أغلقت جميع المقابر الموجودة داخل مدينة سطات، بعد امتلائها؛ آخرها مقبرة سيدي رنون، التي دفن فيها الطلبة التشاديون الذين توفوا بسبب غاز البوتان وكانوا من بين الموتى الأواخر الذين استقبلتهم المقبرة المذكورة. هسبريس قامت بجولة داخل مقابر سطات: حيوانات منتشرة للرعي، وشباب في باب المقابر يعرضون الماء والطيب للبيع وآخرون يتسولون، ومقرئو القرآن ينتظرون الزوار لكسب بعض الدراهم، "حنا غير فقهاء كنقراو على الموتى، ونعيش من ذلك" يقول أحد هؤلاء المقرئين، في حين قاطعه صديقه: "القضية عيانة اليوم، النهار كامل صورنا 40 درهما، الزوار مابقاوش كيجيوا بزّاف، واليوم المفضّل عندنا هو يوم الجمعة أو خلال دفن ميت جديد". زيارة وطقوس شعوذة وحرائق المقابر اليوم مغلقة في وجه الموتى ومفتوحة في وجه الزوار، حيث تختلط الزيارة بطقوس غريبة منها دفن "الحروزة" بالمقابر؛ بل إن هناك بعض القبور التي تعرّضت للنبش في وقت سابق لأسباب مجهولة، في حين يعمد آخرون إلى نثر الماء فوق القبر، وملء بعض الأواني المثبتة بالإسمنت فوقه بالماء، بحجة أن العصافير تأتي للارتواء بذلك الماء معتبرين ذلك حسنة يتصدّق بها الميت للتكفير عن الذنوب. كما أن المقابر المغلقة تتعرض للحرائق، خاصة في فصل الصيف مع ارتفاع درجة الحرارة؛ في حين سبق أن عثر عدد من المنتمين إلى بعض جمعيات المجتمع المدني وعمّال نظافة، خلال حملة نظافة بمقبرة مولاي أحمد بالحي الشعبي سيدي عبد الكريم، المعروف ب"دلاس"، على العشرات من التمائم (الحروزة) ومواد أخرى تستعمل في أعمال السحر والشعوذة، منها ما هو مدفون في التراب إلى جانب القبور، ومنها ما هو معلّق بالأشجار. مطالب بتوفير مقبرة دون خوصصتها طارق جدّاد، فاعل جمعوي، أكد أن مشكل امتلاء المقابر وإغلاقها بمدينة سطات ليس وليد اللحظة؛ بل يعود إلى سنين عدة، مشيرا إلى أن امتلاء مقبرة سيدي رنون لم يكن مفاجئا، متسائلا عن كيفية تنمية الإقليم في غياب أبسط حقوق الموتى لإكرامهم بالدفن. وردّ المتحدث التأخر في إيجاد حل مستعجل لمقبرة جديدة بمدينة سطات إلى غياب التخطيط المستقبلي من قبل المجلس الجماعي، بالرغم من أن المجلس يروّج بتوفير وعاء عقّاري لاستغلاله كمقبرة، فإنه غير موجود على أرض الواقع إلى حدود اللحظة، حيث يضطر أهالي الموتى إلى الدفن في مقبرة بجماعة لمزامزة خارج النفوذ الترابي لمدينة سطات. واستنكر الفاعل الجمعوي توجّه المجلس الجماعي نحو خوصصة الوفاة ببلدية سطات، وتفويت المقابر الجديدة إلى إحدى الشركات، التي ستتولى تدبير اقتصاد الموت، في كل مراحله انطلاقا من تغسيل الميت ونقله بواسطة سيارة الإسعاف ثم حفر القبر انتهاء بالدفن؛ وهو ما سيطرح إكراها مادّيا إضافيا لأهل الميّت. وحمّل طارق جدّاد غياب مقبرة في الوقت الراهن للمجلس الجماعي ببلدية سطات، مطالبا بتوفيرها دون خوصصتها، معبرا عن عدم رضاه عن توجه المجلس إلى خوصصة جميع الخدمات في إطار التدبير المفوّض، متسائلا عن دور المجلس بعد خوصصة قطاع الإنارة والأسواق وتدبير النفايات، خاتما كلامه بقوله: "بقات المصادقة على الوثائق نعين لها مستشار جماعي في إطار التدبير المفوّض، ولا حاجة لنا بالانتخابات مستقبلا". المجلس يعد بالحلّ أقر رئيس المجلس البلدي بإغلاق جميع المقابر الموجودة بالنفوذ الترابي لبلدية سطات، بسبب امتلائها عن آخرها، مشيرا إلى أن المواطنين السطاتيين يقومون الآن بدفن موتاهم بمقبرة "الطويجين" التي جرت تهيئتها على مستوى فضاء السيارات والمسجد وتزويدها بالماء وباقي التجهيزات التي يحتاجها الوافدون على المقبرة، وبالرغم من أنها خارج جماعة سطات فإنها ملك للجماعة. وأوضح الرئيس أن المجلس الجماعي تبنى اقتناء بقعة أرضية تبلغ مساحتها 10 هكتارات في المدخل الغربي للمدينة، وإبرام عقد شراكة مع مؤسسة العمران على أساس مساهمتها بثلاثة ملايين درهم، وقد جرت المصادقة على الاتفاقية بإجماع أعضاء المجلس البلدي، وأن دفتر الشروط والتحمّلات قد اكتمل إعداده والمجلس بصدد الإعلان عن الصفقة حتى يستقر الاختيار على أحد المتنافسين من أجل تهيئة فضاء المقبرة. وحول طريقة المعاملة مع أهل الموتى، قال الرئيس إنه في الوقت الحالي لا توجد أية واجبات محدّدة، في حين أن المقبرة الجديدة ستعرف تطبيق القرار الجبائي، حيث سيتم كراء المقبرة لشركات متخصّصة، وستستفيد البلدية من رسوم جبائية رمزية في متناول المواطنين محصورة بين 100 و150 درهما.