انتقد الكاتب والباحث التركي محمد زاهد جول "النظرة الحالمة" للعرب والمسلمين إلى تركيا باعتبارها نموذجا، وأن الحديث عن عودتها إلى قيادة العالم الإسلامي "مجرد تصورات تاريخية للإسلام لا تتوافق مع الواقع التركي"، وزاد: "مبادئ تركيا العلمانية راسخة في السياسية التركية وليست محط نقاش بين الفرقاء الأتراك". واستطرد المتحدث، في حوار مصور أجرته معه جريدة هسبريس الإلكترونية، مفصّلا: "حتى في الاستفتاء الأخير من أجل المرور من النظام البرلماني إلى الرئاسي، تمت تسمية الانتقال "إلى نظام الرئاسة الجمهورية". كما أن حزب العدالة والتنمية اعتمد على حلفاء جدد في الداخل التركي ك"الحركة القومية"؛ وبالتالي لا أتوقع أن تكون تغيرات حقيقية لا في خطاب الهوية ولا في الجانب السياسي. صحيحٌ أن تطبيقات العلمانية لم تكن منها في شيء، وكانت ضد الأنسنة.. فأن تلغي الآخر تحت مبرر العلمانية، وتبرر قتل الناس وتحارب الحجاب فهي تصرفات ليست لها علاقة بالعلمانية، بل تصرفات الفئة التي حكمت تركيا في السابق من عسكر وغيرهم. أما الآن فأعتقد أن هناك مصالحة حقيقية مجتمعية مع الماضي، وهي لن تأتي بالضرورة بفكر سياسي وديني جديد، بقدر ترك الناس على أحوالهم كما كانوا؛ فمن أراد الصلاة فليفعل ومن أراد الذاهب للكنيسة فليذهب، وهذا الأمر لن يضير أحدا في شيء". كما انتقد زاهد جول، في الجانب الآخر، النظرة التي اعتبرها "تعمل على شيطنة تركيا بأي ثمن"، وزاد: "مهما فعلت ومهما كانت بعيدة عن الحدث، فهي – في نظرهم – تمول الإرهاب وداعش، وتقود العالم الإسلامي إلى مسار دموي، وتريد أن تعيد الخلافة الإسلامية؛ إلى غير ذلك من التهم التي أعتقد أنها ليست من الواقعية في شيء". وأضاف الباحث التركي أن الفريقين معا يفهمان السياسة التركية بعواطفهما، بوجهة نظرهما وبمنطلقاتهما، "وهي رؤى بعيدة عن الواقع السياسي"، وزاد: "مع الأسف كلا الطرفين يحملان تركيا أكثر مما تحتمل..هي لم تقدم نفسها كراع للعالم العربي، ولا كمنقذة للقدس وفلسطين كما هو خطاب إيران مثلا.. مسؤولو تركيا وشعبها تعاطفوا فعلا مع فلسطين ويبذلون الغالي والنفيس من أجل مساعدة الإخوة الفلسطينيين، لكن هذا لا يعني أن هناك خطابا لتحرير فلسطين أو إلغاء دولة إسرائيل حتى لدى جمهور واسع من إسلاميي تركيا. وفي المقابل، تركيا كما قلت ليست هي الشيطان الأكبر أو صاحبة الدور التخريبي في العالم العربي". وحول سبب هذا الميل لدى العرب إلى اعتبار تركيا بمثابة نموذج و"منقذ" للعالم العربي والإسلامي، عزا زاهد ذلك إلى "غياب القدوة والنموذج، ما يجعل العالم العربي والإسلامي يبحث عنهما في الآخرين"، مضيفا: "يوما ما كان النموذج هو الزعيم الماليزي مهاتير محمد، وتم جعله "ماركة" للإسلاميين، لكنه رغم نجاحه الاقتصادي وتاريخه المميز إلا أن لديه، أيضا، إخفاقاته الداخلية والخارجية". وعن استفتاء تركيا الأخير الذي يوحي بالرغبة والتوجه التركي نحو ما يراه البعض "زعامة العالمين العربي والإسلامي"، أوضح المتحدث أن هناك في تركيا نفسها من هو غير مقتنع بالتعديلات، حتى من أبناء حزب العدالة والتنمية، وزاد موضحا: "أردوغان نفسه أقرّ بأنه سيقوم بمراجعة التعديلات الدستورية، بينما قال الحزب على لسان مسؤوليه إنه يقرأ نتائج الاستفتاء قراءة متأنية وسيقيم ورش عمل بخصوصها"، وأضاف: "أعتقد أن الشعب التركي هو الحكم ولن يترك لأردوغان ولا غيره أن يؤثر في التعددية التركية التي تضم حوالي 40 إثنية، وهي بالتالي تحتاج إلى عقد اجتماعي يستطيع أن يضمن بين مكوناتها الأمن والسلم الاجتماعيين.. أعتقد أن العلمانية هي صمام الأمان بالنسبة للمجتمع التركي". وبخصوص التجربة التركية عموما قال جول: "هي تجربة لم تكتمل إلى غاية اللحظة"، معتبرا أن هناك استحقاقات وتحديات تنتظرها، وأن الحكم عليها ينبغي أن يكون بعد اكتمالها واعتبارها نموذجا، "وهذه ليست حالة تركيا"، حسب تعبيره. وعما يطلق عليه "التجربة الأردوغانية"، قال المتحدث إن أردوغان زعيم تاريخي لتركيا قبل أن يكون زعيم حزب العدالة والتنمية؛ وذلك بسبب وجوده على هرم السلطة في تركيا منذ سنة 1994 حين شغل منصب رئاسة بلدية اسطنبول. وأضاف زاهد جول: "أعتقد أن الشخصية القيادية وكاريزما أردوغان بنيت على مدار ربع قرن من الزمن، وبالتالي فالحديث عنه في سياق ضيق سيكون فيه ظلم كبير له، لأن رئاسة البلدية ليست هي رئاسة الحكومة، ورئاسة الحكومة في الفترة الأولى ليست هي رئاستها في الثانية وهكذا..وبالتالي فلهذه الشخصية المحورية في تاريخ تركيا إيجابيات وسلبيات وحتى بعض الأخطاء". واعتبر الباحث التركي أن جعبة الرئيس التركي لازالت زاخرة بالكثير، خصوصا أمام انتظار الأتراك للدستور الجديد، وزاد موضّحا: "حتى هذه اللحظة كل ما حصل في تعديلات الدستور ترقيع المرقع. فهل ستخدم هذه الظروف السياسية أردوغان؟ نعم، هناك هنا أحلام ووعود لسنة 2023 في ما يتعلق برؤيته لتركيا، وهي تحتاج أيضا إلى العمل والإدارة كي تصل إلى بعض أهدافها المسطرة، بعضها ابتدأت الخطوات العملية لتنفيذها. سنرى أيضا إن كان سيستطيع أن يقدم رؤية جديدة غير تلك الخاصة ب2023؛ والتي تم ترديدها لسنوات، فهو إما سيبدع أو سيكرر نفسه". "تصفير المشاكل" رؤية تركية لدى البعض اعتبرها زاهد "رومانسية" بكل ما تعنيه الكلمة، واقعيا وسياسيا، مضيفا: "السياسة فن الممكن، وبلد مثل تركيا يعيش بين جنبات الشرق الأوسط الملتهب وعداوات تاريخية وحمولة مع جزء كبير من الجيران محتاج إلى إدارة المشاكل وتأجيلها، و"تصفيرها" رومانسية سياسية تبناها أحمد داوود أوغلو. ذلك الطرح غلب عليه الطابع الأكاديمي والتنظيري..في الواقع الإنساني، حتى في الأسرة الواحدة، هناك ما يعرف ب"إدارة المشكلات" وليس تصفيرها، فما بالك بدولة كاملة؟". هل تعافت تركيا من الانقلاب؟ سؤال أجاب عنه المتحدث قائلا: "لا أعتقد ذلك. التداعيات والمحاكمات لازالت مستمرة، ورأس الانقلاب لازالت لديه جماعة في أمريكا وأوروبا تعمل صباح مساء من أجل تخريب الواقع في تركيا؛ بل هناك خلايا داخل تركيا نفسها تدين بالولاء لهذه الجماعة..المخاطر لم تنته، وأعتقد أن الأمر سيستمر سنتين إلى 3 سنوات أخرى". وعن علاقات تركيا بمحيطها ومدى تقدمها في علاقاتها بدول الجوار والعالم عموما، اعتبر محاوَر هسبريس أن الظروف الإقليمية الراهنة لا تخدم تركيا، مضيفا: "تركيا – بعد مرحلة الربيع العربي - تعيش انتكاسة حقيقية على هذا المستوى، وهو واقع نعيشه بشكل ملموس؛ لذا يحق لنا أن نتساءل: إلى أي مدى ستمضي هذه السياسات وكيف ستخضع لمراجعة ومصالحة حقيقة ولتطوير علاقاتها مع بعض الدول التي تعتبر "صديقة"، بعد أن شاب العلاقة بعض الشوائب خلال المرحلة الماضية؟.. الأمر منوط بالأيام القادمة التي أرى أنها ستكون حبلى بالمفاجآت". وبخصوص العلاقات التركية المغربية، اعتبر المحلل السياسي أنها "تعيش أفضل وأبهى أيامها، خاصة بعد زيارة الملك محمد السادس إلى تركيا أواخر سنة 2014، والتي كان لها الأثر الكبير على الواقع السياسي التركي من جهة، من خلال الرسالة التي حملتها". وأضاف زاهد: "تركيا ترى في المغرب امتدادا طبيعيا وجغرافيا؛ فالمغاربة يدخلون تركيا بدون تأشيرة والعكس صحيح. كما أن هناك شركات تركية كثيرة عاملة في المغرب".