دقت جهات حقوقية وسياسية ناقوس الخطر بخصوص المعاناة النفسية والاجتماعية الفظيعة والوضعية المأساوية التي يعيشها معتقلو ما يُعرف بالسلفية الجهادية بمعية عائلاتهم وأهاليهم بالمغرب، خاصة بعد أحداث التمرد الاحتجاجي التي شهدتها بعض سجون البلاد خلال شهر مايو المنصرم من طرف معتقلين سلفيين طالبوا بالإفراج الفوري عنهم. ويرى المراقبون أن الضغط النفسي وانسداد باب الأمل وإغلاق باب الحوار عوامل تؤدي إلى المأساة، منادين بتفعيل آلية العفو وغيرها من المساطر الأخرى التي تفتح باب الأمل في النفوس، وتتيح تفادي المنزلقات نحو المواجهة. وجدير بالذكر أن مئات من معتقلي السلفية الجهادية بالمغرب ما زالوا يقبعون وراء القضبان في مختلف سجون البلاد، بسبب أحكام قضائية في ملف التفجيرات الإرهابية التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء في مايو 2003، وعلى خلفية قانون مكافحة الإرهاب. المعاناة: المظاهر والتداعيات يرى الناشط الحقوقي عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين بالمغرب، أن مظاهر المعاناة لدى المعتقلين الإسلاميين الموجودين في السجون تعددت بشكل لافت، هذه المعاناة التي امتدت إلى أسرهم وأهاليهم وأطفالهم، مضيفا أن أكبر معاناة تواجه هؤلاء المعتقلين تأتي من شعورهم بالمظلومية ووجودهم في السجون، بناء على أحكام صدرت في حقهم على خلفية الاعتقال الذي طالهم بعد أحداث مدينة الدارالبيضاء 2003 أو قبل ذلك. وقال مهتاد في حديث مع "إسلام أون لاين" أنه لا تخفى على أحد الحملة التي رافقت هذه الاعتقالات والمحاكمات والدعاية الإعلامية السلبية من طرف بعض المنابر، مما شوه سمعة هؤلاء المعتقلين وجعلهم مثار شك وتهمة وحتى أطفالهم وأهاليهم، الأمر الذي أدى ببعض الأهالي إلى تغيير مكان سكناهم، فيما عدد من أطفالهم انقطعوا عن الدراسة بسبب النعوت التي لحقت آباءهم، التي كانوا يسمعونها أينما حلوا وارتحلوا. وتابع مهتاد: لما استقر الوضع بهؤلاء المعتقلين الإسلاميين في السجون، وجدوا أمامهم تحديات أخرى ما زالوا يناضلون من أجل التغلب عليها، من ضمنها الإبعاد أي زجهم في سجون بعيدة عن مدنهم الأصلية وكذلك ممارسات الإدارة السجنية التي دأبت على عدم استقرارهم بالتضييق تارة وبالاستفزاز تارة أخرى، وبعدم تمتيعهم بالحقوق المكفولة لهم قانونا. كل هذه العوامل، بحسب مهتاد، أثرت سلبا على نفوس هؤلاء المعتقلين وجعلت بعضهم، أحيانا كثيرة، يتصرف دون تقدير لظروف الاعتقال وملابساته، الأمر الذي كان يعطي مبررا للإدارة المسؤولة لفرض عقاب جماعي يتأذى منه المعتقلون بالسجون وينال أسرهم نصيب منها أثناء الزيارة والتفتيش. واستطرد المتحدث: عشنا وما زلنا نعيش على إيقاع إضراب مفتوح دخله المعتقلون في السجون منذ 17 ماي الماضي، الذي أخذت بوادره تنذر بالخطر على صحتهم دون أن تتحرك أية جهة لنزع فتيله، رغم كل النداءات و المراسلات والاحتجاجات التي قادتها أسر المعتقلين أمام أبواب السجون والإدارات. المقاربة التصالحية وبدوره، دق المحامي مصطفى الرميد، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، ناقوس الخطر بخصوص الأوضاع المزرية والصعبة التي يعيشها معتقلو ما يسمى بالسلفية الجهادية وأسرهم وذووهم أيضا على جميع الأصعدة: نفسيا وماديا واجتماعيا وصحيا.. واعتبر الرميد في تصريح أن معارك الأمعاء الفارغة التي يخوضها العديد من هؤلاء المعتقلين، هي في الغالب بسبب تداعيات تلك المعاناة الإنسانية بمختلف أشكالها، التي لا يمكن تخيل حجمها إلا عند من يكتوون بنارها بالفعل على أرض الواقع. وتقول آسية، زوجة أحد معتقلي السلفية الجهادية الذين أطلق سراحهم قبل أسابيع، في تصريح ل"إسلام أون لاين": إنها طوال سنوات حبس زوجها كانت تعاني الأمرين من اعتقاله ومن ظروف التنقل إلى السجن البعيد عن مقر سكناها. وتتابع هذه الزوجة أن المعاناة ترتبط أيضا بالشروط الحاطة من الكرامة أحيانا التي كان يعيشها زوجها داخل السجن، مضيفة أنه حتى حق الخلوة الشرعية مع زوجها كانت تتم وفق سياقات تجرح كبرياءها، وهو الوضع نفسه تقريبا لدى أغلب زوجات هؤلاء المعتقلين، مع وجود تفاوتات بين سجن وآخر. وعاد الرميد ليقول: إن هناك ثلاثة مستويات في ملف معتقلي السلفية الجهادية، الأول معتقلون أبرياء يجب أن يتم الإفراج عنهم فورا، وهناك معتقلون لهم أفكار معينة ينبغي محاورتهم ودفعهم لمراجعة تلك الأفكار، ثم معتقلون متطرفون ارتكبوا بالفعل جرائم بدافع المعتقد، وهؤلاء يجب خضوعهم للقانون بالطبع. وأعرب المتحدث عن كون مقاومة العنف من خلال عنف مضاد يتمثل في المقاربة الأمنية الصرفة التي تنهجها الدولة، تعد مقاربة غير سليمة ولن تؤتي الثمار المرجوة، مشددا على ضرورة التركيز أكثر على المقاربة التصالحية. خطر الاصطدام ويطرح مراقبون مهتمون بملف المعتقلين الإسلاميين بالمغرب مسألة تأثير معاناتهم على احتمال اندلاع أحداث عنف أو اصطدامات مع الدولة استنادا إلى مظلومياتهم، قد تعيد قضيتهم إلى الصفر بعد أجواء الانفراج السياسي التي همت إفراجا عن عشرات المعتقلين في شهر أبريل المنصرم. وبالنسبة إلى الناشط الحقوقي عبد الرحيم مهتاد، فإن الضغط النفسي وانسداد باب الأمل وإغلاق باب الحوار كلها ظروف تؤدي إلى المأساة، فمع إطلالة كل حدث أو مناسبة تفتح أبواب الأمل في النفوس من أجل حلحلة قضية اعتقال هؤلاء الإسلاميين. وقال رئيس جمعية النصير لدعم المعتقلين الإسلاميين ل"إسلام أون لاين": في كل مرة نتلقى وعودا من مسؤولين يؤكدون لنا لوائح بأسماء بعض منهم مرشحة للعفو، ولكن سرعان ما يتبخر كل ذلك بعد الإعلان الرسمي، وحينما نراجعهم في الأمر كنا نسمع أن هناك جهات هي التي ليس من مصلحتها لملمة هذا الملف. واستدرك مهتاد بأنه بعد التعديلات الدستورية الأخيرة التي دشنها المغرب - بتنصيصها صراحة على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة - وأفرد لها بابا خاصا، سيتجه المغرب في منحى البحث عن مخارج لهذه القضية التي عمرت أكثر من اللازم، وقد دخلت هذا العام سنتها التاسعة. آلية العفو وشدد مهتاد على أن تفعيل آلية العفو والإفراج المشروط أو المقيد وغيره من المساطر الأخرى، سوف يفتح باب الأمل في النفوس، ويتفادى الجميع كل المنزلقات نحو المواجهة أو الإضرار بالنفس الذي يعتمده المعتقل وسيلة للدفاع عن حقوقه ومكتسباته. ولفت مهتاد إلى أنه في معرض طرح جمعيته بعض القضايا المتعلقة ببعض المعتقلين الإسلاميين بتقديم طلباتهم وشكاواهم ورسائلهم الخطية والموقعة تفاديا لأي لبس أو شك من أحد سواء الذين ما يزالون رهن الاعتقال أو الذين تم الإفراج عنهم، تلقينا جوابا لم نكن ننتظره: قالوا لنا صراحة إن الدولة لا تمانع في تمتيعهم بالعفو والإفراج عنهم، شريطة أن تتوفر فيهم شروط الاستقامة والسلوك الحسن داخل المؤسسات السجنية، ولم يسبق لهم أن تورطوا في أي فعل أو مخالفة يعاقب عليها القانون المنظم للسجون 23/98 ، أما بالنسبة للمفرج عنهم فما عليهم إلا اللجوء إلى القضاء من أجل رد اعتبارهم والدفاع عن مظلوميتهم. http://www.islamonline.net