انشغل الرأي العام المغربي مؤخرا بجريمة قتل النائب البرلماني عبد اللطيف مرداس أمام منزله بحي كاليفورنيا بالدار البيضاء بتاريخ 7 مارس 2017. ولعل من أبرز الإشكاليات التي تطرحها هذه النازلة مسألة الإثبات باستعمال الوسائل العلمية الحديثة. فالنظام القانوني الجنائي المغربي يرتكز على مبدأ حرية الإثبات المعتمد في الأنظمة ذات الأصل اللاتيني. و"يقوم نظام الإثبات الحر على ثلاثة مبادئ رئيسة: مبدأ إطلاق الأدلة، الاقتناع الشخصي للقاضي، والدور الإيجابي له"1. وكانت الوسائل التقليدية هي السائدة في الإثبات، كالاعتراف، الكتابة، شهادة الشهود، والقرائن، ومع تطور العلوم والتكنولوجيا، ظهرت وسائل علمية حديثة في الإثبات. ويطرح موضوع هذه المقالة إشكالين رئيسين وهما: ما هي وسائل الإثبات العلمية الحديثة التي توصل إليها العلم والتكنولوجيا؟ وما مدى استيعاب التشريع المغربي لوسائل الإثبات هذه؟ وتختلف وسائل الإثبات الجنائية الحديثة في مدى انطوائها على اعتداء على سلامة الفرد وحرمته الجسدية، العقلية والنفسية، ولذلك ارتأيت تقسيم الموضوع إلى مطلبين: المطلب الأول: وسائل الإثبات العلمية الحديثة التي تمثل اعتداء على سلامة الفرد وحرمته الجسدية، العقلية والنفسية. المطلب الثاني: وسائل الإثبات العلمية الحديثة التي لا تمثل اعتداء على سلامة الفرد الجسدية، العقلية والنفسية. أولا: وسائل الإثبات العلمية الحديثة التي تمثل اعتداء على سلامة الفرد وحرمته الجسدية، العقلية والنفسية من وسائل الإثبات العلمية الحديثة ما يمثل اعتداء على سلامة الفرد وحرمته الجسدية، العقلية والنفسية. وسأتطرق في الفقرة الأولى إلى: التنويم المغناطيسي وجهاز كشف الكذب، وفي الفقرة الثانية إلى: البصمة الوراثية، بصمة الصوت، بصمة العين، بصمة الرائحة، طبعة الأصابع وتحليل الدم. 1 أسلوب التنويم المغناطيسي وجهاز كشف الكذب من الوسائل التي تؤثر على عقل ونفسية المتهم: التنويم المغناطيسي Hyponsis. وقد أتى "الطبيب النمساوي Franz Anton Mesmer بفكرة المغناطيسية الحيوية، في أواخر القرن الثاني عشر، وتحجب هذه الوسيلة الذات الشعورية للنائم وتبقي ذاته اللاشعورية تحت سيطرة ذات المنوِّم"2. ويعرف التنويم المغناطيسي بأنه "حالة نوم صناعية لبعض ملكات العقل الظاهر عن طريق الإيحاء، يتقبل فيها النائم الإيحاء دون محاولة طبيعية لإيجاد التبرير المنطقي له، ويتمثل الغرض في استدعاء المعلومات والأفكار التي قد تكون عميقة في اللاشعور"3. وبما أن "إرادة المنوَّم تخضع لإيحاء القائم بعملية التنويم فإن هذا يؤدي إلى بطلان هذا الإجراء"4. وقد حظرت بعض التشريعات صراحة استعمال هذه الوسيلة، ومن ذلك منعُ المشرع البرتغالي في قانون الإجراءات الجنائية في المادة 261/1 "أيَّ هيئة أو شخص مشترك في الدعوى الجنائية من التعرض بالأذى للمتهم سواء في إرادته أو في قراراته عن طريق أعمال التعذيب أو الإهانات الجسدية أو ممارسة أي وسيلة كالتنويم المغناطيسي أو سلب الإرادة"5. "لكن يرد بعض الفقه على ذلك أنه إذا جاءت هذه الوسيلة معززة للأدلة والقرائن الأخرى المتوافرة لدى القاضي فلا مانع من اعتمادها لتكوين قناعته"6. وفي إطار اعتماد التكنولوجيا الحديثة يمكن الاستعانة بأجهزة كشف الكذب polygraphe. و"يرصد جهاز كشف الكذب الاضطرابات وبصفة خاصة تلك التي تتعلق بالتنفس وضغط الدم. وقد سبقت أمريكا جميع دول العالم إلى استخدام هذا الجهاز، وليس له علاقة بوعي الإنسان أبدا"7. ويحيط بالنتائج التي تحصل من هذا الجهاز الشك، فالشخص المنتمي إلى "النمط الطفلي هو شخص معتاد على الكذب، وعندما يصدر سلوك الكذب عند هذه الشخصية، فإنها لا يراودها أية اضطرابات، وهذا يؤدي إلى عجز الجهاز عن تسجيل أية انفعالات غير عادية، وكذلك بالنسبة لاستجواب معتادي الإجرام الذين يعتبر الكذب لديهم نوعا من السلوك العادي"8، كما أن في استخدامه "إجبارا للمتهم على تقديم دليل ضد نفسه"9. ويرى البعض أن "استعمال الجهاز يعتبر اعتداء على حق المتهم في الصمت، وحقه في حرية الدفاع"10. 2 البصمة الوراثية، بصمة الصوت، بصمة العين، بصمة الرائحة، طبعة الأصابع وتحليل الدم تعتبر البصمة الوراثية ADN من وسائل الإثبات الحديثة، وقد "خرجت إلى الوجود عام 1984 عندما نشر الدكتور "أليك جيفري" عالم الوراثة بجامعة "ليستر" بلندن بحثا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات وتعيد نفسها في تتبعات عشوائية غير مفهومة، وأن التتابعات مميزة لكل فرد ولا يمكن أن تتشابه بين اثنين"11. وتحدد الطبعة الجينية "نوع فصيلة دم الإنسان، أنزيماته، بروتينه، شكل طبعات أصابعه ولون شعره وبشرته، وتحتوي نواة الخلية على الكروموسومات التي تحمل المادة الوراثية (جينات)". وتتميز "جزيئات الحمض النووي بترتيب خاص وثابت لكل إنسان بحيث يميزه عن شخص آخر، وهو ترتيب القواعد النيتروجينية أو النيوكليوتيدات. وتعتبر نتيجة البصمة الوراثية في الإثبات عالية جدا تصل إلى نسبة 99,99 % لأنه لا يوجد تطابق للقواعد النيتروجينية في الحمض النووي لشخصين"12. ويتم "إنشاء مختبرات خاصة مجهزة بوسائل تكنولوجية حديثة لغرض إجراء فحوصات الADN، وقد أصبحت اليوم الطريقة الأكثر اعتمادا لدى المحاكم في مجال الإثبات الجنائي في أغلب البلدان ولا سيما المتقدمة منها تقنيا"13. ومن الصعوبات التي قد تعترض هذه الوسيلة الإثباتية: "أن وجود البصمة في مكان الحادث يعتبر قرينة على وجود الشخص في مكان الحادث لكن لا يعتبر دليلا قاطعا على ارتكابه الجريمة. وقد يقع الخطأ في المعمل الجنائي بسبب سوء استعمال الإدارة أو الوسيلة التي هيئت للقيام بتحليل تقنية البصمة الوراثية، أو فساد العينات وعدم صلاحيتها للتحليل"14. فالمواد الخاضعة للتحليل "قد تتلف نتيجة تعرضها للبكتيريا أو ضوء الشمس الحاد أو الاختلافات الكبيرة لدرجات الحرارة"15. وبالإضافة إلى البقع المنوية، يعتبر "الشعر من الآثار المهمة التي تتخلف عن الحوادث المتسمة بالعنف والاحتكاك مثل الجرائم الجنسية، وذلك لسهولة انتزاعه وسقوطه"16، كما أن اللعاب قد يكون موجودا على الجلد الآدمي نتيجة العض أو التقبيل أو اللعق. ومن أشهر القضايا التي عرفت الاستعانة في الإثبات بتقنية تحليل الحمض النووي: "قضية بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي، حيث ادعت هذه الأخيرة أنها كانت على علاقة جنسية بالرئيس بيل كلينتون، واستظهرت ملابسها الداخلية التي احتفظت بها ملطخة بسائله المنوي، وأجريت تحاليل لفحص ADN على السائل المنوي، وقبل الكشف عن النتائج خرج بيل كلينتون عن صمته وفضل أن يفضح نفسه بنفسه بدلا من أن يدان من طرف المحكمة"17. وقد ورد النص على هذه الوسيلة في القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 30 يناير 2003، إذ تنص الفقرة الأخيرة من المادة 47 من هذا القانون على ما يلي: "يمكن لوكيل الملك لضرورة البحث إذا ما عرضت عليه مسألة فنية أن يستعين بأهل الخبرة والمعرفة. كما يمكنه أن يأمر بإجراء خبرة لتحديد فصيلة البصمات الجينية للأشخاص المشتبه فيهم الذين توجد قرائن على تورطهم في ارتكاب إحدى الجرائم". أما طبعات الأصابع فهي "الانطباعات والعلامات التي تتركها رؤوس الأنامل عند ملامستها أحد السطوح المصقولة سواء كانت ظاهرة أو خفية"18. وتتميز طبعات الأصابع "بعدم قابليتها للتغيير وثباتها فهي تتكون لدى الإنسان قبل ولادته وتبقى إلى ما بعد وفاته، وبعدم تطابق الخطوط الموجودة في الطبعات لدى شخصين مختلفين، وتستخدم كذلك لتحديد هويات المتوفين. وهناك أربعة أشكال رئيسة لطبعات الأصابع وهي: المقوسات، المنحدرات، المستديرات والمركبات"19. ولأجل تسهيل فحص ومضاهاة طبعات الأصابع، "يجب الاعتماد على برامج الحاسوب الخاصة software التي تتعامل مع نظام طبعات الأصابع الأوتوماتيكية التي تعطي نتائج قطعية وحاسمة"20. وقد استوعب التشريع المغربي هذه الوسيلة في الإثبات، إذ تنص المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي: "يقوم ضابط الشرطة القضائية عند الاقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب الجريمة (حالة التلبس)، وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك. كما يمكنه أن يأمر بإجراء خبرات عليها وعلى بقية أدوات الجريمة والأشياء التي تم العثور عليها وحجزها بمكان ارتكاب الجريمة أو لدى المشتبه فيهم بارتكابها". وفيما يتعلق ببصمة الصوت، يتم "تحليل الصوت البشري إلكترونيا، وتحويله إلى خطوط مقروءة، وإذا كان عدد الكلمات التي تم تسجيلها على الجاني قليلة بحيث لا يمكن استخدامها بشكل جيد في المضاهاة، فإن ذلك يضعف قدرة مسؤول التحليل في التوصل إلى قرار قاطع"21. أما بالنسبة لبصمة العين، "فيتم تصوير شبكة العين في جهاز خاص ثم مقارنة ذلك ببعض صور العيون المسجلة في الحاسب الملحق في الجهاز، وخلال ثانية ونصف يحدد الحاسب الآلي هوية الشخص وما إذا كان مشتبها فيه من عدمه. وبالإضافة إلى ذلك يمكن الاستعانة ببصمة الرائحة، فلكل شخص رائحة مميزة تختلف عن الآخر، وفي هذا الصدد تتم الاستفادة من نظام الاستعراف عن طريق استخدام كلاب الاستعراف المدربة واستخدام التصوير الطيفي للكتل، وتستخدم لكشف المواد المحرم حيازتها أو تداولها، وإقامة الدليل على أن شخصا معينا سبق وجوده في مكان معين"22. ومن الوسائل العلمية الحديثة: تحليل الدم. ويحلل دم المتهم لمعرفة ما إذا كان واقعا تحت تأثير السكر، أو تخدير نتيجة تعاطيه خمرا أو مادة مخدرة أثناء قيادته للسيارة أو أثناء مشاجرات. و"تبقى المجموعة الدموية لكل شخص ثابتة مدى الحياة، وهي تنتقل من الوالدين إلى الأطفال تبعا لقانون مندل الوراثي، ويتم اللجوء إلى تحليل الدم لمعرفة الأنساب في حالة خطف الأطفال مثلا"23. ثانيا: وسائل الإثبات العلمية الحديثة التي لا تمثل اعتداء على سلامة الفرد الجسدية، العقلية والنفسية من وسائل الإثبات العلمية الحديثة في المجال الجنائي ما لا يشكل اعتداء على سلامة الفرد الجسدية، العقلية والنفسية، وإن كان بعضها يمثل مساسا بالحياة الخاصة للفرد. وسأتطرق في الفقرة الأولى إلى: مسطرة تحقيق الخطوط وفحص الأسلحة النارية والمواد الكيماوية، وفي الفقرة الثانية إلى: التفتيش، التسليم المراقب، أجهزة التنصت على المكالمات الهاتفية وكاميرات المراقبة. 1 مسطرة تحقيق الخطوط وفحص الأسلحة النارية والمواد الكيماوية يلجأ إلى مسطرة تحقيق الخطوط لكشف التزوير في المحررات، وترتكز على "العينات المستكتبة: وهي العينات التي تجري كتابتها تحت إشراف الخبير المختص، وهي الأكثر استعمالا في حالة الفحص والمضاهاة"24. كما تشمل المسطرة "إظهار الكتابة غير المرئية: ويتم إظهارها بواسطة استعمال الأشعة غير المنظورة فوق البنفسجية وتحت الحمراء، استعمال جهاز فيديو الطيف المقارن (VSC)، تعريض المستند لبخار اليود والأمونيا"25. و"يظهر التصوير بالأشعة تحت الحمراء الكتابة التي أزيلت كيميائيا أو كتبت بحبر أسود على سطح قاتم أو أسود نتيجة الاحتراق"26. وتستعمل "الأشعة فوق البنفسجية في الفحص عن آثار المواد الكيماوية التي تستعمل في حوادث التخريب والحريق وتكون عالقة بأجسام الجناة"27. كما يتم "فحص عينات المواد المتفجرة ومخلفات الانفجار للتعرف على المادة المستخدمة في التفجير، وفحص المواد البترولية في حوادث الحريق لمعرفة ما إذا كان الحريق بصفة عارضة أو بفعل فاعل. ويجري فحص الأسلحة النارية عن طريق الفحص المجهري المقارن للأظرفة الفارغة والمقذوف الناري والمرفوعة من مكان الحادث مع أظرفة فارغة ومقاذيف نارية اختبارية تطلق من السلاح المقدم للفحص، وتحديد مسافات الإطلاق والاتجاه وكشف أرقام الأسلحة المطموسة، وفحص آثار الآلات وفحص جسم الطلقة أو العيار الناري وتحديد بلد المنشأ أو الشركة الصانعة وفحص كمية البارود وتحديد عيار ونوع الأسلحة التي تطلق منها الذخيرة المقدمة للفحص"28. 2 التفتيش، التسليم المراقب، أجهزة التنصت على المكالمات الهاتفية وكاميرات المراقبة تنص المادة 82-1 من قانون المسطرة الجنائية المغربي على ما يلي: "التسليم المراقب هو السماح بعبور شحنة غير مشروعة أو يشتبه في كونها كذلك إلى داخل المغرب أو عبره أو إلى خارجه، دون ضبطها أو بعد سحبها أو استبدالها كليا أو جزئيا، تحت مراقبة السلطات المختصة بقصد التعرف على الوجهة النهائية لهذه الشحنة والتحري عن جريمة والكشف عن هوية مرتكبيها والأشخاص المتورطين فيها وإيقافهم"، وحسب المادة 82-2: "يمنح الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف الإذن بالتسليم المراقب". وفيما يتعلق بالتقاط المكالمات الهاتفية، تنص المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي: "يمكن لقاضي التحقيق إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد، وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها. كما يمكن للوكيل العام للملك إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث، أن يلتمس كتابة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف إصدار أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها وحجزها وذلك إذا كانت الجريمة موضوع البحث تمس بأمن الدولة أو جريمة إرهابية أو جريمة منظمة أو تتعلق بالعصابات الإجرامية أو بالقتل أو التسميم أو بالاختطاف وأخذ الرهائن أو بتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام أو بالمخدرات والمؤثرات العقلية أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات أو بحماية الصحة. غير أنه يجوز للوكيل العام للملك في حالة الاستعجال القصوى بصفة استثنائية أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها وحجزها متى كانت ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات. يجب على الوكيل العام للملك أن يشعر فورا الرئيس الأول بالأمر الصادر عنه. إذا ألغى الرئيس الأول الأمر الصادر عن الوكيل العام للملك، فإن التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المشار إليها أعلاه يتم إيقافه على الفور، وتعتبر الإجراءات المنجزة تنفيذا للأمر الملغى كأن لم تكن". وحددت المادة 109 مدة هذا الإجراء كما يلي: "لا يمكن أن تتجاوز المدة التي تتم فيها العملية أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة"، وتضيف المادة 113: "يتم بمبادرة من قاضي التحقيق أو من النيابة العامة المختصة إبادة التسجيلات عند انصرام أجل تقادم الدعوى العمومية أو بعد اكتساب الحكم الصادر في الدعوى قوة الشيء المقضي به. ويحرر محضر عن عملية الإبادة يحفظ بملف القضية". وفي حالة مخالفة المقتضيات القانونية المذكورة نصت المادة 115 على ما يلي: "يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام بوضع وسائل مهيأة لإنجاز التقاطات أو التقط أو بدد أو استعمل أو نشر مراسلات مرسلة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد خلافا للمقتضيات المشار إليها في المواد السابقة". و"يجب تسبيب الإذن القضائي باعتراض المكالمات التلفونية، ويشترط في الجريمة محل الاعتراض أن تكون قد وقعت فعلا"29. ويتمثل الهدف من إجراء المراقبة التلفونية في الوقوف على الحقيقة، ولذلك "لا تعتبر المراقبة مشروعة إذا استهدفت مجرد التلصص على متهم، كما يجب توفر أدلة كافية، ويجب تحرير محضر بها"30. وبخصوص تكييف المراقبة التلفونية "اتجه جانب من الفقه إلى القول بأنها من قبيل الإجراءات الشبيهة بالتفتيش"31. وفي نفس السياق، تنص المادة 116-1 من قانون المسطرة الجنائية المغربي على ما يلي: "يمكن لقاضي التحقيق أو للوكيل العام للملك أو لوكيل الملك كل فيما يخصه، إذا اقتضت ضرورة التحقيق أو البحث في إحدى الجرائم الواردة في المادة 108 من هذا القانون، أن يأذن بمقتضى مقرر كتابي معلل بوضع الترتيبات التقنية اللازمة لتحديد مواقع المشتبه فيهم ورصد تحركاتهم، أو بالتقاط و تثبيت وبث وتسجيل العبارات المتفوه بها من طرف شخص أو عدة أشخاص في أماكن أو وسائل نقل خاصة أو عامة، أو بالتقاط صور لشخص أو عدة أشخاص في مكان خاص أو عام وأخذ نسخ منها أو حجزها"، وتضيف المادة 116-3: "يمكن لقاضي التحقيق أو للوكيل العام للملك أو لوكيل الملك لأجل وضع الترتيبات التقنية اللازمة لتنفيد المقرر المتخذ وفقا للمادة 116-1 أعلاه، الإذن بالدخول إلى وسيلة النقل أو المحل الخاص، ولو خارج الساعات المحددة في المادة 62 من هذا القانون بدون علم أو رضى مالك أو حائز وسيلة النقل أو مالك أو حائز أو محتل الأماكن أو كل شخص صاحب حق عليها". وتتم عملية التنصت على الأقوال والمكالمات الهاتفية "باستخدام ميكروفونات خفية، ومن الممكن وضع أجهزة دقيقة تثبت خارج جدران المكان المراقب. لكن لا يوجد ما يؤكد صدور الحديث عن الشخص المراقب"32. أما بالنسبة لكاميرات المراقبة فقد أصبح استخدامها أمرا مألوفا في المؤسسات الحساسة لا سيما البنوك والفنادق الكبرى. و"تلتقط الأجهزة خمس أو ست صور خلال الثانية الواحدة، ويتم ربط أجهزة خاصة بهذه الكاميرات بغرض تقوية الصورة في حالة الضوء الخفيف أو في حالات الظلام"33. خاتمة في ختام هذه الدراسة يتضح توفق المشرع المغربي إلى حد كبير في استيعاب أحدث ما تم التوصل إليه عالميا في مجال وسائل الإثبات الجنائية العلمية الحديثة. إلا أن هذا الموضوع يطرح تساؤلات حول حدود سلطة القاضي التقديرية في اعتماد أو رفض قبول نتائج وسائل الإثبات التقنية العلمية، وقد "تبنت المدرسة الوضعية موقفا يؤكد على الحجية المطلقة للأدلة العلمية استندت فيه على الدقة العلمية لهذه الأدلة"34. وأرى بأن مبدأ حرية القاضي في تقدير الأدلة يعطي له سلطة تقديرية واسعة في تقدير قيمة الأدلة المعروضة عليه، آخذين بعين الاعتبار أن القاضي يجب أن يكون اقتناعُه بأدلة الإدانة يقينيا، وأن الشك يفسر دائما لفائدة المتهم. الهوامش: 1- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، رسالة ماجستير مقدمة كجزء من متطلبات نيل الماجستير في القانون، جامعة صلاح الدين، مكتب التفسير للنشر والإعلان، أربيل، الطبعة الأولى، 2007، ص 33. 2- فيصل مساعد العنزي، "أثر الإثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق الإنسان: دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "، بحث مقدم استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في العدالة الجنائية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، كلية الدراسات العليا، قسم العدالة الجنائية، تخصص: التشريع الجنائي الإسلامي، 2007، ص 97. 3- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 109. 4- عقيلة بن لاغة، "حجية أدلة الإثبات الجنائية الحديثة"، مذكرة لنيل شهادة الماجستير- فرع القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة الجزائر، كلية الحقوق، بن عكنون، السنة الجامعية: 2011-2012، ص 105-107. 5- فيصل مساعد العنزي، "أثر الإثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق الإنسان: دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "، المرجع السابق، ص 186. 6- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 114-115-118. 7- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 139-143-145. 8- عقيلة بن لاغة، "حجية أدلة الإثبات الجنائية الحديثة"، المرجع السابق، ص 103. 9- فيصل مساعد العنزي، "أثر الإثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق الإنسان: دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "، المرجع السابق، ص 136. 10- فيصل مساعد العنزي، "أثر الإثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق الإنسان: دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "، المرجع السابق، ص 193-195. 11- توفيق سلطاني، "حجية البصمة الوراثية في الإثبات"، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية، تخصص: علوم جنائية، جامعة الحاج لخضر – باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم القانونية، السنة الجامعية: 2010-2011، ص 13. 12- فيصل مساعد العنزي، "أثر الإثبات بوسائل التقنية الحديثة على حقوق الإنسان: دراسة تأصيلية مقارنة تطبيقية "، المرجع السابق، ص 93-94. 13- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 349. 14- عقيلة بن لاغة، "حجية أدلة الإثبات الجنائية الحديثة"، المرجع السابق، ص 18-20. 15- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 317-321. 16- جمال محمود البدور، "الأساليب العلمية والتقنية ودورها في الإثبات الجنائي"، عرض ضمن ندوة علمية بعنوان: "الاستخدام الشرعي والقانوني للوسائل الحديثة في التحقيق الجنائي"، نظمتها جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالتعاون مع مديرية الأمن العام الأردني بعمان خلال الفترة من 23-25 أبريل 2007، الطبعة الأولى، الرياض، 2008، ص 31-32. 17- توفيق سلطاني، "حجية البصمة الوراثية في الإثبات"، المرجع السابق، ص 150-151. 18- حسن بن محسن القرشي الزهراني، "الخبرة ودورها في إثبات موجبات التعزير وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية (دراسة نظرية تطبيقية من واقع السجلات القضائية بالمحاكم الشرعية والدوائر الجزائية بديوان المظالم"، بحث مقدم استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في تخصص التشريع الجنائي الإسلامي، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، معهد الدراسات العليا، قسم العدالة الجنائية، تخصص التشريع الجنائي الإسلامي، الرياض، 1421 ه، ص 38. 19- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 284-288. 20- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 348. 21- حسن بن محسن القرشي الزهراني، "الخبرة ودورها في إثبات موجبات التعزير وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية (دراسة نظرية تطبيقية من واقع السجلات القضائية بالمحاكم الشرعية والدوائر الجزائية بديوان المظالم"، المرجع السابق، ص 181. 22- جزاء غازي العصيمي العمري، "إسهام البحث الجنائي في الكشف عن الجرائم المقيدة ضد مجهول"، رسالة ماجستير، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية- الرياض، الطبعة الأولى، 2002،، ص 168-172. 23- حسن بن محسن القرشي الزهراني، "الخبرة ودورها في إثبات موجبات التعزير وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية (دراسة نظرية تطبيقية من واقع السجلات القضائية بالمحاكم الشرعية والدوائر الجزائية بديوان المظالم"، المرجع السابق، ص 48. 24- محمد أحمد وقيع الله، "أساليب التزييف والتزوير وطرق كشفها"، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض، 2003، ص 47-48-49. 25- محمد أحمد وقيع الله، "أساليب التزييف والتزوير وطرق كشفها"، المرجع السابق، ص 104. 26- جزاء غازي العصيمي العمري، "إسهام البحث الجنائي في الكشف عن الجرائم المقيدة ضد مجهول"، المرجع السابق، ص 165. 27- جزاء غازي العصيمي العمري، "إسهام البحث الجنائي في الكشف عن الجرائم المقيدة ضد مجهول"، المرجع السابق، ص 166. 28- حسن بن محسن القرشي الزهراني، "الخبرة ودورها في إثبات موجبات التعزير وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية (دراسة نظرية تطبيقية من واقع السجلات القضائية بالمحاكم الشرعية والدوائر الجزائية بديوان المظالم"، المرجع السابق، ص 108-109. 29- عائشة بن قارة مصطفى، "حجية الدليل الالكتروني في مجال الإثبات الجنائي: دراسة مقارنة"، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير في الحقوق، جامعة الإسكندرية، كلية الحقوق، 2009، ص 112-113. 30- عقيلة بن لاغة، "حجية أدلة الإثبات الجنائية الحديثة"، المرجع السابق، ص 92-95. 31- عقيلة بن لاغة، "حجية أدلة الإثبات الجنائية الحديثة"، المرجع السابق، ص 83. 32- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 220-221. 33- كوثر أحمد خالند، "الإثبات الجنائي بالوسائل العلمية: دراسة تحليلية مقارنة"، المرجع السابق، ص 225-233. 34- توفيق سلطاني، "حجية البصمة الوراثية في الإثبات"، المرجع السابقن ص 157.