمال إفريقيا، وأن "علاقة روسيا بحفتر ذات صلة بتصور موسكو عن المنطقة بأكملها". كما يرى الخبير أن وجود قيادة ليبية صديقة لروسيا يمكن أن يكون جزء من محور "دمشقالقاهرةطرابلس" الذي تهيمن عليه روسيا، لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقيم علاقة طيبة مع الحاكمين الآخرين؛ عبد الفتاح السيسي في مصر وبشار الأسد في سورية. ويخشى مراقبون من أن تؤثر روسيا على الاقتتال الليبي، وعلى السلطة لصالحها، وأن تخلق "دائرة نفوذ روسية" على المدى البعيد حول البحر المتوسط، حيث تقيم روسيا علاقات طيبة أيضا مع الجزائر المجاورة لليبيا. وترى موسكو إمكانية أن يكون الجنرال حفتر الوريث الطبيعي لحاكم ليبيا السابق، معمر القذافي، لأسباب ليس آخرها أن حفتر تلقى تدريبه يوما ما في الاتحاد السوفيتي سابقا. ويتردد في الأوساط المقربة من الكرملين أن موسكو لا تزال نادمة حتى اليوم على عدم استخدام حق الاعتراض "الفيتو" في مجلس الأمن، عام 2011، ضد العملية العسكرية الغربية في ليبيا، وذلك لأن روسيا شعرت عند مقتل القذافي على أيدي الثوار أن الغرب خدعها، حيث يعتقد أن روسيا خسرت بسقوط القذافي اتفاقات بشأن مشاريع في قطاع الطاقة والأسلحة والبنية التحتية تقدر بنحو 4 مليارات دولار. في فبراير الماضي التقى رئيس شركة "روزنفت" الروسية برئيس الشركة الوطنية الليبية للنفط ،و وقع معه اتفاقية تعاون. بينما كلف البنك المركزي الذي تسيطر عليه حكومة الشرق في ليبيا دولة روسيا بطباعة أموال ليبية جديدة. ولكن روسيا مهتمة أيضا، إلى جانب مصالحها الاقتصادية في ليبيا، بأمن حليفتها الجيدة مصر التي تقع على حدود ليبيا مباشرة، حسب ما أوضح الباحث السياسي سوخكوف. تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي "داعش" كان يسيطر على بعض أجزاء ليبيا، ولكن تم دحره في معظم المناطق. وتوجه الجنرال حفتر، مؤخرا أثناء زيارة موسكو، بالشكر لروسيا على مساعدتها في محاربة الإرهاب، وأشاد في التلفزيون الروسي بالدعم الروسي الجيد. وقد زار حفتر وفريقه موسكو أكثر من مرة. ولاستعراض قوته تم استقباله، في يناير 2017 على متن حاملة الطائرات الروسية "أدميرال كوزنيتسوف"، في البحر المتوسط، وتحدث مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو هناك. كما أن هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن موسكو لوحت لحفتر بصفقة سلاح تقدر قيمتها بما يصل إلى ملياري يورو. بينما أصحبت فرنسا تراهن، هي الأخرى، على الجنرال غريب الأطوار في شرق ليبيا. فرغم أن الجنرال ليس خارج إطار الجدل في روسيا، لأنه عاش من قبل عدة سنوات في الولاياتالمتحدة، إلا أنه ليس هناك بديل له في الوقت الحالي حسب الخبير السياسي الروسي سوخكوف؛ لأن موسكو بحاجة للدعم العسكري للجنرال. ورغم أن روسيا تريد الاستقرار في ليبيا، وتقديم نفسها كوسيط يؤخذ على محمل الجد، إلا أنه ليس من مصلحتها أن تتدخل عسكريا هناك. لذلك فإن موسكو تفضل المناورة بين الجبهات المختلفة؛ حيث دعت مؤخرا رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج المدعوم دوليا، لزيارة موسكو. وترى ماريانا بيلينكايا، خبير الشؤون السياسية في مركز كارنيغي موسكو، أن على روسيا أن تتعامل بحرص في المسألة الليبية، وأن التعاون مع السراج وحده سيضر باتصالات موسكو بالقوى الموجودة في مناطق شرق ليبيا. كما يرى ماكسيم سوخكوف، هو الآخر، أن "روسيا لا تريد تحمل التبعات العسكرية أو المالية في حالة تصاعد الموقف في ليبيا"، وهذا ما يمكن أن يحدث قريبا حسب ما يعتقد المبعوث الأممي كوبلر؛ والذي قال: "أنا قلق جدا بشأن الوضع المرشح حقا للخروج عن السيطرة". *د.ب.أ