[إثبات النسب أو نفيه عن طريق البصمة الوراثية] 1. تعريف البصمة الوراثية البصمة الوراثية هي البنية الجينية (نسبة إلى الجينات أي المورثات) التي تدل على هوية كل فرد بعينه. سميت بصمة تشبيها لها ببصمة الإصبع لأنها منفردة، ووراثية لأنها تورث ولا تستحدث وتوجد في المورثات "الجينات" التي تدخل في تكوين الصبغات الوراثية "كروموزومات" الموجودة في الخلية، ويختلف موضع شقي هذا المركب في الصبغات في كل فرد. يرث الإنسان أحد شقي البصمة من الأم "البويضة" والآخر من الأب "الحيوان المنوي"، ولما كانت المواقع مختلفة في كليهما فإن التقاءهما سيكون شيئا ثالثا مختلفا هي بصمة الابن، فمصدر الشطرين معروف إلا أن التقاءهما يكون بصمة مختلفة، ومن المهم التأكيد على أن تحديد البصمة يتم بناء على البويضة والحيوان المنوي وليس على الرحم الذي حمل الجنين. وبذلك تكون البصمة الوراثية هي الهوية الوراثية للشخص والتي تميزه عن جميع بني البشر[1]. ويمتاز فحص البصمة الوراثية بالسهولة إذ يكفي أخذ عينة لهذا الفحص من أي مادة عضوية (الدم، والمني، وجذر الشعر، والعظم، واللعاب، والسائل الأمينوس، والخلية في البويضة المخصبة واللحم والسن ونحو ذلك) لأن الحامض النووي الذي يجري عليه الفحص يمتاز بالثبات لفترات طويلة الزمن مما يساهم في التعرف على هوية أشخاص ماتوا منذ سنوات طويلة من خلال فحص عظامهم وآثارهم. ذلك أنه منذ اكتشاف مادة ال" د.ن.أ"[2]، تبين أنه المسؤول عن نقل المورثات، فالبصمة الوراثية لمادة ال" د.ن.أ" فريدة في تعبيرها عن الشخصية. 2. الضوابط الشرعية لحجية البصمة في إثبات النسب أثبت اللجوء إلى فحص البصمة الوراثية فوائد كثيرة على المستوى التطبيقي، سواء في علاج بعض الأمراض أو في مجال الإثبات في القضايا الجنائية، كالتعرف على هويات المجرمين أو إثبات صحة نسبة الأولاد إلى آبائهم وأمهاتهم، وإثبات النسب في حوادث الزنا والاغتصاب، وتحديد هويات المفقودين والمحروقين والغرقى ومجهولي الهوية، بل إن بعض الفقهاء رأى أن البصمة الوراثية إذا استوفت الشروط العلمية الكافية، واجتنبت الأخطاء البشرية، فإن نتائجها تكاد تكون قطعية في غير قضايا الحدود الشرعية، ففي مجال إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما تصل نتائجها إلى 99,9 % ومن ثم فالخطأ في البصمة الوراثية ليس منشؤه طبيعة البصمة الوراثية، وإنما يعزى الخطأ في النتائج إن وجد إلى الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك، وإذا كان الحفاظ على الأنساب من أهم المقاصد التي جاءت بها الشريعة الإسلامية فإن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يخضع للضوابط الشرعية، ومن هذه الضوابط: لا يجوز تقديم البصمة الوراثية على القواعد والمبادئ الشرعية، مثل الولد للفراش وللعاهر الحجر، ومن هنا يلزم اتخاذ الحيطة والحذر في استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب؛ لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب؛ لأن نفي النسب الثابت بالفراش لا يكون إلا باللعان، إذ من المعلوم أن الشريعة الإسلامية تفرق بين الابن البيولوجي والابن الشرعي، وذلك لأن الشريعة الإسلامية تشترط شروطا أخرى في إثبات النسب غير كون النطفة من الوالد، مثل وجود العقد وغير ذلك. ولذلك فالولد قد تثبت بنوته لشخص من حيث البصمة، ولا يثبت نسبه منه إذا ثبت أنه من الزنا مع أنه ابنه البيولوجي، ولذلك لا تستعمل البصمة الوراثية إلا في حالات معينة؛ لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا، فلا يجوز فحص البصمة لنفي ذلك النسب، لأنه لا ينفى في الشرع إلا باللعان؛ أن تتحقق الخبرة والدراية والثقة في الذين يقومون بإجراء البصمة الوراثية ولا بد أن تكون المختبرات التي تجري فيها البصمة على تقنية عالية حتى تكون النتائج يقينية؛ أن يتحقق الصدق والأمانة في القائمين على البصمة؛ أن لا تقبل نتيجة البصمة إذا كانت هناك مصلحة خاصة بالخبير الذي يقوم بإجرائها أو بالمختبر الذي يقوم بها. وكذلك إذا كانت هناك عداوة فلا تقبل نتيجتها ضد الطرف الآخر، وكذلك ينبغي مراعاة القرابة القريبة فلا تقبل شهادة خبير في البصمة لصالح أمه وأبيه أو نحو ذلك؛ التأكد التام من سلامة العينات من كل تلوث أو اختلاط[3].. يتبع في العدد المقبل… —————————————————– 1. تقرير اللجنة العلمية عن البصمة الوراثية، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، ص: 291، السنة الرابعة عشرة، السنة 2003. أحمد محمد كنعان "الجينوم البشري وتقنيات الهندسة الوراثية"، ص: 76، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 60، السنة الخامسة عشرة 2003. موسى خلف "العصر الجينومي"، ص: 18، سلسلة عالم المعرفة، العدد 294، السنة 2003. 2. د.أ.ن أو الحمض النووي الريبي المنقوص الأوكسجين وهو يشكل المادة الموجودة في داخل نواة الخلية، وهو الذي يحمل المعلومات الوراثية المسؤولة عن بعث الحياة في الكائن الحي، العصر الجينومي، ص: 214. 3. محيي الدين القرة "البصمة الوراثية من منظور الفقه الإسلامي"، ص: 63، مجلة المجمع الفقهي 2003 م. أحمد محمد كنعان "الجينوم البشري"، ص: 77. تقرير الجنة العلمية للمجمع الفقهي، ص: 292.