تحظى البنوك بدور بالغ الأهمية لمالها من تأثير على مجرى الحياة الاقتصادية ككل؛ فالبنك بالنسبة للاقتصاد يعتبر كالقلب بالنسبة للجسد، وكما أن القلب يضخ الدم في شرايين الجسم، فإن البنك يضخ الأموال في جسم الاقتصاد. والبنوك تجمع المدخرات ثم تغدي بها النمو الاقتصادي، ومن هنا كان تخلف وتقدم الاقتصاد راجعا إلى تخلف وتقدم البنوك. والواقع يظهر ما تتعرض له البنوك المعاصرة، التي تتعامل بالربا، من مخاطر وفشل في أداء مهامها، فآفة الربا إذا أصابت الاقتصاد فإنها تنتشر فيه انتشار السرطان في جسم الإنسان. وكما عجز الأطباء عن علاج السرطان، فإن المفكرين ورجال الاقتصاد عجزوا عن علاج بلايا الربا؛ ولذلك نجد كثيرا من الدول تتبنى سياسة الإصلاحات الاقتصادية، خاصة على مستوى الجهاز المصرفي. وكما أن الفيروس في الجسم يحتاج إلى مضاد له للقضاء عليه، فإن الربا في الاقتصاد بحاجة إلى مضاد لها للقضاء عليها، والمتمثل في أساليب تمويلية شرعية، لا يمكن تطبيقها بنجاعة إلا في أحضان بنوك تعمل وفق المنهج الإسلامي، يصطلح عليها في الكثير من الدول ب"البنوك الإسلامية"، وفي المغرب يطلق عليها اسم "البنوك التشاركية". سنحاول في هذا المقال الإجابة عن بعض الأسئلة التي يطرحها العديد من المهتمين بموضوع "البنوك التشاركية". ما هي البنوك التشاركية؟ يجب أن نعلم أن البنك الإسلامي ما هو إلا قناة من قنوات الاقتصاد الإسلامي المحكوم بروح الشريعة ومقاصدها، ومن ثمة فهو يستمد آلياته من ذلك النظام الشامل. وهذا الأخير ليس بنظام وليد الساعة، وإنما هو نظام له امتداد تاريخي مهم، تطورت عبره مجموعة من المعاملات المالية، التي تزخر الكتب الفقهية بتبيان كل جزئياتها وتفاصيلها، ما يجعلنا نتساءل لماذا اختار المشرع المغربي تسمية هذا النوع من مؤسسات الائتمان بالبنوك التشاركية بدل تسميته بالبنوك الإسلامية؟ وهل تدخل البنوك التشاركية ضمن الاقتصاد الإسلامي؟... هذه الأسئلة لم يجب عنها لا رجال الدين ولا رجال القانون إلى حد الآن بشكل دقيق ومقنع. لقد عرف القانون البنكي البنوك التشاركية بأنها مؤسسات الائتمان، والمتمثلة في: -تلقي الأموال من الجمهور، بما في ذلك الودائع الاستثمارية. -عمليات الائتمان. -وضع جميع وسائل الأداء رهن تصرف العملاء أو القيام بأدائهما، بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة؛ بالإضافة إلى مزاولة العمليات التجارية والمالية والاستثمارية، باستثناء كل عملية تعامل بالفائدة أخذا وعطاء. يتضح من هذا التعريف أن البنوك التشاركية، تلك المؤسسة أو الشخصية المعنوية، التي تلتزم بأحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية وتباشر أنشطتها وفقا لتلك الأحكام والمقاصد، وليس فقط الالتزام بروح الشريعة الإسلامية، وإنما أن يقترب الالتزام بتلك الأحكام بالتطبيق الفعلي والعملي في كل أنشطتها. وبما أن الاقتصاد الإسلامي يرتكز في مدلوله النظري على مصدره الرباني الوارد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة واجتهادات الفقهاء، فلماذا إذن تختبئ فكرة البنك الإسلامي تحت غطاء البنك التشاركي؟ ما هي المنتجات التي تقدمها البنوك التشاركية؟ يمكن للبنوك التشاركية أن تمول العملاء بواسطة المنتجات التالية على الخصوص: أ) المرابحة: كل عقد يبيع بموجبه بنك تشاركي منقولا أو عقارا محددا وفي ملكيته لعميله بتكلفة اقتنائه مضافا إليها هامش ربح متفق عليهما مسبقا. يتم الأداء من طرف العميل لهذه العملية تبعا للكيفيات المتفق عليها بين الطرفين. ب) الإجارة: كل عقد يضع بموجبه بنك تشاركي، عن طريق الإيجار، منقولا أو عقارا محددا وفي ملكيته تحت تصرف عميل قصد استعمال مسموح به قانونا. تكتسي الإجارة أحد الشكلين التاليين: إجارة تشغيلية عندما يتعلق الأمر بإيجار بسيط؛ إجارة منتهية بالتمليك عندما تنتهي بتحويل ملكية المنقول أو العقار المستأجَر للعميل تبعا للكيفيات المتفق عليها بين الطرفين. ج) المشاركة: كل عقد يكون الغرض منه مشاركة بنك تشاركي في مشروع قصد تحقيق ربح. يشارك الأطراف في تحمل الخسائر في حدود مساهمتهم وفي الأرباح حسب نسب محددة مسبقا بينهم. تكتسي المشاركة أحد الشكلين التاليين: • المشاركة الثابتة: يبقى الأطراف شركاء إلى حين انقضاء العقد الرابط بينهم. • المشاركة المتناقصة: ينسحب البنك تدريجيا من المشروع وفق بنود العقد. د) المضاربة: كل عقد يربط بين بنك أو عدة بنوك تشاركية (رب المال) تقدم بموجبه رأس المال نقدا أو عينا أو هما معا، ومقاول أو عدة مقاولين (مضارب) يقدمون عملهم قصد إنجاز مشروع معين. ويتحمل المقاول أو المقاولون المسؤولية الكاملة في تدبير المشروع. يتم اقتسام الأرباح المحققة باتفاق بين الأطراف. ويتحمل رب المال وحده الخسائر إلا في حالات الإهمال أو سوء التدبير أو الغش أو مخالفة شروط العقد من طرف المضارب. ه) السلم: كل عقد بمقتضاه يجعل أحد المتعاقدين؛ البنك التشاركي أو العميل، مبلغا محددا للمتعاقد الآخر الذي يلتزم من جانبه بتسليم مقدار معين من بضاعة مضبوطة بصفات محددة في أجل. و) الاستصناع: كل عقد يشترى به شيء مما يصنع، يلتزم بموجبه أحد المتعاقدين، البنك التشاركي أو العميل، بتسليم مصنوع بمواد من عنده، بأوصاف معينة يتفق عليها وبثمن محدد يدفع من طرف المستصنع، حسب الكيفية المتفق عليها بين الطرفين. وتحدد المواصفات التقنية لهذه المنتجات وكيفيات تقديمها إلى العملاء بمنشور يصدره والي بنك المغرب، بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان، وبعد الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى. هل هناك رقابة على البنوك التشاركية؟ نعم هناك رقابة على البنوك التشاركية؛ إذ يمكن التمييز بين رقابتين: رقابة مصرفية يقوم بها البنك المركزي، ورقابة شرعية تقوم بها لجنة الشرعية للمالية. الرقابة المصرفية على البنوك التشاركية: باعتبار البنوك التشاركية إحدى مؤسسات الائتمان فإنها تخضع للنظام الرقابي نفسه الذي يطبق على البنوك التقليدية، والمتمثل في البنك المركزي (بنك المغرب) الذي يقوم بفحصها وتفتيشها بنفسه. يعهد إلى بنك المغرب بمراقبة تقيد مؤسسات الائتمان بأحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه، ويتأكد من ملاءمة التنظيم الإداري والمحاسبي ونظام المراقبة الداخلية للمؤسسات المذكورة، ويسهر على جودة وضعيتها المالية. وفي هذا الإطار يؤهل بنك المغرب لإجراء مراقبة في عين المكان، ومراقبة على وثائق المؤسسات المشار إليها أعلاه بواسطة مأموريه أو أي شخص آخر ينتدبه الوالي (والي بنك المغرب) لهذا الغرض. وللتأكد من تقيد المؤسسات المذكورة بالقواعد الاحترازية يمكن أن تشمل المراقبة في عين المكان الشركات التابعة والأشخاص المعنويين التي تراقبها وفقا لأحكام المادة 41 من القانون البنكي رقم 103.12 . ويمكن أيضا أن يطلب بنك المغرب من الهيئات الخاضعة لمراقبته موافاته بجميع الوثائق والمعلومات اللازمة للقيام بمهمته، ويتولى تحديد قائمتها ونموذجها وآجال إرسالها. 2-الرقابة الشرعية على البنوك التشاركية: لقد ألزم القانون البنوك التشاركية برفع تقارير عن مطابقة أعمالها لمقررات لجنة الشرعية للمالية نهاية كل سنة مالية، للتحقق من مدى مطابقة هذه البنوك لأحكام الشريعة الإسلامية. وتعهد للجنة الشرعية للمالية المهام التالية: -البت حول مطابقة العمليات والمنتجات المقدمة للجمهور للشريعة. -الرد على استشارات البنوك. -إبداء رأس مسبق حول محتوى الحملات الدعائية لمؤسسات الائتمان. -اقتراح أي تدبير من شأنه الإسهام في تنمية أي منتج أو خدمة مالية مطابقة للشريعة. وجاء أيضا في ديباجة القانون أن البنوك التشاركية ملزمة بوضع لجنة افتحاص تقوم بالمهام التالية: -التعرف والوقاية من مخاطر عدم المطابقة لأحكام الشريعة. -ضمان تتبع تطبيق آراء لجنة الشريعة للمالية ومراقبة مدى احترام هذا التطبيق. -وضع المساطر والمرشد المتعلقة بأحكام الشريعة الواجب احترامها. -اعتماد التدابير المطلوبة في حالة عدم احترام الشروط المفروضة عند وضع منتج صدر بخصوصه رأي شرعي. هل ستعطي البنوك التشاركية دفعة لاقتصاد المغرب؟ كل سنة تقدر المؤسسات المالية الاسلامية أرقاما عن النمو والتراكم ورقم المعاملات، وتأتي النتائج لتحطم التوقعات وتفوقها. المالية الإسلامية اليوم تحقق نموا، وتتموقع في مستويات مرتفعة في دول آسيا والشرق الأوسط. ويرى الخبراء والباحثون أن المغرب من البلدان التي تعتبر أرضيتها سوقا مصرفية واعدة، لذلك سيعزز ظهور البنوك التشاركية على التراب المغربي مكانته الاقتصادية بين الدول الاقتصادية الصاعدة. ولقد جاء على لسان الخبير الاقتصادي محمد بوليف أن المغرب بحكم موقعه الجيو استراتيجي في البحر الأبيض المتوسط ومع إفريقيا وأمريكا والاتحاد الأوربي يمكن أن يكون منارة للمالية الإسلامية في المنطقة، ووسيطا بين التمويلات التي تأتي من الخليج ومن أوربا.