السيد والد إيديا المحترم، أود في البداية أن أقدم إليك وإلينا جميعا أحر التعازي في وفاة إيديا التي ليست ابنتك لوحدك، ولكنها أضحت، بعد وفاتها بطريقة عبثية، ابنة الشعب المغربي بأكمله، خصوصا أفراده المحكورين والمهمشين والمستضعفين في الأرض الذين شاركوك حزنك في مظاهراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية في عدة مدن وقرى مغربية، ومن العجيب، والغريب، والأدهى، هو غياب، وصمت المسئولين السياسيين عن هذه الفاجعة، إلا ما نذر.. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن العثماني وأعضاء حكومته لا أمل ينتظر منهم في قضايا من هذا القبيل تهم مآسي المواطنين وهمومهم، فهم لا يلقون أي بال أو اعتبار لمشاكل الشعب، ولمعاناته، ومآسيه. بهذا التصرف الأخرق يؤكد أعضاء الحكومة أنهم لا يعتبروننا مواطنين لنا قيمة بالنسبة لهم، ولكنهم ينظرون إلينا على أساس أننا بوزبال، ليست لدينا حقوق تجاههم، وليست لديهم واجبات تجاهنا، لأن لا أحد قادر على محاسبتهم، أو مجرد مساءلتهم عما يقترفون، فبالأحرى رضوخهم للعقاب، إنهم واثقون بأنهم محصنون ضد العقاب والمتابعات. السيد الوالد، لقد كان كلامك عن الظروف التي توفيت فيها فلذة كبدك لحظة تأبينك لها كله كلاما متزنا، ورزينا، وعقلانيا، وأصبت تماما في تشخيصك للداء، حين ربطت بين وفاة إيديا والوضع الصحي المهترئ في ناحيتكم التي تعتبر واحدة من أفقر نواحي المغرب، وأقلها توفرا على التجهيزات والبنيات التحتية، ليس في الميدان الصحي فحسب، ولكن في جميع الميادين. لقد أبان موت إيديا عن عمق المشاكل وهولها التي تعاني منها مناطق من المغرب، كما أبان موت محسن فكري عن الخلل العميق الحاصل في مجال الصيد البحري، وكما أوضح أيضا انتحار ربان سفينة الداخلة عن حجم الفساد المستشري في هذا القطاع، وعن الاستهتار السائد في كيفية تدبيره وتسييره، وعدم إنصات المسئولين فيه إلى شكايات العاملين المظلومين تحت إمرتهم، حين يقصدونهم بالشكايات طمعا في العدل والإنصاف. السيد الوالد، لاشك أنك اطلعت على البلاغ الصادر عن وزارة الصحة الذي سعى إلى تبرئة ذمة المسئولين مما وقع لإيديا، لن نناقش جميع فقرات هذا البلاغ، لأنها مملة وفارغة المحتوى، وذات بعد تبريري واعتذاري، إنما الذي يلفت الانتباه هو قول البلاغ إن وزارة الصحة ستوفر مستقبلا العديد من المستشفيات بالمنطقة، إننا هنا أمام سين التسويف، وأمام وعد، وكما يقال، فإن الوعود لا تلزم إلا الذين يصدقونها. لكن وجب هنا التساؤل عما منع الوزارة من إنجاز هذه المستشفيات في الخمس سنوات الماضية، إنها كانت تدرك أن المنطقة تعيش خصاصا كبيرا في المجال الصحي، ولكنها تجاهلته في وقته، وانتظرت وفاة إيديا لتعدنا بأنها ستتدارك هذا الخصاص، وستجعل من هذه المنطقة جنة في المجال الصحي، وعلى أي، فلقد تعود المغاربة، منذ تاريخ غابر، على عدم الثقة في الوعود الحكومية، وفي أحجار الأساس التي يتم تدشينها بالطبل والغيطة. السيد الوالد، لفتني في كلمتك التأبينية أنك لم تتوجه إلى أي جهة مستعطفا، ومتسولا، ومنتظرا شيئا ما. كنت تخاطب المغاربة أجمعين دون تمييز، تخاطبهم بعقلك، وليس بعاطفتك، رغم صعوبة الظرف الذي كنت فيه، أعترف لك أنني احترمت فيك كثيرا كونك لم تتكلم بلغة الحاقد، أو الراغب في الانتقام، فأنت، حقيقة، من النوع الذي ينظر إلى القمر، وليس إلى الأصبع التي تشير إلى القمر. إنك تعلم أن ما وقع للصغيرة إيدا كان متوقعا، لأنه، نتاج حتمي لوضعية صحية عليلة في بلدنا، ولسياسات فاشلة لا تضع المواطن همها الأول، فما وقع لإيديا كان سيقع، وقد يقع من جديد، لأي فرد، من ساكنة هذه الناحية، وهذا المغرب المنكوب بحكامه. السيد الوالد، ما يلفت الانتباه في أجمل بلد في العالم هو أنه عندما تقع حوادث مثل التي وقعت لإيديا، ويكون ضحية لها سائح أجنبي، تجند له على الفور جميع الوسائل، وتحضر المروحيات في لمح البصر، وتفتح أبواب المستشفيات بسرعة، ويتم إحضار الأطباء ذوي الاختصاص من غرف نومهم، ويحظى الأجنبي بالرعاية الكاملة، الأمر الذي يبين أن العديد من مسئولينا يعتبرون أن حياة أجنبي أغلى من حياة مواطن مغربي. فلو أنيطت مثل هذه العناية بإيديا، ألم يكن بالإمكان إنقاذ حياتها؟ ثم ألم يحن الوقت لكي تصبح هذه الوسائل التي بأيدي الدرك الملكي في خدمة المواطنين؟؟ وماذا عن الجيش؟ أليس من الأنسب ألا تظل مهمته محصورة في الدفاع عن الملكية، وأن تمتد لتشمل المواطنين كافة، وأن يصبح في خدمتهم؟ هل يعقل أن الجيش الملكي ينشئ مستشفيات ميدانية في الأردن وإفريقيا، ويقدم خدما طبية للأجانب، ولا ينشئ مستشفيات هنا في أقاليمنا المهمشة؟؟؟ أما وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فإنها كانت تاريخيا تُعنى بالقطاع الصحي المغربي، لقد كانت تبني المارستانات وتجهزها، وتوفر لها الوسائل والإمكانيات التمويلية من أجل تقديم الخدمة الصحية للمواطنين، فوزارة الأوقاف تعتبر واحدة من أغنى وزارات المغرب، فما الذي يمنعها من ربط الماضي بالحاضر، وتقديم الخدمة الصحية للشعب، فبناء المستشفيات لعلاج المرضى الفقراء والمعدمين والمقهورين بشظف العيش، عمل فيه أجر كثير، لا يقل عن الأجر والثواب المتأتي من بناء المساجد. وصية ايديا ألقى والد ايديا كلمة أمام حشد من المشاركين في جنازة ابنته، يوم الاربعاء 12 أبريل، تخللتها وصية للطفلة إيديا. وفي ما يلي نص الوصية المترجمة من الأمازيغية للعربية: يا أبتِ، أنا فقط قلت لك إلى اللقاء، ولم اودعك للأبد ولم أمت أنا أسكن قلبك، وقلوب جميع أفراد عائلتي أوصيك يا أبي ألا تلطخ موتي أو مراسيم جنازتي أو اسمي بتركه في أيدي جهة معينة يا أبتِ، لقد سبقتني العديد من "إيديا" وستأتي بعدي "إيديات" اخريات يا أبتِ، لا تقل لماذا ماتت إيديا، لأن الموت علينا حق لكن يجب عليكم أن تنتبهوا إلى كيفية وفاة إيديا يجب على كلِ ان يتحمل مسؤوليته من موقعه بعد هذه الوفاة يجب على الآباء والأمهات أن يراقبوا أبناءهم، كما يجب علينا جميعا أن نمضي قدما لناء وطننا وطن المؤسسات، الذي فيه يمكننا ان نعيش بكرامة، وليس ذلك الوطن الذي نقطع فيه 700 كلم من اجل تلقي العلاج وحتى إذا اقتضى الأمر أن يتنقل المواطن لمسافة طويلة فيجب على الأقل أن توفير ساعفة يموت فيها برحمة هذا الوطن هو مسؤوليتنا جميعا، فأنا لا أتحدث فقط لفئات الشعب أو الدولة أو الهيئات على اختلافهان بل إن الجميع مسؤول لا يجب يا أبتِ ان نلوم الأطباء، لأن لهم همومهم ومشاكلهم ومعاناتهم نحن لم نظلمهم، فلا يجب عليهم أن يظلمونا لن يقبل عقل ان نبقى هكذا مكتوفي الأيدي، دون تحريك ساكن عند وقوع فاجعة ما، فليس المشكل هو الموت بل المشكل الخطير يكمن في ان يتسبب جرح بسيط في الموت. إيديا لازالت على قيد الحياة، لكن الفرق بينها وبين باقي الاطفال، هو أنها لن تتعرض للأذى مرة .أخرى، فيما الأخرون مهددون طوال الوقت، لذلك فالكل مسؤول على أطفاله وأبنائه.