(رد على أحمد عصيد) في رسالته إلى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لم يراع أحمد عصيد أدب الحوار، واسترسل في تهجّمه غير المبرر على بنكيران الذي وصفه بالغريب عن وطنه، ظنا منه أن خير وسيلة للدفاع عن حرف "تيفيناغ" هي قمع كل رأي مخالف بهذا الصدد، وهو لا يدرك أنه بذلك يؤسس لديكتاتورية الرأي الواحد في أرض عرفت بتنوع الثقافات والإثنيات، وكان يكفي أن يقبل اعتذار الأمين العام، لكن يبدو أن بعض إخواننا الأمازيغ يرغبون في أن نقوم بتقبيل الأيدي والأرجل من أجل التكفير عن هذه الكبيرة التي اقترفها السيد بنكيران في حق حرف "تيفيناغ"!! يقول عصيد موجها خطابه الخالي من اللياقة لبنكيران: "كما سقط القناع عن وجهكم عندما عبّرتم بأسلوب غاية في السخافة وقلة الذوق، وعن قدر كبير من الجهل بتاريخ بلدكم، عن موقفكم من الحرف الأمازيغي تيفيناغ، وارتكبتم بذلك خطأ فادحا اضطرّكم إلى الإعتذار للأمازيغ، بعد أن اكتشفتم أنتم الغرباء عن المغرب العميق بأن الحرف ليس مجرّد وسيلة للكتابة أشبه لديكم ب"الشينوية"، بل هو رمز للهوية العريقة لهذه الأرض الطيبة، التي ما زالت تحتفظ بهذه الحروف منقوشة على الصخور الصلبة علامة الخلود الأبدي، فمشكلتكم كما هو شأن بعض الذين اكتشفوا الوطنية المغربية عام 1930، أنكم لا تشعرون بالإنتماء إلى هذه الأرض بقدر ما تنتمون إلى إيديولوجيات عابرة للقارات، لن تجلب لوطننا غير الخراب والفتن". لقد ناقشنا السيد عصيد في قضايا أخطر من حرف "تيفيناغ"، ولم ننزل عن أسلوب الحوار المتعارف عليه بين العقلاء، وبالرغم من كون عصيد لم يقدم أي اعتذار للشعب المغربي بعد حديثه عن القرآن، ووصفه بأنه غير معجز وأن في الشعر الجاهلي ما يعلو على فصاحته، وأنه خضع للتحريف، وأن المسلمين لجؤوا لألاعيب الناسخ والمنسوخ والصحيح والضعيف لمعالجة تناقضات النص الديني...وكذا بعد دفاعه المستميت عن حق المبشرين في تنصير المغاربة، ورفضه القاطع لحق المسلمين في بناء مآذن لمساجدهم في الغرب بعد القرار المجحف الذي اتخذته ضدهم الدانمارك وغيرها من بلدان الغرب، كل ذلك بدعوى استغلال المسلمين لهامش الديمقراطية المتاح لهم هناك من أجل نشر المفاهيم السلفية المتخلفة لديهم بزعم السيد عصيد الذي لا يرى في الدفاع عن حرف "تيفيناغ" أي وجه من وجوه الرجوع إلى ثقافة الأجداد التي يؤاخذ عليها من يتشبث بإسلام السلف الصالح!! مع ذلك كله جادلناه بالتي هي أحسن و لم نتهمه بالكفر أو الزندقة لأن هذا يخرج عن اختصاصنا كمثقفين. كنا دائما نسمع ونقرأ عن اعتدال الحركة الأمازيغية بالمغرب وأنها حركة تقدمية ديمقراطية تؤمن بالاختلاف وتحترم الرأي الآخر، فإذا بنا نفاجأ بسيل من الاتهامات للأمين العام السيد بنكيران لمجرد إدلائه برأي لم يتبنه رسميا بعد الحزب، وإن كانت جرأة بنكيران وعفويته في طرح القضايا قد تثير خصومه وتجلب عليه بعض المتاعب التي هو في غنى عنها. لماذا لم يمتلك أحمد الدغرني شجاعة بنكيران ليقدم اعتذارا للأمة العربية والإسلامية بعد زيارته المشؤومة لإسرائيل ؟ لماذا لم يتحرك المهتمون بالشأن الأمازيغي لما زار مؤسس الحزب الأمازيغي الديمقراطي إسرائيل، وصافح المجرمة تسيبي ليفني ويدها ملطخة بدماء أطفال غزة؟!! ولنعد إلى حرف "تيفيناغ"، فنقول : الآن وقد أوشكت الأمازيغية أن تصبح لغة رسمية، من حق المغاربة أن يناقشوا الحرف الذي سيتعلم به أبناؤهم لغتهم الأم، لأنها تضع عدة إشكالات على المستوى البيداغوجي والتاريخي والواقعي، وسأركز هنا على المستوى الأول، فالطفل الذي يتعلم الأمازيغية بحرف "تيفيناغ" لا يجد داخل البيت من يراجع معه الدرس الأمازيغي أو يساعده على إنجاز التمارين لأن الأبوين سواء كانوا أمازيغيين أم لا عاجزين عن التعامل مع هذا الحرف الذي اقتحم عليهم بيوتهم من غير استئذان، فيبقى الطفل حبيس بعض الحصص اليتيمة في الفصل الدراسي دون متابعة داخل البيت، مع العلم أن ثلثي المجهود الدراسي تكون في البيت، بخلاف لو كان الدرس الأمازيغي بالحرف العربي، لأن التلميذ إذ داك سيمثل وسيطا لغويا بين المدرسة والبيت، فكم من الآباء سيغتنمونها فرصة لتعلم لغة أجدادهم التي ضيعوها لأسباب خارجة عن إرادتهم، من خلال الرسم وما تحته من اسم، فصورة بقرة تحتها كلمة "تاموكايت" ترسخ في الدهن اسم البقرة بالأمازيغية، كذلك المدرّس إما أن يقوّم التلميذ بما يستحق فيحرز نقطة متواضعة في الدرس الأمازيغي لأنه لا يجد من يساعده داخل البيت، مما قد يؤلب الأبوان على هذه المادة المضعفة للمعدل العام لطفلهما، أو يحابيه تجنبا للإثارة فينتج عن ذلك ضعف عام في مستوى استيعاب هذه المادة، وعدم التعامل معها بالجدية اللازمة. فإذا كان حرف "تيفيناغ" يقطع الصلة بين البيت والمدرسة، فإن اللغة المعيارية تقطع الصلة بين الأجيال، وكلاهما يقطع الصلة بالتاريخ والتراث الأمازيغي الذي كتب في معظمه بالحرف العربي.