تحدث محمد شقير، الباحث المتخصص في العلوم السياسية، عن ظروف إعفاء الملك محمد السادس لعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، من رئاسة الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له، مرجعا ذلك إلى عدد من العوامل؛ خاصة المنهجية المتبعة من قبل القصر، وشخصية بنكيران. جاء ذلك خلال ندوة نظمها مركز هسبريس للدراسات والإعلام مساء الجمعة بالرباط، حيث وضع محمد شقير هذا الإعفاء في السياق العام، من خلال عقد مقارنة بين ما أسماهما بلحظتين سياسيتين، الأولى هي لحظة تعيين بنكيران في الحكومة الأولى منذ خمس سنوات، واللحظة الحالية. سياقات اللحظة الحالية وربط شقير اللحظة الأولى بسياق الربيع العربي وحركية عشرين فبراير، والتي لعبت دورا كبيرا في تعيين بنكيران وإعطائه هامشا أكبر في تشكيل الحكومة الأولى التي ترأسها، "حيث نرى هذه المفارقة أنه خلال الاستقبال الملكي الأول لبنكيران لم يستقبله في إطار مزوج؛ الشيء الذي رأيناه في إطار حكومة العاشر من أكتوبر ورأينا أن الملك استقبل شخصيتين". وفصل الباحث في العلوم السياسية هذه النقطة بالقول إن "الملك استقبل بنكيران، وفي المقابل استقبل الرميد، وهذه اشارة سياسية كان من المفروض التركيز عليها لأنها مسألة سياسية تؤكد أن صانع القرار السياسي أراد الإشارة إلى أن بنكيران ليس ضروريا كرئيس حكومة ويمكن تغييره بشخص آخر". وعاد المتحدث ذاته إلى خطاب داكار، الذي حدد تعيين العاشر من اكتوبر، حيث تحدث الملك عن كل المسائل المرتبطة بقضية الصحراء وقضايا إفريقيا، في حين كان التأكيد على أن الحكومة ستكون مشكلة ليس على اعتبارات حسابية وإنما على اعتبارات سياسية، "وهنا مقارنة بالحكومة الأولى فإن هامش رئيسها تم تقليصه وفيما بعد سنجد بأن هامش الحرية تم ربطه بمجموعة من الحركيات التي ارتبطت بمواقف المفاوضين لبنكيران". "وبالتالي لقراءة هذا الوضع لا بد من التركيز على هاتين اللحظتين لحظة تعيين الحكومة الأولى ولحظة الحكومة الثانية، وتحديد هامش الحرية الذي تحرك فيه بنكيران الذي كان موضوع تغيير وإعادة النظر في شخصه"، يضيف شقير. أصل المشكل وحول المنهجية المتبعة من قبل القصر وبنكيران، أوضح محمد شقير أن ما حصل طيلة الأشهر الخمس الماضية يعكس التباعد والخلاف حول المنهجية الديمقراطية حول تكريس مؤسسة رئاسة الحكومة، مردفا بأن المسألة ليس شخصية؛ ولكن حول مؤسسة رئاسة الحكومة، "وأعتقد أن بنكيران، بالرغم من طبيعته وكل الصفات التي يتميز بها، فإنه كان يتعامل على أنه رئيس الحكومة وأنه هو الذي له الصلاحية في أن يحدد طبيعة حلفاءئه وطبيعة الأشخاص الذين سيتعامل معهم". وفي الوقت الذي ذكر فيه بأن بنكيران رفض سقف المطالب التي حددها أخنوش وقال إنه لا يمكن ان يكون للحكومة رئيسان، اعتبر شقير أن هذه المسألة تحدد منظورا معينا لكيف يكون رئيس الحكومة "هل سيكون الشخص الذي يحدد إطاره وتشكيلته الحكومية أم فقط الإطار الذي سيتبع إملاءات معينة". وفي السياق ذاته، يعتقد الباحث في العلوم السياسية أن الأشهر الخمسة الماضية كانت كلها تنافس وصراع حول هذه المقاربة والمنهجية الديمقراطية، "وبالتالي أعتتقد أن المقاربة الملكية هي التي انتصرت وتم إعفاء بنكيران دون طقوس هذا الإعفاء، حيث كان المفروض أن يتم استقباله وإعفاؤه"، مشيرا إلى أن الإرادة الملكية هي التي تحدد إطار رئاسة الحكومة والمؤسسات الأخرى "وعدنا إلى المنطق الذي حكم الدساتير السابقة، بالرغم كل الإطار الشكلي". وبينما كان يركز بنكيران على أنه رئيس حكومة بالفعل، وأنه يمارسه كل الصلاحيات التي يحددها الدستور، يضيف شقير، فقد تم العمل على عرقلة هذه الصلاحيات، من خلال صنع أشخاص معينين ورؤساء أحزاب، مضيفا "لا يعقل أن أخنوش الذي كان قد جمد عضويته داخل التجمع الوطني للأحرار يتم بين عشية وضحاها تعيينه كرئيس للتجمع ، ويصبح المفاوض الرئيسي لرئيس الحكومة الذي تم انتخابه بإرادة شعبية". أخطاء بنكيران وتحدث شقير عن الأخطاء التي ارتكبها بنكيران طوال المفاوضات، حيث اعتبر أن الخطأ القاتل كان هو التباعد وعدم الانسجام بين مؤسسة رئيس الحكومة وابين لمنهجية التفاوضية التي تبناها، مشيرا إلى أن أخطاء بنكيران كانت نتيجة لطبيعة شخصيته، وأنه لم يضع تصورا واضحا منذ البداية، كما أراد اللعب على حبلي الإرادة الملكية والإرادة الشعبية، ووقع في سقطات أدى ثمنها في الأخير. "كان من المفروض كرئيس حكومة أن يقوم بتحديد تحالفاته أولا وعندما لا تقبل هذه التحالفات، لديه خياران إما الرجوع إلى الملك وتقديم الاستقالة وإما الذهاب إلى الأمام وفرض هذه التحالفات"، يضيف الباحث في العلوم السياسية، الذي تابع أن بنكيران لم يقبل بذلك وأراد اللعب على الحبلين، بالإضافة إلى أن شخصنة التعاملات مع المفاوضين "أدى إلى سقوط بنكيران في العديد من الأخطاء كأن يقول إما أنا أو لشكر في الحكومة". وتابع المتحدث ذاته التأكيد على أن المحيط الملكي عانى من عدة مشاكل مع شخصية كبنكيران، مرجعا ذلك إلى كون زعامته قائمة على الآلية الانتخابية، ما جعله يحصل على الهالة والكريزما، "وأظن أن صانع القرار وجد عدة مشاكل ولا ننسى بأن بنكيران تعرض منذ الحكومة الأولى لعدد من العراقيل ومحاولة الإبعاد، كانسحاب الاستقلاليين وتشجيع نوعية خاصة من رؤساء الأحزاب لمحاربته"، على حد تعبيره. العثماني حل؟ وحول أسباب اختيار سعد الدين العثماني خلفا لبنكيران، لأرجع شقير ذلك لعدد من الصفات؛ أولاها الاتزان واختلاف شخصيته عن بنكيران، "هذا ربما سيساعد على القبول بمجموعة من التوافقات سواء مع الحلفاء أو التعاملات مع القصر"، مشيرا إلى أن عدم اختيار الرميد هو بسبب مواصفاته المزاجية والمشاكسة، كما أن اختيار العثماني هو للابتعاد عن الوقوع في نفس المسألة. وأكد شقير أنه تم إظهار الإرادة الملكية على أنها هي المتحكمة، وتحجيم حزب العدالة والتنمية، لأنه يعكس رمزية الإرادة الشعبية المنبثقة أن حركيّة عشرين فبراير، وليس فقط عدد المقاعد وما يعكسه الحزب.