بعد ما ظل لفترة طويلة موضع اتهامات، يبدو أن الرئيس الجنوب إفريقي، جاكوب زوما، أصبح أقرب، أكثر من أي وقت مضى، إلى مسطرة العزل، بل وحتى مواجهة متابعة قضائية، إثر نشر تقرير خطير، أمس الأربعاء، يكشف عن الفساد في أعلى مستويات أمة قوس قزح. ويدعو التحقيق، الذي حررته وسيطة الجمهورية، تولي مادونسيلا، قبيل تركها لهذا المنصب، منتصف أكتوبر الماضي، إلى فتح تحقيقات حول "جرائم" فساد محتملة تم ارتكابها في أعلى هرم السلطة.
ويستعرض التقرير، الواقع في 355 صفحة، ويحمل عنوان "التحكم في الدولة"، بالتفصيل العلاقات المريبة القائمة بين الرئيس الجنوب إفريقي و"غوبتا"، وهي عائلة رجال الأعمال الأثرياء ذات الأصول الهندية.
ويتعلق الأمر بتأثير خاص تمارسه العائلة الهندية على الرئيس الجنوب افريقي في ما يتصل بالتعيينات في المناصب العليا، بما فيها تعيين الوزراء، بحسب التقرير الذي رخص القضاء بنشره، على الرغم من الضغوطات التي مارستها جاهدة الدوائر المقربة من زوما داخل المؤتمر الوطني الافريقي (الحزب الحاكم) للحيلولة دون ذلك.
ويأتي نشر هذا التقرير، المحرج جدا، في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات إلى رحيل زوما، المتهم أيضا بالتورط في قضايا فساد أخرى، وبأنه قاد البلاد إلى الأزمة متعددة الأبعاد التي تشهدها حاليا.
ولا يبدو اقتصاد هذا البلد، الذي يوصف بأنه الأكثر تقدما في القارة الإفريقية، في حالة جيدة، حيث نسبة النمو منعدمة (0 في المائة هذه السنة، بحسب المنظمات الاقتصادية والمالية الوطنية والدولية) وبطالة تمس 27 في المائة من الساكنة النشيطة، وفقا للأرقام الرسمية.
وتعد القرارات المتسرعة للرئيس، بما فيها عزل وزير المالية نهلانهلا نيني، في دجنبر الماضي، من بين الأسباب التي أغرقت البلاد في الأزمة.
وكشف تقرير وسيطة الجمهورية أن دافيد فان روين، النائب المغمور الذي عينه زوما بدل نيني ، رجل المال المعروف بكفاءته، زار عائلة غوبتا في سبع مناسبات، بما فيها عشية تعيينه المفاجئ في وزارة المالية.
وكان هذا التعيين قد أدى إلى ارتباك في الأسواق، وأجبر الرئيس زوما، بعد أربعة أيام فقط، على إعادة استدعاء برافان غوردان، الذي يحظى باحترام كبير، لشغل منصب وزير المالية.
ونزل الآلاف من المواطنين، في اليوم الذي نشر فيه التقرير الصادم، إلى شوارع بريتوريا للمطالبة برحيل زوما، الذي قد يهدد بقاؤه في السلطة بدفع البلاد نحو الانفجار، بحسب المعارضة.
وداخل المؤتمر الوطني الافريقي، تزداد الانقسامات حدة بين موالين لزوما وآخرين يطالبون برحيله.
وحذر الحزب الشيوعي، المكون الرئيسي لتحالف يخول للمؤتمر الوطني الإفريقي البقاء في السلطة، أمس الأربعاء، من عواقب الأزمة العميقة التي تضرب حزب نيلسون مانديلا. وقال نائب الأمين العام للحزب الشيوعي، صولي مابايا، إنه يتعين على المؤتمر الوطني الافريقي وضع حد للانقسام الذي يمزقه، وإلا فإنه مهدد بالموت السياسي.
وأضاف أنه كان ضروريا إجراء تغيير في قيادة الحزب منذ تقهقر نتائج الحزب في الانتخابات البلدية التي جرت في غشت الماضي، في إشارة إلى الخسارة التي مني بها الحزب خلال هذه الاستحقاقات، خصوصا في الحواضر الكبرى كبريتوريا وجوهانسبورغ وبورت إليزابيث ونيلسون مانديلا باي.
وقال مابايا "إذا لم يتخذ أي قرار لإعادة حزب المؤتمر الوطني الافريقي إلى السكة الصحيحة، فإننا سنفقد بالتأكيد السلطة في السنوات القادمة".
ويشكل الحزب الشيوعي، إلى جانب المركزية النقابية كوساتو، تحالفا ثلاثيا مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وينظر إلى هذا التحالف على أنه يشكل العامل الرئيسي الذي مكن المؤتمر الوطني الإفريقي من البقاء في السلطة منذ نهاية نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) سنة 1994.
وبدورها دخلت مؤسسة نيلسون مانديلا، ذات التأثير الكبير، على الخط للمطالبة برحيل زوما، في حين دعا مجتمع الأعمال إلى تغيير في أعلى هرم الدولة لإنقاذ الاقتصاد من تدهور يبدو أنه لا مفر منه.
واتهم ائتلاف منظمات غير حكومية يحمل اسم "أنقذوا جنوب إفريقيا" حكومة المؤتمر الوطني الإفريقي بنشر الفساد، معتبرا أن هذه الممارسة اتسعت رقعتها إلى درجة أصبحت تهدد معها البلاد بالإفلاس.
من جهتها، صرحت شيريل كارولوس، أحد أبرز الوجوه التي عرفت بمناهضتها لنظام الفصل العنصري، بأن "البلاد في أزمة. والشباب تعرضوا للخيانة"، قائلة "وصلنا إلى مرحلة يجب علينا فيها اتخاذ قرار"، مع إدانتها لقيادة قررت السيطرة على البلاد ومؤسساتها ومواردها.
كما أن الزعماء الدينيين لم يبقوا مكتوفي الأيدي، إذ قال وارين غولدشتاين، عضو مجلس الزعماء الدينيين الجنوب أفارقة، إن "جنوب إفريقيا توجد في مفترق طرق"، داعيا "إلى إرجاع السيادة للشعب".
ورغم هذا الغضب العارم، يبدو أن معسكر زوما لا يعتزم الاستسلام، إذ تعتبر وسائل الإعلام أن مؤيدي زوما لن يقبلوا برحيل مبكر للرئيس بهدف الحفاظ على مصالحهم.
ولكي تكون له الكلمة الفصل في هذا الصراع، يراهن المعسكر المؤيد لزوما على الانقسامات داخل المعارضة. وبالمقابل، يعتبر المحللون أن أي تأجيج لهذا الوضع يهدد بقوة بإغراق البلاد في أزمة غير محسوبة العواقب.