مضت حوالي 70 عاما على صدور الرواية الشهيرة لألان باتون "إبك يا وطني الحبيب" التي وصف فيها الاضطهاد والمأساة التي كان يعيشها السود بجنوب إفريقيا جراء نظام الفصل العنصري. واليوم، وبعد مرور سبعة عقود، زاد دوي هذه الصرخة ليعم جميع أنحاء هذا البلد الذي يواجه أزمة متعددة الأبعاد، نتيجة للفشل الذريع الذي مني به حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، في ترجمة وعوده المتجلية في رؤية جنوب إفريقيا تسودها المساواة وتنسجم بشكل تام مع طموحات الآباء المؤسسين. فبعد 23 سنة فقط على معانقة الحرية في هذا البلد، يبدو أن حلم نيلسون مانديلا ورفاقه بدأ يتبدد فاسحا المجال أمام اليأس الذي يدب في نفوس الشباب جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع البطالة إلى 26,5 في المائة من الساكنة النشيطة.بعد 23 سنة فقط على معانقة الحرية في هذا البلد، يبدو أن حلم نيلسون مانديلا ورفاقه بدأ يتبدد فاسحا المجال أمام اليأس الذي يدب في نفوس الشباب جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع البطالة إلى 26,5 في المائة من الساكنة النشيطة. وفي خضم هذه الصورة القاتمة، تتسع الفجوات الاجتماعية التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وهي وضعية لا يبدو أن قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي قادرون على إيجاد حل لها. وفي هذا الصدد، يقول سانديل، وهو واحد من الآلاف من مواطني جنوب إفريقيا ممن اضطروا إلى التسول في شوارع ساندتون، الحي الراقي في مدينة جوهانسبورغ، "نشعر بأننا تعرضنا للخيانة من قبل حزب المؤتمر الوطني". وأضاف هذا الشاب، القادم من أحد الأحياء الفقيرة التي تتكاثر في ضواحي جوهانسبورغ، مشكلة حزاما حقيقيا من الفقر والإقصاء حول العاصمة الاقتصادية والمالية لهذا البلد الذي يوصف بأنه الأكثر ثراء في القارة الإفريقية، أن "الوظائف قليلة. فقدنا كل الأمل". وفي أوساط المحللين، تشير التقديرات إلى أن البطالة والفقر وعدم المساواة الصارخة تشكل العناصر المغذية لانهيار وشيك. فجنوب إفريقيا توجد في وضعية متأزمة، إذ أن أكثر من 35 في المائة من الساكنة تعيش على المساعدة الاجتماعية و25 مليون من ساكنة تبلغ 54 مليون نسمة تعيش تحت خط الفقر بدولار واحد في اليوم. وتتفاقم هذه المشاكل الاجتماعية والاقتصادية جراء حالة عدم اليقين السياسي التي تتخبط فيها البلاد بسبب قرارات الرئيس جاكوب زوما. ويعيش رئيس الدولة، الذي من المرتقب أن يغادر قيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي خلال دجنبر المقبل، عزلة على نحو متزايد، إذ أنه في 30 مارس الأخير ، قام بتعديل وزاري مثير للجدل ، أقال خلاله العديد من الوزراء ، منهم وزير المالية برافين غوردهان الذي يحظى بالتقدير. وقد خلفت هذه المبادرة زلزالا في جنوب إفريقيا، وأثرت على تصنيفها السيادي لدى وكالة "ستاندرد أند بورز". ومنذ ذلك الحين، توالت الأخبار السيئة، بما في ذلك تقديم مذكرة لحجب الثقة سيناقشها البرلمان يوم 18 أبريل الجاري ودعوات لرحيل زوما صادرة عن العديد من زعماء ورموز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وكذا من طرف المركزية النقابية القوية بالبلد ( كوساتو) والحزب الشيوعي، وهما حليفان استراتيجيان مكن دعمهما حزب المؤتمر الوطني الإفريقي من البقاء في السلطة منذ نهاية نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) سنة 1994. غير أن زوما نجح يوم الأربعاء الماضي في تعبئة مناصريه باللجنة الوطنية التنفيذية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي من أجل تحييد، ولو مؤقتا، منتقديه في الحزب . غير أن المحللين أكدوا أن الأمر يتعلق فقط ب"انتصار أجوف". وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي دانيال سيلك " إن مصير زوما أصبح واضحا. رحيله أضحى مسألة وقت". وأضاف أن حركة العصيان المدني التي نظمت يوم أمس في كافة أنحاء البلاد هي التعبير الشعبي الأكثر وضوحا على أن زوما أضحى بمثابة "عقبة". وأشار إلى أنه بدعم من ائتلاف للأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، بإمكان هذه الحركة أن تنهي الحياة السياسية للرئيس، الذي يبدو أنه يعيش لحظاته الأخيرة، مع صورة مشوهة إلى الأبد. من جانبها، أوضحت المحللة كريمة براون أن الغضب ضد زوما وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي هو نتيجة لسنوات طويلة من الإحباط التي تراكمت في البلد منذ عام 1994. وأبرزت أن هذا الوضع يحمل مخاطر حقيقية ستؤدي إلى الانهيار لعدم وجود تغيير جذري على مستوى قيادة الحزب والبلاد. *و.م.ع