قبل حوالي شهرين مات الطفل محمد بن عمر في صمت ببيته بعد صراع طويل مع المرض الخبيث بعيدا عن العاصمة واليوم تموت الطفلة إيديا في ساعات بعدما عجزت عن الصمود للوصول إلى أقرب مستشفى صالح لاستقبال مريض.. قصتان من المغرب غير المستفيد تدميان القلب.. بين موقف أم عاجزة أمام طفلها تضمه إلى أن ضمه التراب وأب يسابق الساعات في الطرقات نحو مستشفى تليق بهذا الإسم، لم تجد نفعا لهفة ولوعة الأهل أمام الموت شيئا.. هاتان الحالتان ليستا سوى ورقتا التوت اللتين عريتا عورة بنيات الاستشفاء في الوطن العميق، وموت هذين الغصنين يصرخ في وجهنا جميعا بكمية الغابات من الأكباد التي نزلت تحت تراب الوطن قبل الأوان. ما أذكره جيدا هو أنه بعد وفاة الطفل الريفي محمد بن عمر تكاثفت صرخات المكلومين من أبناء المنطقة وشعب الفيسبوك لإطلاق حملة وطنية من أجل إحداث مستشفى للأنكولوجيا بالريف وكان ثمرتها مشروع في طور الإعداد بالناظور؛ واليوم أمام مأساة الطفلة إيديا كلنا نطالب بمستشفى حقيقي بتنغير ونتمنى أن تصل الصرخة ويتحقق المشروع أيضا، وما نتمناه أيضا ألا تبقى مجرد مشاريع تنتظر تقادم الذاكرة الفيسبوكية لتتحول إلى سراب. ما نتمناه أيضا هو أن لا نضطر لانتظار ضحية جديدة في كل مرة من أجل الحصول على بنية استشفائية في بقاع المغرب العميق.. كم من إيديا ومن محمد فقدنا وكم سنفقد بعد.. أنقذوا إيديات ومحمدات الوطن من غياب المشفى والطبيب، وأنقذونا من أولئك الذين لم يحركوا ساكنا ونحن نصرخ من أجل مستشفى السرطان بالريف ولم يكلفوا نفسهم عناء الوقوف والتصرف وعزرائيل يأخذ ابن تربتهم في نفس الوقت الذي كانوا يبحثون عن جهات يتبرعون لها برواتب العطالة البرلمانية، في حين كنا على مرمى قرارهم وجعلوا الماء يجري أمامنا ونحن نكاد نهلك عطشا؛ واليوم يهدون لإيديا التي اختطفتها المنون بعيدا هناك في تنغير العزيزة قصائد درويش.. أنقذونا من موت الصغار وأنقذونا من الراكبين على نعوشهم أنقذونا من كل هذا اليأس.