قرر الملك محمد السادس إعفاء عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، من مهمة رئاسة الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني بدلا عنه، بعدما استنفد عبد الإله بنكيران ما يربو عن خمسة أشهر بعد تعيينه لتشكيل الحكومة ولم ينجح في هذه المهمة. وقد سبق أن أكدنا على أن هذا القرار سليم دستوريا، لكونه يأتي انطلاقا من الصلاحيات الدستورية المخولة للملك بصفته رئيسا للدولة، يقع على عاتقه السهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، ويأتي في سياق تجاوز وضعية الجمود التي عرفها مسار تشكيل الحكومة منذ شهر أكتوبر 2016. ويخول الدستور للملك، بمقتضى الفصل 47، تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وعلى هذا الأساس سبق للملك أن عيّن عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، على اعتبار أن حزب العدالة والتنمية فاز بالمرتبة الأولى، وقد كلفه الملك بتشكيل الحكومة كما ينص على ذلك الدستور. ويلاحظ من خلال قراءتنا للدستور أن الملك غير مقيد بتعيين الأمين العام للحزب الفائز في الانتخابات رئيسا للحكومة، ولو جرى العرف على ذلك، وإنما فتح له المجال لتعيين أية شخصية من هذا الحزب. وبما أن عبد الإله بنكيران لم يستطع تشكيل الحكومة خلال أجل معقول، بسبب عدم حصول اتفاق بين حزبه وبعض الأحزاب، التي راهن على التحالف معها، حول منهجية تشكيل الحكومة، وعدد الأحزاب التي ستتألف منها الأغلبية الحكومية، خصوصا رفض رئيس الحكومة السابق عدم إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة، أمام تشبث حزب التجمع الوطني للأحرار بهذا الحزب ليكون طرفا في الائتلاف الحكومي، مما أدخل البلد في أزمة سياسية، وجمود اقتصادي، وعطالة برلمانية، وتوقف في حركة الاستثمار بسبب عدم المصادقة على قانون المالية لسنة 2017 من قبل البرلمان. فاختيار الملك لسعد الدين العثماني رئيسا للحكومة، كشخصية ثانية من حزب العدالة والتنمية، هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة، والمخرج الدستوري السليم، عوض اللجوء إلى إعادة الانتخابات، مما قد يكلف ميزانية الدولة والدخول في متاهات السياسة، أو عوض تعيين شخصية سياسية من الحزب الفائز من المرتبة الثانية، مما فيه مخالفة صريحة للدستور، مادام الفصل 47 المشار إليه لم ينص على هذه الامكانية، وكل اجتهاد في هذا الباب سيخالف روح الدستور والمنطق الديمقراطي. ولا شك أن تعيين شخصية ثانية، وتكليفها بمهمة تشكيل الحكومة، سيحدث انفراجا سياسيا واقتصاديا، إذا ما تم استحضار المصلحة الوطنية وتجاوز الخلافات الحزبية الضيقة، بالنظر إلى الحياة السياسية والبرلمانية التي اتسمت بالجمود خلال الشهور الأخيرة، فضلا عن ارتفاع درجة الاحتقان الاجتماعي. فتعيين الملك محمد السادس لسعد الدين العثماني خلفا لعبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة المقبلة يعد قرارا مناسبا وصائبا، خصوصا وأنه يعد رجلا سياسيا بامتياز لتقلده للعديد من المهام والمواقع السياسية في حزب العدالة والتنمية وأيضا في البلاد، ويعتبر الرجل الثاني في الحزب، ويتمتع بشخصية هادئة، ورجل الحوار والتفاوض الإيجابي والفعال، والمنفتح سياسيا على جميع الأطراف، كما لديه تكوين علمي وجامعي رفيع. وهذه الصفات التي يتمتع بها ستفتح له مجالا أكبر في تشكيل الحكومة المقبلة. فالمرحلة تقتضي الليونة في المواقف والتنازلات التي ليس من شأنها التفريط في المبادئ الأساسية للنضال الحزبي، واستحضار مصلحة البلاد قبل مصلحة الحزب، وكذا انتظارات المواطنين الذين عبروا عن إرادتهم خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة. فرئيس الحكومة الجديد على عاتقه مسؤولية وطنية جسيمة، وليس سياسية فحسب، ويجب أن يتصرف كرجل دولة وليس كحزبي. وإذا ما اتبع المنهجية نفسها والخطة التي سار عليها سابقه، عبد الاله بنكيران، قد يواجه صعوبات من شأنها أن تأخر تشكيل الحكومة. وفي حالة ما إذا فشل سعد الدين العثماني في تشكيل الحكومة، تبقى كل الاحتمالات واردة، قد تقتضيها المصلحة العليا للبلاد؛ وذلك حتى لا يتم تعطيل سير المؤسسات الدستورية، والعبث بإرادة الناخبين. *مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية [email protected]