كشفت نتائج بحثٍ ميداني قُدّمتْ خلال ندوة فكرية نظمها مركز الدراسات والأبحاث حول الهجرة وحقوق الإنسان بجامعة الحسن الأوّل بسطات، بتعاون مع مختبر الأبحاث حول الانتقال الديمقراطي المقارن، في موضوع "زواج القاصرات بالمغرب.. بين المطالب الحقوقية والواقع القانوني"، أنَّ زواج القاصرات مرتبط بالفقر والهشاشة الاجتماعية. البحث الذي أنجزه باحثون في مركز الدراسات والأبحاث حول الهجرة والحقوق الإنسانية، وطلبة من جامعة الحسن الأول بسطات ومن جامعة محمد الخامس بالرباط، كشفت نتائجه أنّ 79 في المائة من المستجوبين صرحوا بأنّ زواج القاصرات مرتبط بدرجة أولى بالفقر، وينتشر بشكل أكبر في المناطق التي تتميز بالهشاشة. وربَط 80 في المائة من المستجوَبين ظاهرة زواج القاصرات بضعف التعليم وغياب الوعي بالحقوق؛ وصرح 97،5 في المائة من المستجوبين بأنّ هذه الظاهرة متواجدة بدرجة أساسية في الوسط القروي؛ في حين عبّر 71 في المائة عن رفضهم زواج القاصرات، الذي تلعب القيَم الاجتماعية والثقافية دورا أساسيا في استمراره عبر الأجيال، حسبَ خُلاصات البحث. من جهة أخرى، يرى أكثر من 71 في المائة من المستجوبين أن زواج القاصرات محكوم بالفشل، بينما ترتفع نسبة الذين يرون أن له آثارا نفسية وجسدية خطيرة إلى 92,6 في المائة، وترتفع هذه النسبة إلى 99 بالمائة لدى الفتيات؛ فيما يؤكد 76.9 في المائة أنه يوفر قابلية أكثر للانحراف الأخلاقي لدى الزوجات اللواتي تعرضن للطلاق. عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قالَ في معرض مناقشة نتائج البحث إنّ زواج القاصرات بات أزمة حقيقية تقضُّ مضجع المجتمع المغربي، نظرا للتداعيات الخطيرة التي تنجم عن هذه الظاهرة، والتراكمات التي طبعت جملة من الإشكالات التي يعرفها المجتمع المغربي. واستعرض الخضري جملة من هذه الإشكالات، وعلى رأسها تزايد نسبة الوفيات في صفوف الحوامل القاصرات، والانتهاك الممنهج لحقوقهن في الكرامة وفي التعليم، وتنمية قدراتهن، لافتا إلى أن الظاهرة تسبب في تشريد وضياع العديد من الفتيات، ورميهن في براثن الدعارة وتجارة البشر، والاستغلال الجنسي الممنهج.. من جهته أكد حميد حراش، القاضي بابتدائية سطات، أن الأرقام المسجلة حول ظاهرة تزويج القاصرات مخيفة، إذ تثبت أن سنة 2013، مثلا، شهدت تقديم حوالي 43500 طلب تزويج قاصر، وتم قبول حوالي 37200 طلب، أي حوالي 85 بالمائة من الطلبات، ما يؤكد أن القضاء عاجر عن التقليص من الظاهرة. وأرجع المتدخل سبب ذلك إلى أن مدونة الأسرة لم تساعد على وضع حد لظاهرة زواج القاصرات، بل ساهمت، بشكل أو بآخر، في تأجيج الظاهرة، من خلال منح المشرع المغربي حق تزويج القاصر لنائبها الشرعي. وأكّد المتحدث ذاته أنه بات لزاما على المشرع إعادة النظر في تعديل المواد 20، 21 و22 من مدونة الأسرة، مع استحضار المعطى السوسيو ثقافي للمجتمع المغربي، ومراعاة مقتضيات مبادئ حقوق الإنسان، مؤكدا أن أب القاصر، باعتباره النائب الشرعي، يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية في إكراه القاصر على الزواج. في السياق نفسه، أكدت رجاء عبدوني، المحامية بهيئة الدارالبيضاء، أن مدونة الأسرة بحاجة ماسة إلى تعديلات جوهرية، مقترحة جرد حالات الاستثناء الممكنة، مثل تزويج من تقع في علاقة غير شرعية أو اقتراب القاصر من اكتمال الأهلية؛ كما أكدت على أهمية توعية ساكنة القرى والبوادي بالآثار السلبية لتزويج الفتاة في سن مبكر بشكل مكثف، وتفعيل دور الإعلام في التوعية بخصوص هذه المعضلة. من جهتها، أكدت حنان الشعبي، وهي منتدبة قضائية إقليمية بابتدائية سطات، ضرورة توفير الإمكانات اللازمة لعمل الكلفين بالمساعدة الاجتماعية للقيام بدورهم الميداني والاستقصائي، بدل الاكتفاء بمعاينة الحالات داخل مكاتبهم، كما طالبت بزجر أولياء القاصرات وكذا الأزواج الذين يحتالون على القرارات القضائية، ويقومون بتزويج القاصرات من خلال زواج الفاتحة، واللجوء إلى القضاء بعد الحمل، لإثبات الزوجية.