من الشعارات المعبرة التي تبنتها حركة 20 فبراير وروجتها في مسيراتها طيلة أربعة أشهر "لا نريد تحسين شروط العبودية ولكن نريد أن نتحرر من العبودية" هذه هي خلاصة المطالب ولبها وجوهرها، التحرر من العبودية وليس تحسين شروط العبودية بتحسين شروط العيش والمأكل والمشرب والملبس في ظل العبودية، ما قيمة أن يكون القفص من ذهب ويوفر لك الماء والرعاية وتدلل وأنت "باز" حبيس. بداية علينا أن نعترف آن المخزن وجوقته السياسية والثقافية والإعلامية وبلطجيته، استطاعوا أن يحولوا أنظار فئة من البسطاء عن القضية المركزية، التي هي قضية الحرية والتحرر السياسي، الذي نعتبره المدخل الحقيقي للتنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي. واستطاع أن يلخص القضية في "نعم للدستور" "نعم للملك"، نفترض أننا قلنا نعم للملك، نعم للدستور، أما بعد، ها نحن قلناها منذ 60 عاما في كل مناسبة، وهللنا مع المهللين وطبلنا وزمرنا مع المزمرين، هل حلت مشاكل المغرب في السياسة والاقتصاد والإدارة والثقافة والصحة والتعليم والعدل؟ إن من يعتبر "عاش الملك" ستحل مشاكل المغرب، فهو إما أكبر ساذج وإما يريد أن يستحمر الناس ويستبلدهم. إنه منتهى الإسفاف والتبسيط أن تصير الوطنية وحب الوطن مرتبط بترديد الشعارات الفارغة الجوفاء، فمن يخرجون ليتظاهروا بشكل سلمي حضاري دون عنف ولا ترهيب ويطالبون بمحاربة الفساد ومحاربة الرشوة والمحسوبية ونهب الثروات وإصلاح القضاء والتعليم والصحة، هم من يحبون المغرب حقا ويخافون على مستقبله، إن من يطالبون بدستور شعبي حقيقي يضع المغرب على السكة الصحيحة هم من يحبون المغرب ويؤمنون به، أما هؤلاء الحزبيون المرتزقة الذي لا يعرفون المواطن إلا صوتا حين يحل موسم الانتخابات، أو أولئك المسؤولون الذين يمتلكون جنسيات أخرى ولا يعرفون المغرب إلا بقرة حلوبا تملأ أرصدتهم في الخارج، أو من يعتبرون المغاربة قطيعا تجمعه" زمارة وتفرقه زرواطة"، أو يعتبر المغاربة غير راشدين ولا ناضجين سياسيا كالأستاذ الرباح وغيره ممن "قطرت بهم السماء" البارحة فقط. لم يكن لحركة 20 فبراير مشكلة على الإطلاق مع "شخص الملك " محمد السادس فهو رجل لطيف محبوب متواضع ذو قلب رحيم، هذا ما يعرف عنه القاصي قبل الداني، وهذا ما يشهد له به حتى أشد منتقدي الملكية في المغرب ذ عبد السلام ياسين في رسالته مذكرة إلى من يهمه الأمر حين يقول:" يبدو أن العاهل الشاب ينتمي إلى هذه الطينة التي يأرق جفنها لتعاسة الفقراء، بدليل انحنائه المؤثر المتأثر على الصغير المعاق ليقبله، وعطفه على المحرومين المصطفين أمام بيته المغمورين بعطائه ورعايته... أمارات تحفز الأمل في قلوبنا ! هل يستطيع الملك الشاب، الملك الطيب الجواد". لم يطالب أحد لحد الآن بإسقاط الملكية حتى راديكاليي اليسار والعدل والإحسان ليس خوفا ولا جبنا، ولكن نضجا سياسيا ووعيا بحساسية المرحلة، وفهما لطبيعة النسيح السياسي والاجتماعي في المغرب. حركة 20 فبراير حين أعلنت أنها ضد "الملكية المؤسسة"، عنت أنها ضد الفساد المعشش في جنباتها، ضد المنتفعين بها والمتسترين بها، ضد من يريدون أن يكون المغاربة قطيعا يساق باسم الملك والملكية، الحركة أعلنت أنها ضد الانتهازيين من "مسامر المايدة" -حسب تعبير جدتي- من حزبيين فاسدين وموظفين سامين منتفعين ولوبيات اقتصادية وعائلات نافذة، من صالحها أن يبقى الحال على ما هو عليه. على الناس أن يكونوا صرحاء وشجعان حين يقولوا أن "الملكية المؤسسةّ" بشكلها الحالي إن لم تطور نفسها وتقوم بثورة ذاتية هي أكبر عائق أمام أي تحول أو تغيير حقيقي في المغرب. حركة 20 فبراير لكل منصف ولكل متأمل كانت وما تزال تريد أن تفضح المفسدين تحت رداء الملك، تريد أن تفضح من يسممون الحياة السياسية وينهبون الثروة الاقتصادية، أنها ضد هذه الإخطبوطات التي جعلت كل المؤسسات صورية وشكلية، والدليل على هذا أن الحركة لم ترفع صور الملك ولم تشر إليه بالنقد أو الاتهام، ولكنها رفعت صور الماجيدي والهمة وصور الجلادين والقتلة وسائر رموز الفساد الأخرى . إذن فهناك فرق بين من يدعو إلى تحرير المواطن ويجعله قطب أي عملية سياسية ورحاها، وأن يكون هو لا غيره مصدر التشريع ومصدر السلطات والمراقبة، وبين من يعتبر المواطن رعية قاصرا غير راشد يفعل بها المخزن ما يشاء، فرق بين من يريد وضوحا في الاختصاصات والمسؤوليات ويريد وضع حد للسيبة وللإفلات من العقاب، وبين من يريد أن ينهب ويختلس ويرتشي و يجلس المغاربة على "القرعة" بعاش الملك. كم كنا نأمل أن يكون السياسيون في المغرب ومن هم في مراكز القرار، بمستوى وطنية ونضج وتجرد مناضلي حركة 20 فبراير، وبمستوى حبهم للمغرب ووطنيتهم، وأن يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية، لكنهم للأسف أخلفوا الموعد مع التاريخ بتزويرهم لإرادة الشعب. لذا نقول لهم هنيئا لكم بدستور العبيد وكل دستور وأنتم عبيد، عبيد مصالحكم وامتيازاتكم وثرواثكم ومناصبكم وكراسيكم وأحزابكم، أما نحن ومن نعرف من المغاربة الشرفاء فسنصر على النضال حتى نصنع غد الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية في وطن يسعنا جميعا على قدم المساواة رجالا ونساء عربا وأمازيغا من طنجة إلى الكويرة. [email protected]