عرفت مدينة خريبكة في السنوات القليلة الماضية ارتفاعا ملحوظا في عدد المقاهي والمطاعم بمختلف الأحياء السكنية والشوارع الكبرى، ما دفع العاملين في القطاع إلى تجديد محلاتهم باستمرار، وتحسين بنيتها التحتية، وتجويد وتنويع خدماتها التجارية، والاجتهاد في توفير متطلبات الزبائن وحاجياتهم، إلى أن وصل الأمر إلى التنافس في استغلال أكبر مساحة ممكنة أمام المحل التجاري المخصص للمقهى. الشرقي فيزادي، أحد سكان مدينة خريبكة، أشار إلى أن "أغلب المقاهي والمطاعم، إن لم نقل جميعها، لا تجد أي حرج في وضع الكراسي والموائد خارج المحل التجاري، وشغل مساحة من الرصيف، ما يتسبب في عرقلة السير العادي للراجلين، ويُعيق تحركاتهم في الشوارع والأزقة، معرضين بذلك حياتهم لمخاطر حوادث السير التي ارتفعت بشكل كبير في صفوف الراجلين". وأضاف المتحدث ذاته أن "ما يؤدّيه أصحاب المقاهي من واجبات قانونية للجهات المختصة، والمداخيل التي تجنيها المصالح البلدية مقابل الترخيص باستغلال الملك العمومي، يُعتبر تافها أمام خطورة الوضعية التي يخلقونها"، مستدركا بأن "الكثير من المستثمرين لا يؤدون تلك المستحقات، نظرا لنفوذهم أو علاقتهم مع المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي؛ فيما يتعامل آخرون مع اللجان التفتيشية بما تقتضيه سياسة الإتاوات". وشدّد فيزادي، في تصريح لهسبريس، على أن "أصحاب المقاهي لا يكتفون باحتلال الملك العمومي بالكراسي والموائد، بل يتطاولون على مساحات أخرى بإنشاء مواقف الدراجات، ووضع الأغراس المتنوعة، ما يتسبب في إقلاق راحة الراجلين، من جهة، وتشويه المنظر العام، من جهة ثانية، إذ يتحول الشارع إلى فضاء مفتوح على اللافتات الإشهارية بشكل عشوائي"، ضاربا مثالا بشارعي علال الفاسي ومولاي يوسف. وناشد الشرقي فيزادي المسؤولين، كل حسب اختصاصه وحدود مسؤوليته في الملف، "التدخل العاجل، والتعامل بحزم وصرامة مع المخالفين، من أجل تحرير الملك العمومي، وفتح المجال أمام المواطنين للمشي فوق الأرصفة والممرات المخصصة لهم"، مشيرا إلى أن "فصل الصيف على الأبواب، وحركة المواطنين وزوار المدينة ستزداد في الفترات المقبلة، ومن المفروض على السلطات المعنية التحرك لتطبيق القانون المرتبط باستغلال الملك العمومي". أما الفاعل الجمعوي يونس البير فأوضح أن "التنافس في احتلال الملك العمومي من طرف أصحاب المقاهي، في الآونة الأخيرة، أصبح أمرا مقلقا في مدينة خريبكة، في وقت يساهم المسؤولون عن القطاع في استفحال الظاهرة، سواء بسكوتهم وتقاعسهم عن القيام بواجباتهم ولعبهم دور المتفرّج السلبي، أو بسبب استفادة بعضهم من تلك الأوضاع، بطريقة أو بأخرى". وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه عاين في وقت سابق وقوع حادثة سير مفجعة، "عندما كانت عجوز تسير على الرصيف، وحين تعذر عليها السير بسبب تواجد كراسي أحد المقاهي، أكملت طريقها عبر الطريق الخاصة بوسائل النقل، وهي اللحظة التي دهستها فيها دراجة نارية، وتسببت لها في جروح بليغة"، واصفا الواقعة ب"الحكرة" التي يعيشها المواطن الخريبكي. حجاج عسال، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخريبكة، أشار بدوره إلى أن "احتلال الملك العمومي بعاصمة الفوسفاط أصبح ظاهرة متفشية بشكل مثير للاستغراب، إذ يستغل أصحاب المقاهي الأرصفة بشكل مبالغ فيه، دون أن يحرصوا على ترك ممرات ولو صغيرة لتمكين المارة من السير بأمن وأمان"، مؤكدا أن "اضطرار الراجلين إلى مزاحمة السيارات يهدد أقدس حق من حقوقهم، وهو الحق في الحياة". وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخريبكة سبق أن راسلت الجهات المسؤولة، وفي مقدمتها السلطات المحلية والمجلس البلدي، وطالبت بضرورة التعامل الجدي مع الملف، إلا أن المراسلات والشكايات ذهبت أدراج الرياح، ولم تُؤخذ على محمل الجد من طرف المسؤولين، ما يؤكّد تواطؤهم مع محتلّي الملك العمومي". وجدّد حجاج عسّال، عبر جريدة هسبريس الإلكترونية، "مطالبة عامل إقليمخريبكة والسلطات المحلية والمجلس البلدي بضرورة العمل على تحرير الملك العمومي، وتطبيق القوانين المعمول بها في الموضوع، ومحاسبة أي مسؤول سمح أو ساعد أو ساهم في استفحال الفوضى في مختلف شوارع أحياء المدينة"، حسب تعبيره. ومن جهته، أوضح مصطفى مطر، رئيس جمعية تجار إقليمخريبكة، أنه "لا ينبغي تحميل المسؤولية وإلقاء اللوم على أصحاب المقاهي، نظرا للخطأ المرتكب من طرف مصلحة الجبايات بالمجلس البلدي، والمتمثل في استخلاص واجبات الاستغلال المؤقت للملك العمومي من طرف المقاهي، دون حرصها على التحديد الدقيق للأمتار المسموح بها خارج المحل التجاري". وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن "المجلس البلدي الحالي، كلما توصل بطلب لاستغلال الملك العمومي يشكل لجنة لمعاينة المقهى والفضاء المحيط بها، ويفرض أداء ضريبة كل ثلاثة أشهر بشكل مسبق من أجل الترخيص باستغلال الملك العمومي دون تحديد عدد الأمتار بالضبط"، مشدّدا على أن "التفاصيل والبنود والقوانين المفصّلة تظهر مع وقوع حوادث السير أمام المقاهي، أو مشكل ما مرتبط باستغلال الملك العمومي". وأوضح مصطفى مطر أن "أصحاب المقاهي ملزمون بأداء ضرائب ثقيلة، وعلى عاتقهم مصاريف مختلفة، من بينها أداء واجبات الاستغلال المؤقت للملك العمومي، سواء مساحة الأرضية التي توضع بها الكراسي والموائد، أو جوانب المقهى، أو المساحة العُلوية التي تُثبت عليها الواجهة"، مطالبا في الوقت ذاته المجلس البلدي بضرورة "تحديد الأمتار المسموح بها خارج كل مقهى بشكل واضح". وفي المقابل، أوضحت ربيعة اطنينشي، نائبة رئيس المجلس البلدي لخريبكة، والمكلفة بالجبايات المحلية، أن "المصالح الجماعية تكلف مراقبا لكل مقاطعة أو مقاطعتين بالمدينة، من أجل مراقبة المقاهي والمحلات التجارية بكل أنواعها، من حيث احترامها للقوانين والمعايير المحددة على المستوى المركزي، والمعايير المرتبطة بقرارات المجلس البلدي". وأضافت المتحدثة، في تصريح لهسبريس، أن "المجلس البلدي يحدّد قيمة مستخلصات المقاهي الواقعة في الشوارع الرئيسية، وقيمة أخرى عن الشوارع الثانوية، مع تحديد عدد الأمتار المسموح بها وفق قانون منظّم، يقضي بترك مساحة للراجلين، وعدم الترخيص باستغلال الملك العمومي لمن لا يتوفر على أكثر من متر أمام محله التجاري". وأشارت اطنينشي إلى أن "التراخيص تُمنح من طرف البلدية، ضمن الاختصاصات الفردية للرئيس، لمن يرغب في إنشاء مقهى بدون إقامة بناء بالأعمدة خارج المحل، فيما يبقى الترخيص بإقامة بناء من صلاحيات المجلس البلدي"، مؤكدة أن "المصالح البلدية تحرص على استخلاص واجبات الواقي الشمسي، وواجبات أخرى عن استغلال الملك العمومي بالكراسي والموائد، وفق قانون تنظيمي مضبوط". وفي حالة الإخلال بالقوانين المنظمة، أوضحت المتحدثة ذاتها أن "المجلس البلدي يراسل المخالفين، ويطالبهم بضرورة تسوية أوضاعهم تجاه المصالح البلدية والجبائية، وفي حالة الامتناع، يتم اللجوء إلى السلطة، من أجل تطبيق القانون، نظرا لكون اختصاصات المصالح البلدية تتحدّد في التتبع والمراقبة والمعاينة والإحصاء ومراسلة الأطراف المعنية بالموضوع". وأكّدت المسؤولة ذاتها أن البلدية تراسل السلطة المحلية، بين الفينة والأخرى، من أجل التدخل وإعمال القانون واتخاذ المتعيّن ضد بعض المخالفين المعروفين بمدينة خريبكة، إلا أن السلطات لا تستجيب بالشكل المطلوب مع بعض الحالات، بحجة عدم تواجد صاحب المشروع أو عنوانه المضبوط أو غيرها من المبررات، ما يدفع المخالفين إلى التمادي في أفعالهم"، مشدّدة في ختام تصريحها على أن "تطبيق القانون وفرض احترامه لا يتأتيان إلا بالتعاون المفروض بين البلدية والسلطة".