بعد أن شهدت النسخة الأولى من حكومة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأولى من نوعها بعد دستور 2011، إسناد بعض وزارات السيادة لأحزاب الأغلبية، ما اعتبره البعض انطلاق مرحلة جديدة "تربط فيها مسؤولية التدبير بالمحاسبة الانتخابية"، عادت التشكيلة الحكومية الجديدة التي يقودها سعد الدين العثماني، والتي أعلن عنها الديوان الملكي مساء اليوم، إلى منح مسؤولية تدبير القطاعات "الحساسة" إلى أطر خارج الحقل الحزبي. ففي الوقت الذي حمل فيه محند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، حقيبة الداخلية في أول حكومة بعد دستور 2011، عادت هذه الحقيبة التي تعتبر تاريخيا من وزارات السيادة، في الحكومة الجديدة، إلى عبد الوافي لفتيت، والي جهة الرباط، وعوّض محمد الحجوي، الأمين العام للحكومة في نسختها الجديدة، إدريس الضحاك، في الوقت الذي بقي فيه أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية، على غرار عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني. وأرجع أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، هذا الأمر إلى "فقدان القصر الثقة في الأطر الحزبية، حتى يسند إليها وزارات حساسة"، كما أن "هناك اعتقادا سائدا بأن الحقل الحزبي أصبح عقيما ولا ينتج"، مضيفا أن هذا الأمر تتحمل فيه الأحزاب بدورها جزء من المسؤولية، بسبب استشراء ثقافة "الزعيم الواحد"، و"إقصاء الكفاءات". واستطرد قائلا: "الصراعات الداخلية في الأحزاب جعلت عددا كبيرا من الكفاءات تغادرها، وهذا أحد أبرز أسباب هذه الوضعية". وأبرز المتحدث، في حديث مع هسبريس، أن مفهوم السيادة غير مرتبط بإسناد الحقائب الوزارية "الحساسة" إلى فاعلين حزبيين، بقدر ارتباطه بالشخص الذي يتولى المهمة، مضيفا أن "وزارة الداخلية في النسخة الأولى من الحكومة السابقة بقيت وزارة سيادة بالرغم من تولي العنصر مسؤولية تدبيرها". وقال في هذا السياق: "هناك مجال محفوظ للمؤسسة الملكية؛ فمن الناحية القانونية يقترح رئيس الحكومة الأسماء ويعينها الملك، ولكن هناك مناصب خاصة يكون فيهم الاختيار أساسا للملك". ولفت البوز الانتباه إلى أن السنوات الأخيرة شهدت اتساع رقعة الوزارات التي تدخل في مجال السيادة، "كوزارة الفلاحة ووزارة التعليم"، مقابل نزع الطابع نفسه على بعض الوزارات التي عرفت تاريخيا بدخولها ضمن اختصاصات المؤسسة الملكية، "كوزارة الخارجية التي لبست بشكل رسمي ثوب السيادة"، والتي عين على رأسها سعد الدين العثماني في النسخة الأولى من الحكومة السابقة، وصلاح الدين مزوار، في النسخة الثانية من الحكومة نفسها، بينما عادت لتخرج عن الحقل الحزبي، بتولي ناصر بوريطة مقالدها في الحكومة الجديدة. وأوضح المتحدث ذاته أن هناك خطا ثابتا هو أن وزارات السيادة "نواة صلبة في التركيبة الحكومية، يمكن أن يتفاوت حضورها من حكومة إلى أخرى بوزارة أو وزارتين، لكن هذا لا يلغي أن هناك قاعدة غير مكتوبة تشير إلى أن بعض المجالات محفوظة ل"بروفايل معين من الوزراء لا علاقة لهم بالحقل الحزبي"، متسائلا في السياق نفسه: "كيف يمكن محاسبة هؤلاء الوزراء سياسيا وهم غير منتخبين؟".