بإعفاء الأمين العامّ لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، من مهمّة تشكيل الحكومة، يكون حزب العدالة والتنمية قدْ دخل منعطفا حاسما، بعد خمس سنوات من التعايش مع القصر، اتّسمتْ بالمدّ والجزْر، وانتهت "بغضبة ملكية" على بنكيران، حينَ تحدّث عن وجود "حكومتين في المغرب، واحدة معروفة وأخرى لا يُعرف من يتحكم فيها". المكانة الكبيرة التي يحتلّها عبد الإله بنكيران لدى مناضلي حزبه، وقدرته الكبيرة على التأثير في الأنصار، وقوّته في مواجهة الخصوم، جعلت حزب العدالة والتنمية يُؤجّل مؤتمره الثامن، ضمانا لبقاء بنكيران على رأسه إلى ما بعد الانتخابات التشريعية الماضية، بعدما استنفد الولايتيْن اللتين يخوّلهما له القانون الداخلي للحزب. إبعاد بنكيران عن تشكيل الحكومة، يطرحُ سؤالَ ما إنْ كان الهدف منه هو حلُّ "البلوكاج الحكومي" الذي دامَ أكثر من خمسة أشهر، بسبب تشبّث بنكيران بموقفه الرافض بدخول الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، من جهة، وتمسّك رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، بإدريس لشكر، أمْ أنّه تمهيد ل"التخلُّص" من حزب العدالة والتنمية. كِلْتا هاتين الفرضيتين مطروحتان، حسب محمد الهاشمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن زهر بأكادير، فإذا كان "البلوكاج" الحكومي، يشرح الهاشمي، هو الدفع في اتجاه إقناع الرأي العامّ بأنَّ بنكيران هو يشكّل عقبة في وجه تشكيل الحكومة، فإنَّ الهدف هو محالة الحدّ من شعبية زعيم "المصباح"، وإذا استمرّ "البلوكاج" بعد إبعاد بنكيران فهذا يعني أنّ الحزب هو المُستهدف. الهاشمي أوضح أنّه إلى حدود الآن، يبقى إعفاء الأمين العام لحزب "المصباح" من مهمّة تشكيل الحكومة مؤشرا على "أنّ المشكل يكمن في بنكيران"، لكنّه استدرك أنّ هذا لا ينفي الفَرضية الثانية، وهي أنَّ الحزب نفسه هو المُستهدف، مُوضحا أنَّ قيادة العدالة والتنمية ستحرص على التفاعل إيجابا مع قرار القصر، في اجتماع المجلس الوطني اليوم السبت، أولا، لأنه من الناحية الدستورية لا يحقّ لهم رفض قرار الملك، لأنّ الدستور واضح، وثانيا، لأنّ من شأن "التمرّد" أنْ يُظهرهم أنهم ليسوا في مستوى الدستور الذي طالما طالبوا بتنزيله. وإذا كانَ الملك قد حسَم في "خليفة بنكيران"، بعد تكليفه لسعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة، فإنَّ عدم تمكّن هذا الأخير من فكّ "البلوكاج"، وتشكيل الحكومة، في حال تمسك حزب العدالة والتنمية بالشروط الذي وضعها، وتمسك الفرقاء الآخرين، وعلى رأسهم حزب التجمع الوطني للأحرار بشروطه، معناه أنَّ "المشكل هو مع حزب العدالة والتنمية وليس مع بنكيران"، يشرح الهاشمي. وفي هذه الحالة، يرى أستاذ العلوم السياسية أنّه قد يتم اللجوء إلى "خيارات أخرى"، كما جاء في بلاغ إعفاء بنكيران من مهمته الصادر عن الديوان الملكي، من خلال تنحية الفصل 47 من الدستور، الذي يربط اختيار رئيس الحكومة بنتيجة الانتخابات التشريعية، ولا يتحدث عن مهلة محددة لتشكيل الحكومة، وتغليب الفصل 42، الذي يخوِّل للملك مهمة السهر على ضمان سير المؤسسات، الهاشمي اعتبر أن لجوء الملك في المرحلة الحالية إلى الفصل 42 من الدستور، كمفتاح لحلّ إشكال الفصل 47، "يُعتبر شيئا معقولا من ناحية الالتزام بنص الدستور"؛ لكنه توقع ألّا يتمّ اللجوء إلى "خيارات أخرى"، كتعيين رئيس حكومة تكنوقراطي، في حال فشل سعد الدين العثماني في فكّ شفرات "البلوكاج" الحكومي. الهاشمي بنى توقعه على أساس أن المنعطف الذي يجتازه المغرب، وخيار الدمقرطة الذي انخرط فيه، يجعل الخروج عن روح الفصل 47 من الدستور أمرا مستبعدا، موضحا أنّ الحل الأخير للخروج من البلوكاج، هو الذهاب إلى إعادة الانتخابات التشريعية.