وإذا كان الأصل أن النسب يثبت بالفراش، فإن الفقهاء أجازوا إثبات الفراش نفسه بوسائل عدة، ومن هذه الوسائل شهادة العدلين وشهادة السماع. أولا: شهادة العدلين: ندب الشرع الإسلامي إلى كتابة العقود توثيقا للحقوق وإثباتا لها ورفعا للخلاف والنزاع. وقد بين القرآن الكريم طريقة كتابتها قال تعالى: "يا أيها الذين ءَامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل" [البقرة، 282]. فالكتابة تعتبر وسلة لصيانة الحقوق وإثباتها، بل وترجح أحيانا حتى الإقرار، كما هو الأمر في الشهادة الرسمية التي لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور، ولا سيما إذا كانت الوثيقة متضمنة لأركانها وشروطها[1]. وقد اتفق الفقهاء على أن الحقوق كلها مما عدا الزنا تثبت بشهادة عدلين ذكرين[2]. وشهادة العدلين على نوعين: الأولى: الشهادة الأصلية وهي التي يكون مضمونها وموضوعها من إملاء المشهود عليه على الشاهد العدل الذي يقتصر دوره على تسجيل ما يسمعه، والشهادة الثانية[3]: الشهادة الاسترعائية وهي التي يمليها العدل من حفظه ويسندها إلى علمه، أي أن العدل يشهد بما يعلم، وهذا النوع يطلق عليه كذلك مصطلح الشهادة العلمية[4]، ويعتبر النسب من الحقوق التي لا بد فيها من شهادة عدلين ذكرين اثنين، أو ما يقوم مقامها من اللفيف[5]. ثانيا: شهادة السماع: تعتبر بينة السماع أوشهادة السماع من الأدلة الكافية لإثبات النسب. وقد عرفها ابن عرفة بقوله: "هي لقب لما يصرح فيه الشاهد باستناد شهادته لسماع من غير معين"[6]. يتبع في العدد المقبل.. ——————————————————– 1. محمد بن معجوز "وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي" الطبعة الأولى 1984، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 319. عمر الجيدي "ظهور علم التوثيق في المذهب المالكي" بحث منشور بمجلة دار الحديث الحسنية العدد الخامس، 1985، ص: 123. 2. محمد بن معجوز، مرجع سابق، ص: 193 محمد الحبيب التجكاني "النظرية العامة للقضاء والإثبات في الشريعة الإسلامية" 1985، دار النشر المغربية، ص: 249 وما بعدها. أحمد فتحي بهنسي "نظرية الإثبات في الفقه الإسلامي الجنائي" طبعة 5، 1989، دار الشروق، ص: 121 . الشيخ عيسى بن علي الحسين العلمي "نوازل العلمي" تحقيق المجلس العلمي بفاس 1983، ج: 1، ص: 189. 3. خالد بنيس، مرجع سابق، ص: 44. 4. التجكاني، مرجع سابق، ص: 235. 5. ابن معجوز، مرجع سابق، ص: 119. 6. التسولي "البهجة في شرح التحفة"، ج: 1، ص: 132، الطبعة الثانية 1951 دار الفكر.