أربع جوائح أصابت المنظومة التعليمية في مقتل: أولها: التعريب المرتجل الذي دعا إليه تخطيط شوفيني متهافت وغير مدروس، وحماس أهوج، ورهان خاسر. وقد جاء ذلك في حمى تعريب المواد العلمية قاطبة في الأطوار والأسلاك التعليمية الثلاث ( الابتدائي والإعدادي والتأهيلي ).، وجاء من لدن حزب وطني معروف عند توليه وزارة التربية الوطنية، كان السبب الراجح في التخبط الذي تعانيه المنظومة. وثانيها: الإجهازعلى الفلسفة أي الإجهاز على الفكر الجدلي، والشك المنهجي، والنظر الاستقرائي، والعقل الاستنباطي، والمبادرة الحية، والإبداع، وفي مقدمته: السوسيولوجيا التي تعرضت إلى اضطهاد وتضييق، ومنع، وتصفية ( بول باسكون، وعبد الكبير الخطيبي تمثيلا )، وغرس بدلا من ذلك في عقول الناشئة الفكر الخرافي، وإقرائهم النصوص الأدبية التراثية المنغلقة على نفسها أي المحتفلة بالشقشقة اللفظية، والتقعر اللغوي، والمعاني الغائرة المطلسمة، ما يجعلها بعيدة، تماما، عن تطلعات التلاميذ وانتظاراتهم، ولا تحيل مطلقا، ولو بسبب واهٍ، إلى الواقع واليومي والجمال والحياة. وثالثها: الإعلاء المرضي المغرض منذ عقود، للعلوم الرياضية والفيزيائية، والطبيعية، والتنقيص " المخدوم " الجاهل من قيمة وأهمية العلوم الإنسانية والآداب، وفي طليعتها كما أسلفت: العلوم العقلية، والذوقية، والفنية، والإناسية، والثقافية. وهو ما قاد إلى استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية في حقول الرياضيات والفيزياء، والطبيعيات، والبيولوجيا، وقاد من ثمة إلى اغتناء لآلاف الأساتذة والأستاذات الذين يدرسون هاته المواد على حساب الجودة والنهوض بها بمؤسسات التعليم الحكومي العام الذي طاله الغياب والاكتظاظ، والعنف، والإهمال، والتسرب. وعلى حساب الفنون القولية، والتعبيرية والبصرية والتشنيفية السماعية من شعر ومسرح وقصة ورواية، وتشكيل وموسيقا، وفكر فلسفي، ومدونة نقدية أدبية، التي أصبح الانتماء تلمذيا وتدريسيا إلى حقولها، مدعاة للتنقيص والتبخيس، والوصم بالتخلف والانحطاط. لكن، ظلت اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية حيث هما، تحظيان بالتكريم والدعاية والاعتبار، والإلحاح على طلبهما والاستزادة منهما بالمعاهد المعدة لذلك، والمراكز الثقاقية التابعة للولايات المتحدةالأمريكية، ولإنكلترا، ولفرنسا، إذ أنهما في تقدير التلاميذ والطلبة والآباء، وأصحاب القرار، تتيحان فرص العمل والشغل والتوظيف، والاعتبار الإداري والمجتمعي. أما رابعها: فهو ما سمي بتلك التكوينات / التكاوين الأساس والمستمرة، العجيبة التي ازدردت وقتا ذهبيا معتبرا، وقبعت تجتر مرتجهات ونواتج الخواء والرداءة حيث لم يعقبها نجاح أو فلاح أو تجويد للمنظومة التربوية بالبلاد، أي أن تطبيقاتها أو وضع مخرجاتها رهن التشغيل والأجرأة، والإعمال والبلورة، أبانت عن فشل ذريع، وكشفت عن قتل فظيع للوقت، وعن تفويت لرأسمال تربوي بيداغوجي ضاع وسط الغط والولائم، والموائد الطافحة بكل ما لذ وطاب من الأكل والشراب، والتعويضات المجزية الجزافية التي ذهبت إلى جيوب الخلان والأحباب والمحسوبين على هذا المدير أو ذاك، وعلى هذا الرئيس أو ذاك. وإذاً، سيكون من العبث، ومن قبيل الكتابة على الماء، والصيحة في واد، كل كلام عن إنقاذ المنظومة التربوية مما هي فيه، من كماشة الانتهاز والابتزاز، والمحسوبية، والعلاقات التي على البال، ما لم ينتبه أولو الحزم والعزم، ذوو الضمائر المؤرقة الحية، والمواطنون الراسخون في المواطنة وحب الشعب، الحريصون على أن يكون لنا موطيء قدم تحت الشمس، المصممون على إدراج البلاد في أتون التحولات والتطورات، وأفق الحداثة والعدالة الاجتماعية والمساواة، والنهوض الحضاري من خلال تنمية شاملة ومستدامة مركزيا وجهويا وإقليميا، إلى القطع المبدئي والفوري استحضارا واستدخالا لمعنى المصلحة العليا للوطن مع الأثافي الأربع التي ذكرت، وإن كنا نعلم ففي أدبيات الأنتربولوجيا أن الأثافي ليست سوى ثلاثة