الزجالة زهور الزرييق1 نموذجا. بمناسبة اليوم العالمي للمرأة نستحضر هنا نموذج لمغربيات رائدات في فن الزجل الشعبي المغربي، ويتعلق الأمر هنا بالزجالة والشاعرة والفنانة التشكيلية زهور زرييق الملقبة بالشاعرة "الزرقاء". إذ نلاحظ في زجلها وأشعارها نوعا من الملامح الشعرية الممسرحة ذات الارتباط المتين بواقعها الاجتماعي، فالمبدعة تعبر عن سر تراثي مكنون في زجلها الشعبي الشفهي، تضعه في قالب فني وتستخرج منه فرجة ممسرحة وممتعة. ذلك أن عامل المجال الجغرافي الذي ترعرعت فيه أثر في كيانها وتكوينها الفني والإبداعي، حيث تستوحي منه جل عناصرها الفنية. فهي تحاور وتتجاوب مع الموروث الثقافي الشعبي في نشاطها الزجلي الفرجوي، وتعيد ولادته من جديد. وصور لوحاتها الهزلية تجسد مواقف إنسانية تدافع عن كونها كائنا أنثويا مبدعا، لتعيد الاعتبار للثقافة النسوية المغربية، وطموحها استطاع أن يخترق فضاء الخشبة المسرحية، ليعبر عن قضايا دور المرأة في المجتمع، بيد أن صورتها وأحاسيسها وأفكارها تبقى شاعرية أكثر من الرجل، وليست شاعرة بالمعنى الإبداعي للكلمة، ولكن بالمعنى الإنساني الجميل... فهي تقول معبرة عن كينونة المرأة :" إنني أعشق عالم المرأة، المرأة تحضر بقوة في وجداني وذهني. المرأة هي لغز الحياة وسر الكون، هي جسم مليء بالأحاسيس والعواطف الجياشة والأفكار، هي رصيد مخيلتي الشعورية والفنية والإبداعية في كل مواقف وجودي"2. كما يحضر فعل الفرجة لديها من تعلق جارف بالفن بجميع عناصره وروافده حركة وتنشيطا وإيحاء وتنشيطا وتحكما في سلطة الإبداع وأسئلته، إضافة إلى هذا الطرح تحن إلى تراث هويتها العربية والمغربية الأصيلتين. فبقراءتنا لمؤلف مسرحية "مجنون هشومة"، الذي هو عبارة عن ديوان زجلي يتضمن قصة زجلية في ثلاثة أجزاء، نكتشف نفحات ملموسة وبصمات منقوشة على جدران قرى الطين والماء، والعشب والحقول المكسوة بزهور شقائق النعمان، كل ذلك عبر الكلمة الشعبية المنحوثة والمستمدة من بطون عوالم الثقافة الشعبية العربية، بشتى فروعها التراثية. ففي ديوانها تعود زهور لتصور لنا حياة عاشها أجدادنا في حقب من الأزمان الغابرة، وتسجل لنا نموذجا من حكم الأوائل في علاقتهم بمجال العشق والعاطفة والحب والود، وتسطر بزجلها على عناوين ذاكرة منسية، ذاكرة مرت عليها أجيال في زمن العشق العذري المبني من طبقات أجور الصدق والوفاء. إن أسلوبها الزجلي نابع من أعماق الارتباط بالأرض والوطن واستنهاض العودة إلى الفكر الإنساني الشعبي المتوارث عبر الأجيال، يعقد مصالحة مع زمن ثقافي شفهي تراثي شعبي - إنساني معبر عن حياة عفوية بسيطة-، يمكن اعتباره صرخة مدوية تعيد لفن القول شعبيته المتميزة، والمعبرة عن الأحاسيس الجياشة، والمرهفة الصادقة، والثائرة، فمفردات شعرها لا تهرب عن الواقع، فهي تصور وتجسد بحروف بارزة ما يجري في العالم من مواقف متناقضة تعيشها المرأة مع الرجل وإبداعها الشعبي يكتنز لغة متدفقة إنسيابية ودلالية يعبر عن صدق الإحساس بما يختلج في الصدر من شوق ومعاناة. آهشومة سباب الكية واسمعي واش جرى ليا الناس من حسك تخاف و أنتيا شفتك بعينيا ... واش بصح هذا خيالك ولى جن مصور ليا.3 إن زجل الشاعرة يستلهم إيحاء الحنين إلى الشعر العربي الإنساني القديم ، حيث تجعل من تيمة العشق العذري نموذجا تنسج على منواله خيوطها الإبداعية المتفاعل مع روح الهوية العربية بجميع روافدها الثقافية من بيئة، وأصالة، وتاريخ ، وفكر، وحضارة... على هواك آيا هشومة و عدتيني بلكذوب خليتنيني نفنى و نذوب ضيفتني على لرنب لرنب بايت في الدومة(2). إن عالم القصيدة الزجلية عند الشاعرة زهور الزرييق يزيل غبار النسيان عن ثقافة نسوية إنسانية مثالية، مستعيرة كل الأشكال الفنية في تجربتها الإبداعية، ملؤها إعادة الاعتبار لقيمة المرأة في المجتمع. الهوامش: 1 - زهور الزرييق: من مواليد مدينة القنيطرة بالمغرب، وهي ممثلة وزجالة وشاعرة وفنانة تشكيلية، إلى جانب كونها منشطة للمهرجانات الوطنية. تنحدر أصولها من نواحي قبائل مختار بمنطقة الغرب بالمغرب، التي اشتهرت في سنوات الخمسينيات والستينيات برواد فن الحلقة أمثال الثنائي الزميميري وولد مطيشة...، فهي سليلة بيئة إبداعية عريقة. وهو ما أضفى على نصها، "مجنون هشومة"، مسحة مغربية بدوية تراثية ثقافية شفهية، تتجاوب وتنسجم مع عالم الإنسان البدوي في علاقته الاجتماعية بمحيطه البدوي الزراعي. وقد تحول ديوانها الزجلي "مجنون هشومة"، إلى عرض مسرحي الذي حظي بقبول اعتباري خاص لدى فئة عريضة من جمهور المسرح والمتتبعين والهواة، وكان من إخراج الفنان الحسين الديجيتي، وتشخيص حنان الإبراهيمي وسميرة صاقل ومحسن مهتدي وزهور زرييق نفسها وكانت السينوغرافيا من قبل بدر السعود الحساني . 2 - نفسه. 3 - الزهراء الزرييق " مجنون هشومة" قصة زجلية في ثلاثة أجزاء، دار أبي رقراق للطباعة و النشر، الرباط ، المغرب الطبعة الأولى 2005 ص: ص: 29-30. *باحث في المسرح والثقافة الشعبية