المغرب حاليا ينخرط بقوة في دينامية رائدة للتجديد والتنمية، كما أنه يتوجه رأسا نحو المغرب الديمقراطي المأمول. ولكن السؤال المطروح بإلحاح، كيف لنا أن نكسب رهانات المستقبل وتجاوز الأعطاب ومازال لدينا مسؤولون لا يدركون حجم رهان مكافحة الهشاشة الاجتماعية، الفكرية وكذلك السياسية؟. بل إن فساد بعض المسؤولين يحول دون تجديد النظر في مفهوم وممارسات حقوق الإنسان، التي ليست ترفا نظريا، وإنما ضرورة اجتماعية من أجل مغرب متقدم. كإنسانة حالمة ومدركة ربما للتحديات التي يعيشها مجتمعنا المغربي، أتمنى خلال جيلين في أفضل الحالات، أو ثلاثة أجيال، أن نصنع مجتمعا حداثيا متشبعا بالقيم الإنسانية يطبق مبدأ المساواة بين الجنسين في السلوكيات اليومية. الحمولة الإستراتيجية لانضمام المغرب رسميا إلى الاتحاد الإفريقي تملي علينا تعزيز الإصلاح الديمقراطي؛ لذلك أصبح من قبيل المستعجل والملح أن يعاد طرح إشكالية حقوق الإنسان، والنخبة المثقفة والمفكرة هي المؤهلة لتحقق هذا الرهان. نحن الجيل المخضرم، أي الجيل الذي عايش نموذج الإنتاج والاستهلاك الصناعي، ويعايش الاستهلاك المعلوماتي، يجب أن نواجه إرهاصات تسلطية السوق العالمية الواحدة. أمام غياب ضمير بعض المسؤولين، وفي ظل فخ العولمة، تصبح المثل التي ينبني عليها سلم القيم غير أخلاقية أو دينية، بل تقنية ابتكارية. وتصبح الفلسفة البراغماتية النفعية هي التي تحتل مركز الصدارة، لذلك وجب علينا الإدراك الواعي والعقلاني لمفهوم العولمة تمييزا بين الإيجاب والسلب. نحن نعيش إرهاصات السلطة التي تمارسها العولمة علينا. وتصبح الفلسفة البراغامتية النفعية هي التي تحتل مركز الصدارة. الواجب الملقى على كاهلنا هو تطبيق ثقافة مغايرة مبنية على المعرفة والتقييم الموضوعي الذي يتصدى لإصدار الأحكام على الثقافات، بل يقدرها ويقتبس ما هو إيجابي منها. هذا ما يجب لتتشكل القواسم المشتركة بيننا وبين ثقافة إفريقيا الشمالية. يجب استغلال فرص الانفتاح ومواجهة تحدياته وتجنب مخاطره والمضي في مقاربات جديدة بهدف التموقع الجهوي والعالمي. وكما يقول المثل: "لا فرق بين خيانة الضمير وخيانة الواقع إلا التنفيذ"..الفجوة العميقة بين النظر والتطبيق، بين النية والممارسة، أصبحت جلية وواضحة للعيان، فمعظم المسؤولين يعانون من غياب الضمير وازدواجية السلوك، ما يخلق أعطابا جسيمة داخل المجتمع.. أصبحت الازدواجية جزءا لا يتجزأ من شخصيتهم، كأن أداتي العلم والمعرفة لم يفلحا في تهذيب فكرهم وترقية سلوكهم. انشغال العديد من المثقفين العرب في افتعال معارك فكرية خالية من أي مضامين حقيقية جعل الساحة الثقافية تفتقر إلى نتاج فكري يعتبر مرجعا قويا تستفيد منه الأجيال القادمة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم تجاوزه إلى المواقف السياسية. فالدوافع الشخصية، الواعية وغير الواعية هي التي تحدد إلى مدى بعيد المواقف التي يتخذها الأفراد على المستوى السياسي وغيره. ومن خلال المتابعة لأدبيات العولمة، وتعدد تعريفاتها وتباين الآراء حول مفهومها، يتضح أن هناك من ينظر إليها على أنها عملية تطور طبيعي تلقائي تشير إلى زيادة الترابط التدريجي للعالم، وضمن هذا التعريف يكون لثورة الاتصال المبنية على الثورة العلمية دور فاعل. بمعنى أن العولمة هي تطور تلقائي لا دخل فيه للقوى السياسية السائدة والمهيمنة على العالم. وفي السياق نفسه يقول برهان غليون: "إن العولمة هي تطور في سياق التطورات والمراحل التي تمر بها الإنسانية"، ويضعها في سلم التدرج التاريخي عندما يعتبرها "تطورا طبيعيا للحضارة منذ أقدم الحقب التاريخية التي شهدت الثورات والانتقالات التقنية من الثورة التقنية الأولى المسماة العصر الحجري، فالعصر الحديدي فالزراعي، والتي بدأت عدة آلاف من السنين قبل الميلاد". ولكي نكسب الرهانات المستقبلة يجب استغلال فرص الانفتاح ومواجهة تحدياته وتجنب مخاطره والمضي في مقاربات جديدة بهدف التموقع الجهوي والعالمي، تخلق لنا مجتمعا أفراده يتمتعون بحالة نفسية جيدة، ويتقبلون أفكار الآخرين، ويشرعون نوافذهم للآراء المغايرة دون تعصب أو عنصرية؛ لذلك لا بد من القضاء على آفة الازدواجية. تطبيق الواجب واحترام المسؤولية في تقلص. والضمير الفكري والأخلاقي يعتبر شرطا ومحددا للوحدة التربوية للإنسانية. والتنوع ليس مجرد واقع داخل المجتمع المغربي، ولكنه قيمة يجب أن تحترم بشكل متبادل، ورفضها معناه إفقار الحضارة. يجب أن نتخذ صيغة ثقافية منفتحة لتحرير الوعي الاجتماعي، والحيلولة دون السقوط من جديد في فخاخ الهيمنة كيفما كان لونها ونوعها، وخاصة الهيمنة الثقافية.