ما إن أعلنت رسميا تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016 إثر تعيينها من طرف الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط يوم الأربعاء 6 أبريل الجاري، بعد حوالي ستة أشهر من الترقب و"البلوكاج"، حتى انفجرت وديان وبراكين من التعليقات والتقييمات موزّعة بين الترحيب والانتقاد. وبعيدا عن ردود الفعل العفوية العابرة والتقييمات السطحية والتسفيه المتعمّد، وبعيدا كليا عن كل الخلفيات، وقريبا جدا من الموضوعية والجدية التي يفرضها الموضوع، أبسط للقارئ الكريم ثلاث ملاحظات وخمس خلاصات، وهي إليكم تباعا كما يلي: الملاحظات: 1-قصف مكثف لرئيس الحكومة الجديد، السيد سعد الدين العثماني، ومحاولة تقديمه على كونه "خائن وخنوع"، ضرب عرض الحائط القرارات "الثورية" لحزبه العدالة والتنمية، خلافا لما يريده وقررّه مجلسه الوطني وأمانته العامة، وحتى السيد بنكيران نفسه؛ وهذا أمر غير صحيح تماما وفيه تهويل وتجن كبيران على السيد العثماني، لا تفهم مراميه. فوزراء العدالة والتنمية في الحكومة الحالية للسيد سعد الدين العثماني هم أولا من نصف أعضاء الأمانة العامة للحزب، بل الأكبر من ذلك أنهم وزراء الحكومة السابقة أنفسهم تقريبا من الذين ذاقوا حلاوة السلطة. فهل فعلا اختار السيد سعد الدين العثماني حكومته ووزراء حزبه ضدا على إرادة الأمانة العامة للحزب وأعضاء مجلسه الوطني؟ هذا قول فيه نظر كبير وغير صحيح بالمرة؛ لأن السيد سعد الدين العثماني معروف داخل حزبه وخارجه أنه لا يملك لا السلطة التنظيمية في مفاصل الحزب وقطاعاته ولا كاريزما الأمين العام بنكيران. كل ما في الأمر أن ما قام به "الدكتور الأمازيغي" هو مجرد "تنفيذ إجباري" لقرارات قيادات حزبه، بما يشبه الإجماع.. ولا دليل أكبر على ذلك إلاّ بالنظر والتمعّن في الأسماء المستوزرة، وكلها لقيادات حزبية يقام لها ويقعد في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية (الرميد، يتيم، الرباح، الخلفي، الحقاوي، عمارة، بوليف، مصلي) فهل فعلا خان السيد العثماني قيادات حزبه أم أن قيادات الحزب في معظمها هي التي خانت قواعد الحزب؟ هذا في نظري هو السؤال الجوهري والمركزي ولا يجب اختزاله في شخص فرد وحيد معزول من طينة وحجم الدكتور سعد الدين العثماني، الذي أصبح اليوم بعد التعيين الملكي رئيسا لحكومة المملكة المغربية التي تمثل كل المغاربة. 2-نحن أمام ما يشبه حكومة ائتلاف/ إنقاذ وطني "غير معلنة" صراحة، تحت إشراف مباشر وكامل للقصر. الأحزاب نفسها تقريبا، الوجوه نفسها في الأعم. أجريت الانتخابات وكانت التطلعات كثيرة، كما كان الانتظار طويلا والحسابات دقيقة ومعركة طاحنة، وفي النهاية خرج ما خرج. تعديلات بسيطة للغاية يروّج من طرف بعض الألسن أنها تجديد إبداع، وهي في واقع الحال ليست كذلك، فما يقال مثلا عن حضور النساء فهو قائم من حيث الشكل والعدد وليس في قيمة المسؤولية والمنصب. ومنهجية وفكرة الأقطاب القطاعية والوزارية التي "صدعونا" بها هي مجرد "فدلكة لا يمكن أن تنطلي على أحد في جل القطاعات الوزارية، بقدر ما ستخلق أعطابا مزمنة في محرك وعجلات عربة الحكومة. كل ما في الموضوع من متغيّر مركزي هو إبعاد وإقصاء السيد عبد الإله بنكيران من المشهد الحكومي، في أفق إبعاده من المشهد السياسي برمته. واحدة من المفارقات العجيبة لهذه الحكومة أن رئيس حكومة سابق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية المتصدر حزبه للانتخابات، والذي خاض انتخابات 7 أكتوبر دون باقي الزعماء الحزبيين في دائرة سلا، التي فاز فيها بالضربة القاضية، وكان فضله كبيرا على باقي نتائج حزبه، يرمى به ذليلا هكذا من الجهتين. ثم إغراق التشكيلة الحكومية بأسماء ومناصب لن يكون لها فعل وتأثير وازن، بدليل إبعادها حتى عن شرف حضور المجالس الوزارية التي يترأسها الملك، ليقتصر دورها على التدشينات في المعارض الموسمية في هذه المدينة أو تلك، وصولا إلى فضيحة خروج "عراب" البلوكاج، ادريس لشكر، بصفر نتيجة، دون منصب حكومي، وهو الذي كان يراهن سرا وفي غفلة من الجميع على خلق المفاجأة المدوية بانتزاعه لمنصب وزاري هام للغاية، فتجرّع لوحده مرارة المفاجأة بعدما تم إقصاؤه رغم كل ما فعله بسبب إشهار "فيتو" من كل الأطراف ضده ودون استثناء (هو رابع الحقائب الوزارية المخصصة لحزبه- الاتحاد الاشتراكي-) وحصد حزبه في النهاية حقائب وزارية "تافهة جدا"، لا تتعدى ثلاث حقائب وزارية ملحقة بوزراء آخرين، إذ سيتحول السيد بنعبد القادر المكلف بالوظيفة العمومية، والسيد بنعتيق، المكلف بشؤون الهجرة والجالية، ورقية الدرهم (التي لم ينتظرها أحد)، إلى مجرد موظفين (خارج السلم) تابعين-خانعين لرئيس الحكومة ووزير الداخلية الأسبق حصاد..وحتى فزاعة "الدبلوماسية أوروبيا وإفريقيا وآسيويا، والتي طالما تبجح بها السيد ادريس لشكر وحزبه- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية- فقد فقدها بشكل مدهش. وعليه سيجد ادريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (ومعه ثلاث حقائب تافهة) نفسه اليوم متساويا مع حزب التقدم والاشتراكية (حصد ثلاث حقائب وزارية حتى بدون فريق برلماني مع تقدير كبير لأمينه العام نبيل بنعبد الله) والاتحاد الدستوري (حصد حقيبتين وبدوره بدون فريق برلماني)؛ واللذين حصل أميناهما العامان محمد ساجد ونبيل بنعبد الله فعلا حقيبتين أكثر أهمية ومكانة. ومن أبرز الملاحظات حول التشكيلة الحكومية الجديدة غياب حزب الاستقلال عن كعكة المناصب الحكومية؛ وهو الحزب الذي تربّت أجيال منه بكاملها لعقود وسنوات في دهاليز الوزارات والمسؤوليات وحتى "الصفقات"؛ باعتبار المسؤوليات كأكسجين تنظيمي ضروري للحزب. أخيرا يمكن اعتبار تعيين السيد لفتيت وزيرا للداخلية وسلفه حصاد على قطاع التعليم برمته (وما أدراك والتعليم وفضائحه) من أكبر المفاجآت وأهمها على الاطلاق في حكومة الدكتور سعد الدين العثماني، وغيره تفاصيل صغيرة. 3-راحت بعض المقالات والتعليقات تصف الحكومة الجديدة بكونها حكومة معاكسة لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وانقلابا على الحراك المغربي إبان دينامية 20 فبراير 2011 والمسار الديمقراطي وهلم قولا وكلاما يطلق هكذا في السماء دون العودة إلى الأرض وحقيقتها. من وجهة نظرنا نقول إن حكومة السيد سعد الدين العثماني هي في الواقع حكومتان، وعليه قلنا سلفا إنها حكومة ائتلاف وطني "غير معلنة صراحة". أما الحكومة الأولى فتتحرك وتشتغل في نطاق منطوق الفصل 42 من الدستور، والحكومة الثانية فحدودها مرسومة في مربع الفصل 47 من الدستور، وهكذا سنجد أنفسنا وجها لوجه أمام حكومة بقطبين متوازيين: القطب الأول (الحكومة الأعلى): وزارات السيادة والمال والتجارة هي الحكومة الأصل، ولها كلمة الفصل في كل نزاع. إنها حكومة التكنوقراطي الكاره للفاعل السياسي مهما كان انتماؤه الحزبي. حكومة المناصب الوزارية الحقيقية والحسّاسة وجوهر السلطة. هذا القطب حازه حزب السيد عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار– الإدارة) إلى جانب محمد نبيل بنعبد الله (التقدم والاشتراكية) ومحمد ساجد (الاتحاد الدستوري- الإدارة-) وبينهما تكنوقراط خالصون تماما. في هذا القطب ستجد كلا من الداخلية، الخارجية، الأوقاف، التعليم، السكن، الفلاحة، الماء، الصناعة، التجارة، التكنولوجيا، الدفاع، إعداد التراب الوطني، العدل، السياحة، الصحة... القطب الثاني (الحكومة الأدنى): وزارات "التدشينات" وتجارة الكلام؟ فريق مهول من حيث العدد، لا قيمة فعلية لمناصبهم مؤسساتيا ولا حتى عند الرأي العام والشارع. رهانات قطاعية جد محدودة. وزراء وكتاب دولة ومنتدبون "للزينة فقط". هذا القطب مخصّص للمحاصصة الحزبية، الغرض منه إثراء الطموحين حزبيا، أولائك الذين تعودوا على لذة المناصب والذين اكتشفوها في أرذل العمر، وحتى منهم من رصدها في عبق العمر وضحى بالغالي والنفيس من أجلها، "المناضلون" من أجل تحسين عيشهم والقطع مع "الميزريا"، دهاقنة التبريرات. مناصب تأخذ من ميزانية الدولة ودافعي الضرائب الشيء الكثير في زمن الندرة. نعم هو بعينه ورجليه دون فائدة تذكر. هنا أتحدث عن قطاعات جل وزرائها من حزب العدالة والتنمية، بل كلّهم. في هذا الباب، وبكل صدق وموضوعية، سنجد فعلا أن حزب العدالة والتنمية في مسلخ حكومي حقيقي (كورنا الريع والأنا) وبدأ يفقد ريشه في 24 ساعة لا أقل ولا أكثر، وفي أقل من 5 سنوات، بعدما ظهر للخاص والعام أن "مرض الكرسي" في كل آياته وتجلياته بدأ سوسه ودوده ينخر ويعري حزبا حاز ب107 مقاعد ما لم يحزه ب125 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، وبعموديات أكثر من نصف كبريات المدن والقرى المغربية. لماذا كل هذا الإذلال إذن؟ لماذا كل هذه الهرولة المفجعة؟ الجواب بسيط؛ فحزب العدالة والتنمية الذي قدّمه السيد بنكيران للناس ليس هو الحزب نفسه في واقع الحال. حزب العدالة والتنمية لم يكن يحلم أكبر وأعظم أعضائه أن يصل يوما الى عمدة الرباط أو الدارالبيضاء، وبالأحرى رئاسة الحكومة ومنصب وزير، قبل أن تأتي هدية السماء من "تونس" وشباب 20 فبراير. حزب العدالة والتنمية قدّمه السيد بنكيران للناس على كونه هو الحزب الأول والأخير منذ استقلال المغرب، تنظيم مثالي ملائكي ولا يعيش مشاكل بشرية وتنظيمية كما باقي البشر والأحزاب. حزب العدالة والتنمية، وللأمانة، لولا السيد بنكيران ودهائه وموهبته التواصلية وسلوكه السياسي والاجتماعي ومصداقيته لما بلغ هذا الحزب الصغير مرتبة الكبار والحزب المهيمن في وقت وجيز. وعليه فإن قيادات حزب العدالة والتنمية، وهي تعيش أتعس لحظاتها، وفي إطار سياق إقليمي ودولي وحتى وطني جارف، قد تكون قرّرت التعامل بمنطق واع وبراغماتي صرف، يغلب عليه طابع الجبن الفظيع والانتهازية والازدواجية المقيتة، حين قرّر عدم العودة إلى المعارضة وله من القوة والمبررات ما لم يتوفّر لغيره قط من الأحزاب ليقول "لا" كبيرة، وينخرط مجددا في صف المعارضة وتأطير الشعب، ويصبر 5 سنوات أخرى. بالتأكيد لم ولن يفعلوا ذلك لتنتهي الأسطورة مع انتهاء صاحبها، وينفضح الجميع أمام الشعب والتاريخ، وحتى "المداويخ" من المناضلين.. ففي إطار تقوية المسار الديمقراطي واستقرار الغد، وبعد توالي الاشتراطات، كان حريا بقيادة حزب المصباح أن يراكم "الثقة".. مع الأسف سقط وليس مقبولا تحميل وزر الانكشاف والتحللّ للسيد العثماني، بقدرما يجب تحميل ثقل المسؤولية بوضوح لكل قيادات الحزب، وخاصة منهم وبصفة أشد القابلون بالمناصب الوزارية والمقبلون على الحياة دون أدنى ذوق أخلاقي ولا سياسي، وهو قيادات الأمانة العامة للحزب. ولكن لماذا لم يعترض أعضاء الأمانة العامة للحزب، وهم من كبار قياداته في الأمانة العامة وحركة التوحيد والإصلاح على مناصب الوزارة، وفضلوا السباق على المقاعد بدل التضحية من أجل النسق الديمقراطي السليم بعيدا عن مغانم السلطة؟ هذا هو أصل الحكاية والباقي مجرد إنشاء وكلام تافه. فضل بنكيران على حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية كبير جدا جدا، ولست أبالغ إن قلت إن نصف قوة العدالة والتنمية من شخصية السيد بنكيران (كان أمينا عاما للحزب أو برلمانيا أو رئيسا للحكومة)، لهذا تم التخطيط لإبعاده وب"الفن" بتواطؤ مكشوف مفضوح من إخوانه.. وبدونه (بنكيران) فالكثير الكثير ممّن يقدمون اليوم للمغاربة على أنهم قيادات حزبية في حزب المصباح مجرّد "كراكيز" "قطر بهم سقف السياسة" دون معاناة ولا تكوين.. أقولها دون مجازفة. في هذا السياق، فكل قول عن الالتفاف على الإرادة الشعبية والتخلي عن المسار الديمقراطي مجانب للصواب. قيادة حزب المصباح (الامانة العامة للحزب) معظمها موزّرة اليوم، وأخرى تسيّر 70 في المائة من الجماعات الترابية، مع هيمنة شبه مطلقة على البرلمان بغرفتيه، وكلّهم يدركون أن هذه السلطة ورغد العيش ليس مبنيا على سنوات الاعتقال التعسفي والمنافي والتشريد والتعذيب في المراكز السرية، ولا حتى تضامن مع دينامية وتطلعات شباب 20 فبراير أو الدفاع عن أطروحة اجتماعية وفكرية وسياسية جديدة وجدية تدفع البلد للتحديث والحداثة، أسوة بمن سبقونا في مسار التنمية والتطور المعقد. هي ضربة حظ لا أقل ولا أكثر، وصعب أن تتكرّر في القريب العاجل والمتوسط، والسياسة فن الممكن. لما هذه الحكومة بهذا الشكل؟ لأن لا بنكيران، ولا لشكر، ولا اخنوش، ولا ساجد ، ولا بنعبد الله، ولا شباط ولا منيب ولا إلياس ولا ولا، يعرف حقيقة ومرارة ما جرى يوم 7 أكتوبر 2016، بالأرقام والتفاصيل؛ وهم يعرفون هذا أكثر مني. أزيد من ثلي الشعب المغربي قاطع الانتخابات بعد دستور 2011. الناس لم تصوّت وقاطعت صناديق الاقتراع، وحتى من ذهب مكرها أو مرتشيا قام بالتصويت العقابي لفائدة "المصباح" أو صوتّ بالملغاة. في جملة مقتضبة الناس ضد طريقة تدبير الدولة للحقل الحزبي والنظام الانتخابي بالشكل الحالي وإغراق الأحزاب بالإمعات والبهلوانات والنصابين الغارقين في الفساد والجهالة على مستوى القيادة. نعم هذا الشعب الذي يقال عنه تجاوز النخبة في وعيها، وهذا صحيح، اليوم يتجه إلى تجاوز الدولة في منطق تصرفها، والفضل كل الفضل للتكنولوجيا الحديثة. انتهت الثقة في الأحزاب والنقابات والنخبة في هذا البلد، وبدأت اليوم مصداقية ما يسمى المجتمع المدني تتآكل بدورها، إلى جانب الصحافة من فرط الإصرار على إنتاج الدجل وتسويق الإشاعات والإصرار على الضحالة وتمديد أجل "الريع". أزيد من 35 حزبا وأزيد من 20 نقابة وبآلاف المرشحين وملاييرالملايير التي صرفت من الدراهم المعلنة والسرية والضخ الإعلامي المختلف الأوجه والأشكال لم تقنع المغاربة (شعب المغرب) بالتصويت يوم 7 أكتوبر. ما قام به بنكيران، لشكر، شباط، الياس، بنعبد الله ومزوار، طيلة خمس سنوات أضحك الناس كثيرا، ولكن في واقع الحال "هجّروهم" يوم الامتحان. هل تدركون فعلا ما معنى أن ثلثي المغاربة غاضبون من الطبقة السياسية الحالية ولم يصوتوا؟ هل تدركون فعلا ما معنى أن يحكم دولة حزب حصد أقل من 5 في المائة من مجموع الأصوات؟ إنه الإفلاس..والكارثة. قال الشعب المغربي، والفاعل السياسي، كلمتهما يوم 7 أكتوبر، ويوم 6 مارس جاء الجواب، حكومة بفصلين متوازيين من الدستور 42 و47؛ حكومة تمثّل المقاطعين أكثر مما تمثل المصوتين، وأخرى تمثل المصوتين، وكل واحد أخذ نصيبه من الكعكة، في انتظار رفع الكرب والهم عن الشعب والبلد الذي أضحى مجرد كعكة بدل أن يصير وطنا ديمقراطيا متقدما متطورا حداثيا بعد نصف قرن من الاستقلال. شعب أوصل الرسالة إلى حيث يجب يوم 7 أكتوبر، فاقت في وضوحها وعي الطبقة السياسية وحتى مهندسي الخرائط، والأخطر من كل ما سبق أن الكثير من المتكلمة في هكذا موضوع لم يذهبوا لصناديق الاقتراع ولم يصوتوا أصلا، بل منهم من هو غير مسجل في اللوائح الانتخابية، فعن أي مقياس للديمقراطية سنتحدث؟. حكومة السيد العثماني خسر فيها حزب الاستقلال، والأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وطبعا ومؤكد أن حزب العدالة والتنمية خسر مصداقيته وتعرّت قياداته. حكومة السيد العثماني فيها تمثيلية المقاطعين أكبر من تمثيلية الأحزاب السياسية (لمن بقى فيها على قيد الحياة أصلا)، فمن العيب القول إن من أصل أزيد من 40 مليون مغربي تقاد البلد برمتها من طرف الحائز على مليون ونصف صوت وقد تزيد بقليل. حكومة السيد العثماني المعيّنة بالقصر الملكي بالعاصمة الرباط حكومة تقنية في العمق، حزبية في الشكل، وبمهام مستعجلة بأقصى درجات الجدية والإنجاز. قليل من السياسية و"الهضرة والكلاس في القهاوي"، والكثير من الفعل والمسؤولية (والفياق بكري) لرفع جل التحديات الخطيرة المتربص بهذا المغرب داخليا وخارجيا.. وهذا هو الفرق بين حكومة "سيدنا قدر" لصاحبها عباس الفاسي وحكومة "تيفلت" إبان موجة الزلزال العربي، والتي عيّن إثرها السيد بنكيران رئيسا للحكومة في واحدة من مفارقات الزمن السياسي والحزبي المغربي. غدا نتحدث عن الخلاصات الخمس. *صحافي، كاتب ومحلل سياسي