"حماس" تشيد بموقف الأردن ومصر الرافض لتهجير الشعب الفلسطيني    مذكرة بحث دولية تطيح بكويتي بمطار محمد الخامس    الدار البيضاء.. بعد انقلاب سيارته وتفتيشها.. توقيف شخص بحوزته 1000 قرص من "الإكستازي" و 14 كلغ من "الحشيش" و 432 كلغ من الكيف والكوكايين    المستشار إسماعيل العالوي يناقش تحديات تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة وفرص تطويرها والابتكار فيها    التنسيق النقابي لقطاع الصحة يطالب بلقاء عاجل لتصحيح المسار وتسريع تنفيذ اتفاق يوليوز 2024    الدكتور عميريش مصطفى: التلقيح يعد الوسيلة الوحيدة والأكثر فعالية للوقاية من داء الحصبة    نصف المتوجين بجائزة الكتاب العربي من المغاربة    نزار بركة يترأس لقاءً تواصليًا بأكادير لمناقشة تحديات الماء والطرق وتعزيز العمل الحزبي    الكاف يحدد موعد إجراء قرعة كأس أفريقيا تحت 17 سنة و"كان الفوتسال" للسيدات "المغرب 2025"    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية يشيدان بدينامية التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة    27 قتيلاً و2873 مصاباً في أسبوع دموي جراء حوادث السير.. حصيلة ثقيلة تفضح خطط نارسا    فضيحة إنجاز "بحيرة الرهراه" بطنجة ب940 مليونا تصل لوزير الداخلية.. ومطالب برلمانية بفتح تحقيق    إسرائيل تتوعد حماس ب"معارك عنيفة" وإنهاء اتفاق الهدنة    سبعة مغاربة وأردني ولبناني وسعودي ومصريان يفوزون بجوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة 2024 – 2025    توقعات المديرية العامة للأرصاد الجوية    مأزق استراتيجي جديد لقصر المرادية بسوريا    كوريا الشمالية: "اقتراح ترامب السيطرة على غزة سخيف والعالم يغلي الآن مثل قدر العصيدة يسببه"    الحكومة تقر بتراجع القطيع الوطني إلى مستويات قياسية    "دوزيم" الأكثر مشاهدة خلال 2024 وسهرة رأس السنة تسجل أعلى نسبة    أشرف حكيمي.. ملك الأرقام القياسية في دوري أبطال أوروبا ب 56 مباراة!    لافتة "ساخرة" تحفز فينيسيوس في فوز ريال مدريد على سيتي    بدء المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي    أساتذة اللغة الأمازيغية ينددون بإقصائهم من التكوينات ومنحة الريادة    مؤشر "مازي" يرتفع ببورصة البيضاء    نوفل لحلو: التوفر على صناعة طبية مرنة شرط أساسي لتحقيق السيادة الصحية الوطنية    جامعة الدول العربية ترفض التهجير    تلوث الهواء يؤدي إلى وفاة 7 ملايين شخص بشكل مبكر سنويا    تراجع أسعار الذهب بعد ارتفاعها إلى أعلى مستوى على الإطلاق    أكادير تحتضن الدورة الثانية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    بعد الانتصار المثير علي السيتي... أنشيلوتي يعتذر لنجم ريال مدريد البديل الذهبي … !    الاتحاد الدولي للملاكمة يتجه لمقاضاة اللجنة الأولمبية على خلفية مشاركة الجزائرية إيمان خليف في باريس 2024    ظهور مفاجئ لسمكة "الشيطان الأسود" في الأعماق يثير الدهشة    القاتل الصامت بنهي حياة شابة بتزنيت    إبراهيم دياز يعلق لأول مرة بعد الفوز على مانشستر سيتي    الاتحاد الدولي لألعاب القوى يلزم العداءات ب "مسحة الخد" لإثبات أنَّهنَّ إناث    الرباط: مجلس المستشارين يختتم أشغال الدورة الأولى من السنة التشريعية 2024-2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    إصابة عامل في مزرعة ألبان بولاية نيفادا الأمريكية بسلالة جديدة لإنفلونزا الطيور    إقالة المفتش العام للوكالة الأميركية للتنمية بعد انتقاده لترامب    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    حوار قطاعي بين وزارة العدل والنقابة الوطنية للعدل.. توافق حول ملفات الترقية والتعويضات والخصاص    ‬"أونكتاد" تتفحص اقتصاد المغرب    الصين تعرب عن استعدادها لتعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي مع الدول الأخرى    سوريا ترفض الإفراج عن جنود وضباط جزائريين وعناصر من بوليساريو.. دليل إدانة ضد الجزائر وبوليساريو لمشاركتهما في تقتيل الشعب السوري    كيف تحمي نفسك من الاحتيال عبر الإنترنت في 2024: دليل شامل لحماية بياناتك وأموالك    زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    منظمة الصحة العالمية تطلق برنامجا جديدا للعلاج المجاني لسرطان الأطفال    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرث: أغنياء يتنعَّمون وفقراء يتجَادلون
نشر في هسبريس يوم 27 - 04 - 2017

لم أعد أتحدث في قضايا الدين؛ لأن التدافع فيه من نصيب الساهرين على حماه بنص الدستور، أو من ينوبون عنهم من مؤسسات معنوية ومادية، وبناء عليه، فما سببته دعوة البعض إلى إعادة النظر في جزء من قضاياه من حيث المراجعة والتجديد، أراها دعوة يراد بها الإلهاء والتسكين لآلام الفقراء. ما الذي سيربحه الفقير في ضجة "تجديد النظر في مسائل الإرث" ؟ إنه المسكين، يفترش الأمل ويتغطى بالقناعة والعفاف، لا يملك شيئا يرثه أو يُورِّثُه.
هل حقيقة نحن في حاجة إلى "متسلّف" يسافر بنا إلى زمن غابر لنقرأ قضية الإرث كيف بدأت مع ابني آدم مرورا بالحضارات القديمة حتى نصل إلى واقع الإرث عند عرب الجاهلية قبيل البعثة ؟ ولنحكم في الأخير بتاريخية النص القرآني بدعوى أن الزمن تغير، وهل نحن في حاجة إلى "مفارق لجلده" يسافر بنا مخترقا آفاق المستقبل ليرينا واقعنا وقد أجرينا كل القراءات المتعسفة على النص الديني ؟ لا أظن.
فمن أراد أن يصدع بالمساواة، فعليه أن يدعو إليها من خلال الوطنية؛ فما يضر بالمواطن الفقير والوطن هو التهرب الضريبي من طرف الأغنياء، وليس أن يأخذ الذكر - المطالب وجوبا بالنفقة والصداق وغيرها مما يوفر لأسرته العيش الكريم – ضعفي حظ الأنثى؛ فما يضر بالمواطن الفقير هو حرمانه من إرث حقه في التطبيب والتعليم والتشغيل؛ فما يضر بالمواطن الفقير هو إرهاق كاهله بالديون البنكية طويلة الأمد ومتوسطة الأمد وقريبة الأمد، يلجأ إليها اضطرارا، وحين يموت المسكين يورِّث الدين لذويه.
يا عقلاء، إن كنتم، مروا من ترون أهلا بأداء زكاة ماله للفقير، مروا من ترون أهلا لأداء واجباته للدولة لتعود - إرثا – على المواطن الفقير. يا عقلاء، أين أنتم من أدب الكبار مما تدعون الاقتداء بهم، فهل كانوا يناقشون القضايا الكبرى على مرأى ومسمع الجمهور ؟ والجمهور في عرفهم هم "العامة" في مقابل الخاصة، وإلا فما فائدة اصطلاح بعضهم "إلجام العوام عن الخوض في علم الكلام"؟ فقضايا كثيرة تتردد في الإعلام ومنابره المسؤولة والمسيَّبة اليوم بدافع مطلب "الشعبوية "، والبحث عن مصطلح "الزعامة"، بل منابر إعلامية عدة لا تنشر إلا العناوين ذات الطابع خلق "الفوضى" وإثارة الفضول لدى الجمهور، وأي جمهور: الفقراء المساكين؛ الذين هم في حاجة إلى معهد خاص يكون مقرره الأساس كتاب "النباهة والاستحمار"، علهم يتنبهون.
ما ضر بالأمة إلا أنصاف العلماء في كل المجالات المعرفية؛ وهنا أقصد العلوم الشرعية التي تفرخ التعالم بكثرة. كل يوم يولد "مراهق" جديد في الدعوة والإفتاء، لا يلبث أن ينصب نفسه صاحب سلطة وحجة في القول الديني؛ فمن الطب إلى الفتوى في نواقض الوضوء: ألا تستحيي من نفسك، إنك لا تبرهن إلا عن فشلك، والنماذج كثيرة في هذا الباب شرقا وغربا، وقد أسميت هذه الظاهرة في مذكراتي لسنة 2006 ب "مراهقو الدعوة الجدد"، وهذا المصطلح استعمله أخيرا اليحياوي تحت مسمى "الدعاة الجدد".
حقيقة يتحسر المرء وهو يجد حمى الدين مستباحا، والغريب في الأمر، أنك إذا واجهت أحدهم تبيانا للحق وليس دفاعا عنه، يواجهك بالقول:" يا أخي الكلام في الدين حاجة بشرية كالهواء لا يحتكر"، ولكن في المقابل، حين تريد أنت الإدلاء برأيك في مجاله – ومثل هذا النوع أصلا لا يتقن إلا "التسنطيحة"- يوقفك مبديا استحالة تحصيل الفهم والإفهام في غياب التخصص.
ذات يوم، قرأت عبارة لمحمد حميدو الله في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية، يعقد فيها مقارنة بين التخصص في الطب والتخصص في العلوم الشرعية، مبينا أن بعد عشر سنوات في دراسة الطب يصبح الطالب طبيبا، ولكن قد يدرس العلوم الشرعية أربعين سنة وليس بالضرورة أن يصبح فقيها؛ واليوم الفقه يؤخذ في تكوينات لا تتجاوز مدتها ساعات. يا للمفارقة.
كتبت في أحد قصصي القصيرة وأنا تلميذ بالتعليم الأصيل تارودانت – وقد جعلت البطل يجري حوار مع الدنيا – العبارة التالية: ( الفقر يا بني وراثة، لا يتغير واقعها إلا عبر أجيال، فالفقير المقهور اليوم الذي يبكيك حاله، وتود مني تغيير حاله ومآله، أنت لا تعرف بأن سلالته كانت غنية؛ فجده الأول كان صاحب جاه وسمعة ومكانة في مجتمعه، يتعامل بالسخاء والجود، فتكاثر غناه، ولما آل الإرث إلى جده الثاني، وكان صاحب سطوة، وقد عانى الناس من ظلمه وجوره، سلب من الأسرة المال والجاه، فحكم على أفرادها بالتشريد والفقر الشديد، وفقيرك الذي تستعطفني بحاله، هو الجيل الرابع في الأسرة، وبعده سيتغير الحال). أتيت بهذه الحكاية لأختم بتعليقي عليها: الفقير يترقى في سلم الفقر، لذلك لا حاجة له في تجديد النظر في مسائل الإرث، والغني يترقى في سلم الغناء، ولا يهمه حال الفقير، بل قد يحرمه حتى من الحب الذي يمكن أن يثمر مصاهرة محافظة على الإرث. فاحتكروا الغناء، ودعونا نحتكر الفقر، والأيام تداول بيننا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.