يتم الحرص في الدول التي راكمت قسطا من الديمقراطية على الانتباه إلى مسألة التسميات أثناء مناقشة القضايا، بحيث لا ينبغي أن توظف في الخطاب الإعلامي عبارات غير تلك الواردة في القانون. غير أن الملاحظ في المجال التداولي المغربي غياب هذا الحرص، ما يؤدي إلى فوضى في المصطلحات، وغياب للتدقيق، وأحيانا يتسبب في التباسات كثيرة. هكذا وبدل الحديث عن "رئيس الحكومة المعين"، يتم اختصار العبارة إلى "رئيس الحكومة"، وأحيانا يقال: "رئيس الحكومة المكلف"، رغم أن هناك فرق بين التعبيرين، لأن التعيين ليس هو التكليف. ونقرأ في هذه الأيام ونسمع في وسائل الإعلام "الحكومة الجديدة"، والحال أنه لا يمكن أن نطلق عليها هذه التسمية قبل أن تستوفي كامل مراحل تنصيبها. إن ما حدث حتى الآن لا يتجاوز تعيين الحكومة من قِبل الملك، لكن هذا لا يعني أنها أصبحت حكومة مكتملة الأركان وحائزة على صفة الحكومة الجديدة، وإنما هي مجرد حكومة تصريف أعمال، تنتظر أن يتم تنصيبها من قِبل مجلس النواب، حسب منطوق الفصل 88 من الدستور المعدّل سنة 2011: "بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسَي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية؛ كون البرنامج المشار إليه أعلاه موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصّبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة". لم يربط المشرع الدستوري هنا الوجود القانوني للحكومة بمجرد التعيين الملكي، ولكن ينبغي أن تنال الحكومة الثقة الشعبية من خلال تصويت مجلس النواب على برنامجها بالأغلبية المطلقة؛ بمعنى أن الحكومة تظل تُصرّف الأمور الجارية إلى أن يتم تنصيبها برلمانيا. وإذا لم تحصل على الأغلبية المطلقة فلن يكون لها وجود، وإنما تكون في موقع الحكومة المُعيّنة التي يقتصر دورها على تصريف الأعمال الجارية، إلى أن يتم تعيين حكومة جديدة أو إعادة الانتخابات (الراجح هو إعادة الانتخابات). الوزراء الذين تسلموا مهامهم من وزراء حكومة تصريف الأعمال التي كان يرأسها السيد بنكيران، هم أيضا وزراء تصريف أعمال في الحكومة المعينة التي يرأسها السيد العثماني، ولا يمكن إطلاقا أن يكونوا وزراء منصّبين ما لم يُنصّب مجلس النواب الحكومة التي هم أعضاء فيها، إذ يمكن أن يأتي وزراء آخرون في مرحلة أخرى ويتسلموا هم أيضا السلط من وزراء تصريف أعمال الحكومة المعينة. وهذا ما تم التنصيص عليه وشرحه من خلال القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، حين نص على نوعين من حكومات تصريف الأعمال؛ النوع الأول يتعلق بحكومة منتهية مهامها لسبب من الأسباب الواردة في القانون نفسه؛ والنوع الثاني متعلق بحكومة معيّنة من قِبل الملك ولكنها لم تنل التنصيب البرلماني بعد، وذلك حتى لا يتم الوقوع في الخرق الدستوري الذي أعقب انتخابات 7 نونبر 2011، عندما سارع أعضاء حكومة بنكيران المعينة بتسلُّم مهامهم قبل التنصيب النهائي للحكومة من جانب مجلس النواب، وهو ما يضرب في العمق مسألة التنزيل الديمقراطي للدستور، إذ يتم تكريس ارتباط الحكومات بالملك الذي يعينها، بدلا عن البرلمان الذي ينصّبها. لذلك رام القانون التنظيمي أعلاه تدارك الأمر من خلال التأكيد على أن الحكومة المعيّنة لا يمكنها أن تتصرف إلا على أساس كونها حكومة تصريف أعمال، حسب ما هو مبين في المادة 37 من القانون المنظم لعمل الحكومة. أما مهام حكومة تصريف الأعمال المعينة فهي مؤطرة أيضا ببنود القانون التنظيمي نفسه، إذ نصّت المادة 38 منه على ما يلي: "تُكلّف الحكومة الجديدة، التي عينها الملك باقتراح من رئيس الحكومة...والتي لم تنصّب بعد من قِبل مجلس النواب، بممارسة المهام التالية: إعداد البرنامج الحكومي الذي يعتزم رئيس الحكومة عرضه أمام البرلمان؛ إصدار قرارات تفويض الاختصاص أو الإمضاء اللازمة لضمان استمرارية المرافق العمومية؛ ممارسة الصلاحيات المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 37 أعلاه إلى حين تنصيبها من قِبل مجلس النواب". الحاصل إذن أننا لسنا أمام حكومة تحوز صفة الدوام والاستمرارية، ويمكنها التصرف في كل الأمور القانونية، وإنما يتعلق الأمر بحكومة معينة قد تنال الأغلبية المطلقة بمجلس النواب وتصبح بذلك حكومة قانونية تتصرف في كل الأمور التي خولها لها الدستور، وقد يحجب عنها مجلس النواب أغلبيته، وتبقى حكومة تصرف الأعمال الجارية إلى حين إقناع مجلس النواب ببرنامجها وتركيبتها أو تعيين حكومة جديدة؛ علما أنه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين التنظيمية ما يحدد المدة الزمنية التي يمكن أن تستمر فيها هذه الحكومة المعينة في تصريف الأعمال، شأنها في ذلك شأن حكومة تصريف أعمال الحكومة المنتهية ولايتها، لأن الدستور أغفل تحديد المدد الزمنية؛ وهو ما قد يؤدي إلى أزمات أخرى ليس المجال للتفصيل فيها الآن، ولكن يكفي طرح هذه الأسئلة: ماذا لو لم يمنح مجلس النواب الأغلبية للحكومة المعينة؟ هل تبقى هي حكومة تصريف الأعمال؟ كيف يمكنها أن تبقى في وضع تصريف الأعمال وهي لم تحز الثقة الشعبية من خلال البرلمان؟ أم إن على وزرائها إعادة السلط إلى وزراء حكومة تصريف الأعمال المنتهية ولايتها؟ ولماذا يتم التسريع بتسليم السلط بين حكومة تصريف أعمال منتهية ولايتها وحكومة تصريف أعمال مُعينة إذا كانت الأخيرة لا يمكنها أن تقوم بأي شيء لا تقوم به الأولى؟ كيف تُسير حكومة تصريف أعمال معينة شؤون شعب لم يمنحها ثقته من خلال نوابه؟ *أستاذ القانون الدستوري