انطلقت الصين وبقوة نحو القارة الإفريقية منذ عام 2000 مع ملتقى العلاقات الأفريقية الصينية، ونجحت بعد ذلك بفضل تحركاتها الدبلوماسية المكثفة، وإمكانياتها المالية الضخمة، ومقاولاتها العملاقة، وقوتها التنافسية أن تفرض نفسها كفاعل إستراتيجي داخل القارة الإفريقية. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى الصين في وسائل الإعلام الغربية والتي وصفتها - بالمستعمر الاقتصادي - للقارة الإفريقية، إلا أن الأفارقة يرون في الأنشطة الاقتصادية والسياسية للصين داخل بلدانهم كمساهمة منها في مجال التنمية المحلية للقارة، كما يرون في الاستثمارات الصينية في البنيات التحتية أنها تتماشى مع إمكانيات ورؤية القارة المستقبلية، وأن الصين تساهم في تطور القارة بشكل إيجابي. وقد طرحت عدة استفهامات بهذا الخصوص، وخلال هذا المقال سنحاول أن نقف على فرص وعقبات التواجد الصيني بالنسبة للدول الإفريقية. حسب جون باج John page أحد المسؤولين بالبنك الدولي سابقا "الاستثمارات الصينية بإفريقيا جد إيجابية رغم قلق بعض الدول الغربية من ارتفاع مديونية الدول الإفريقية، الصين تمنح مساعدات للأفارقة، تلغي ديونهم، وتطور البنيات التحتية للقارة مما سيؤدي الى تحسين صورة القارة الإفريقية " (1). أولا : عقبات التواجد الصيني بإفريقيا لقد عبر المختصون والخبراء الأكاديميين والفاعلين من المجتمع المدني من داخل وخارج القارة أكثر من مرة عن قلقهم من التطور المستمر للصين داخل القارة السمراء وذلك على حساب الحكامة، احترام حقوق الإنسان البيئة، اليد العاملة المحلية، جودة السلع الصينية ، وثقل المديونية الافريقية...الخ Surendettement - ارتفاع المديونية : تمنح الصين للحكومات الإفريقية وبسخاء قروض بدون فوائد أو بفوائد جد منخفضة وعلى الأمد البعيد." 70% من هذه القروض تستعمل في شراء السلع والخدمات الصينية" (2)، وبالتالي تبقى الصين هي المستفيدة، مما سيؤدي إلى ثقل مديونية القارة الإفريقية. وهذا الأمر لا يتماشى مع رؤية الدول الغربية التي أعلنت سنة 1990 إلغاء أو تقليص مديونية الدول الإفريقية الأكثر فقرا. وهذه المبادرة عرفت نجاحا كبيرا، حيث استطاعت الدول الغربية تقليص مديونية الدول الإفريقية من 80% من الناتج الداخلي الخام PIB سنة 1995 إلى 35% من الناتج الداخلي الخام PIB سنة 2006" (3). وأحسن مثال يمكن تقديمه هو حالة أنغولا ، التي طالبها البنك الدولي BM وصندوق النقد الدولي FMI بتسديد ديونها البالغة 9.5 مليار دولار، وخلال الفترة الممتدة بين 2003-2009 حصلت أنغولا على قروض مجموعها 10 مليار دولار من الصين. مما دفع ببعض المسؤولين من داخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بوصف الصين "بالدائن غير المسؤول". - مبادلات غير متكافئة : Des Echanges Inégaux تسعى الصين إلى رفع حجم المبادلات التجارية مع الدول الإفريقية خلال سنة 2020 إلى 400 مليار دولاركما صرح بذلك الوزير الأول الصيني لي كيكيانك Li Keqiang في ماي 2014(4)، إلا أن كفة الميزان التجاري تميل لصالح بكين و الإحصائيات تشير إلى أن أربعة عشر دولة فقط من إفريقيا هي التي تفوق صادراتها نحو الصين قيمة وارداتها، وهذه الدول هي الدول التي تصدر المواد الأولية لصين . -قطاع النسيج : Le secteur du textile في إطار تشجيع الصادرات الإفريقية ولأهمية قطاع النسيج بالنسبة لمجموعة من الدول الإفريقية ، قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية و مجموعة من الدول الأوروبية سنة 1990 بتقديم تحفيزات جمركية للدول الإفريقية تحت شعار: "التجارة بدل المساعدة" « Trade not aid »، مما جعل هذا القطاع يعرف انتعاشة قوية و يساهم في خلق فرص للشغل بالنسبة لدول القارة السمراء. لكن مع إلغاء اتفاقية تقنين الواردات الصينية من النسيج بتاريخ 01 يناير 2005، غزت الملابس الصينية الأسواق الإفريقية وتضرر قطاع النسيج بشكل كبير داخل القارة الإفريقية. "منذ سنة 2005 فقدت جنوب افريقيا مثلا لوحدها 85000 منصب شغل، وعرف الميزان التجاري بين بريتوريا وبيكين عجزا وصل إلى 400 مليون دولار، وخلال سنة 2006 رفعت جنوب افريقيا دعوة لدى المنظمة العالمية للتجارة omc بدعوى أن الصين تقوم بتحطيم الأسعار بشكل مقصود وهي منافسة غير مشروعة"(5). كما تضرر هذا القطاع بشكل كبير في كل من دولة ليسيتو ، مدغشقر، جزر الموريس ، ناميبيا، تونس ، والمغرب خصوصا وأن قيمة المنتوج الصيني جد منخفضة مقارنة مع هذه الدول، مما دفع بالمغرب وتونس إلى إعادة النظر وعصرنة منتجاتهم النسيجية مستغلين موقعهم الجغرافي وقربهم من أوروبا من أجل منافسة الصين داخل السوق الأوروبية . L'exploitation des matières premières - تصدير المواد الأولية تتكون الصادرات الإفريقية نحو الصين من مواد أولية غير مصنعة، والتاريخ الاقتصادي علمنا أن تصدير هذه المواد لا يساهم في تنمية البلدان المصدرة لعدة أسباب أهمها: أن هذا القطاع لا يساهم في خلق مناصب شغل مهمة. عائدات الصادرات الإفريقية لا يستفيد منها كافة المواطنون، فغالبا ما يستفيذ منها الطبقة الحاكمة، فمثلا في 2005 حققت انغولا معدل نمو 19 بالمائة، وخلال سنة 2006 انخفض هذا المعدل إلى 15 بالمائة رغم أن مدا خيل البترول وصلت إلى 10 مليار دولار و70 بالمائة من السكان البالغ عددهم 14 مليون نسمة يعيشون بمعدل دولار باليوم. الاعتماد على تصدير المواد الأولية لبلد واحد (الصين مثلا) يجعل قيمة هذه المواد مرتبطة بهذا الزبون، من خلال الرفع من طلب هذه المواد وبعد ذلك تقليص الثمن كما فعلت بمادة القطن. التخصص في تصدير المواد الأولية يحول تركيز هذه البلدان عن الاعتماد على الفلاحة ، مما يجعل الدول الإفريقية غير قادرة على تحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها. الاعتماد على تصدير المواد الأولية بالنسبة للبلدان الإفريقية، بالإضافة إلى أن ضعف القيمة المضافة، يعتبر حاجزا أمام التصنيع والتحويل. Le problème de la main-d'œuvre chinoise - اليد العاملة الصينية بعد حصول المقاولات الصينية على الصفقات والمشاريع داخل القارة السمراء، تأتي هذه المقاولات باليد العاملة ، وتتميز اليد العاملة الصينية مقارنة مع اليد المحلية بأجورها المنخفضة ، وقد أشار إلى ذالك أحد المواطنين السودانيين عندما سِئل عن الصينيين فأجاب: " الصينيون المتواجدون عندنا ظننا أنهم جاؤوا لمساعدتنا لكنهم فقراء مثلنا يبحثون عن العمل"(6)، كما تساءل أحد الأفارقة قائلا :"لماذا لا تشغل المقاولات العمومية الصينية اليد العاملة الإفريقية "(7) في الجزائر مثلا، رغم أن معدل البطالة قد وصل إلى 15 بالمائة داخل السكان النشيطين و 30 بالمائة بالنسبة للشباب أقل من 25 سنة، إلا أن المقاولات الصينية داخل الجزائر في قطاع البناء لا تشغل اليد العاملة المحلية. صحيح أن العمال الصينيون أكثر مهارة ويعملون ساعات أكثر بالإضافة إلى قبولهم العمل بأجور منخفضة مقارنة مع اليد العاملة الجزائرية، إلا أن هذا لا يعفي المسؤليين الجزائريين مثلا من تقصيرهم في فرض شروطهم على الصين من اجل استفادة اليد العاملة المحلية من حصص للإستفادة من المهارات الصينية. Impacts environnementaux- التأثيرات البيئية تعتبر الصين ثاني دولة مسؤولة عن الانبعاثات الحرارية في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولا تأخذ بعين الاعتبار الشروط البيئية في مخططاتها الاقتصادية، ورفضت التوقيع على مخطط كيوطو القاضي بالتزام الدول المسؤولية عن الانبعاثات الغازية بتقليص انبعاث هذه الغازات مستقبلا، بالإضافة إلى ذلك نجد أن المقاولات الصينية التي تنشط داخل القارة الإفريقية لا تهتم بمعايير السلامة البيئية وهذه بعض الأمثلة على ذالك: جل الاستثمارات الصينية داخل القارة مركزة في القطاعات ذات التأثير المباشر على البيئة ( التنقيب على الغاز والنفط، استغلال المناجم والمياه الجوفية، قطع الاشجار وتقليص مساحة الغابات....). منذ 1990 والمؤسسسات الدولية تحذر من مخاطر التأثيرات المناخية، إلا أن الحكومة والفاعلين الاقتصاديين في الصين لا زالوا بعيدين كل البعد عن هذه القواعد والالتزامات المناخية. في نيجيريا مثلا شركة WEMPCO ترمي مواد سامة في مياه الأنهار ونفس الشئ بالنسبة لشركة WAHUM التي بدورها تلوث الهواء بإصدارها دخان كثيف يضر صحة المواطنين والبيئة. ثانيا: فرص الوجود الصيني بإفريقيا رغم ما أثير من جدل حول سلبيات التواجد الصيني داخل القارة السمراء، إلا أن التطور السريع للمبادلات التجارية والاقتصادية بين القطبين خلال السنوات الأخيرة شكل دليلا قاطعا على استفادة القارة السمراء من التعامل مع التنين الصيني، ويتجلى ذلك من خلال استفادة القارة من المنتجات والاستشارات التي تتلاءم مع الوسط الإفريقي مقارنة مع منتجات وسلع الدول الغربية. أكيد أن الفرص الاقتصادية بالنسبة للقارة الإفريقية جد متعددة، وبالتالي وجب على القارة الإفريقية استغلالها بالشكل المناسب ومحاولة تطويرها. ومن أهم هذه الايجابيات ما يلي: *الاستثمارات والسلع الاستهلاكية الصينية عموما تتلاءم مع القدرة الشرائية للأفارقة. *تدفق القروض والمساعدات الصينية نحو إفريقيا سيخفف من تبعية هذه الدول للمؤسسات المالية التقليدية وتجنب شروطها السياسة و الاقتصادية . *خلق فرص للشغل من خلال استفادة التجار الصغار الأفارقة من المتاجرة بالسلع الصينية ذات التكلفة المنخفضة. *التواجد الصيني داخل القارة الإفريقية سيسمح بتنوع شركاء القارة الإفريقية الاقتصاديين، وبالتالي تنوع العروض والمنتجات مما سيؤدي إلى انخفاض أسعار هذه الأخيرة داخل السوق الإفريقية. مند انضمام الصين للمنظمة العالمية للتجارة، عرفت الرسوم الجمركية انخفاضا ملحوظا، وفي هذا الإطار وعدت الصين خلال الملتقيات الإفريقية الصينية المقاولات الصغرى والمتوسطة الإفريقية بتشجيعها من أجل استغلال الفرص المتاحة أمامها. وبالتالي ستتمكن المقاولات الصغرى الإفريقية من تطوير مداخلها وقدرتها التنافسية. وفي الختام ، لا بد من الاعتراف بالدور الاقتصادي الذي لعبته الاستثمارات الصينية داخل القارة السمراء، وبدون شك ستكون الاستفادة متبادلة بين الطرفين، وبالنسبة للذين ينتقدون الجانب السلبي في الصين داخل القارة الإفريقية من خلال عدم احترامها للمجال البيئي وعدم احترام قانون الشغل الدولي واعتبار الصين بالدائن غير المسؤول ...ما هو إلا شعور منهم بثقل المنافسة الصينية التي واجهتهم داخل القارة الإفريقية. وفي ظل تزايد الأطماع الدولية على القارة السمراء، وجب على الأفارقة استغلال هذا التوجه من أجل فرض شروط القارة وحاجياتها على هذه الدول ،من خلال إلزامهم بنقل التكنولوجيا الأزمة والخبرات الضرورية خلال توقيع الاتفاقيات الثنائية. (يتبع.........) المراجع: 1- Lotfi Ouled Ben Hafsia, Karima Belkacem, « l'avenir du partenariat Chine-Afrique », 113 pages L'Harmattan, 2011, p 30 . 2- Eric Nguyen, les relations chine-Afrique, édition Studyrama perspectives, 141pages, page 95 3- Eric Nguyen, les relations chine-Afrique, édition Studyrama perspectives, 141pages, page 95 4-http://www.lemonde.fr consulté le 07/03/2017 à 11h56. 5- Eric Nguyen, les relations chine-Afrique, édition Studyrama perspectives, 141pages, page 98. 6- Philippe Richer, l'Offensive chinoise en Afrique, p.131, Paris, Karthala, collection « les terrains du siècle », 2008 7- Philippe Richer, l'Offensive chinoise en Afrique, p.131, Paris, Karthala, collection « les terrains du siècle », 2008 * باحث في العلوم الاقتصادية والدراسات الإسلامية