تفاجأ نائب برلماني في دولة صديقة بأن مبادرة له قد أجهضت بفعل فاعل ، كلا لا يتعلق الأمر بمبادرة تشريعية ولا باستعمال آلية رقابية لمحاسبة الحكومة أو استجواب وزير من وزرائها ،بل بتصريح علني ،ليس بالممتلكات ولكن تصريح رمزي بكونه يهيم حبا بكل زملائه النواب والسادة الوزراء ويدعوهم لنبذ كل شقاق وإشاعة مشاعر الحب والود في تعاملهم مع بعض . النائب النبيه انتهز مصادفة انعقاد الجلسة البرلمانية مع حلول يوم عيد الحب ليوزع قبل دخول النواب قاعة الجلسات وردة يانعة في مكان كل منهم ، غير أن فرحته بالمبادرة لم تكتمل حيث اكتشف بعد أن استقر الجميع في مقاعدهم وانطلقت الأشغال أن كل الورود التي تجشم عناء اقتنائها وتوزيعها قد صارت في علم الغيب بعد أن طاف عليها طائف …مع ذلك لم ييأس صاحبنا مع إذ انبرى مطالبا بالكلمة ليعبر عن حسرته لما وقع مفصحا عن حوافز مبادرته اللطيفة الداعية إلى جعل مشاعر الحب فوق كل اختلاف أو خلاف .. من حقنا أن نتساءل هل تستطيع مثل هذه المشاعر الرومانسية أن تجد لها موطئ قدم في سوق السياسية الصاخب ؟ أتستطيع اضطرابات الطقس الديموقراطي أن تصطلي بجذوة ود دافئ تذيب نوازع الاندفاع وتحطم أسوار التعصب المقيت؟ في كثير من برلمانات العالم تشهد المواجهات أحيانا حدة تتجاوز تبادل الكلام المؤذي إلى الاتهام والسباب ومرات أخرى تبلغ حد التشابك بالأيدي وكثيرا ما رأينا قاعات البرلمانات وقد تحولت إلى حلبات ملاكمة في مس صارخ باللائحة والأنظمة وبقيم الحوار الديموقراطي الحضاري . ألهذا الحد تدفع غيرة ممثلي الشعوب ودفاعهم عن مصالحها إلى شحذ وسائل التعارك بمختلف أنواعها ؟ متى تتمكن السياسة من التعايش مع عواطف الاحترام والتقدير المتبادل ؟ ولماذا تصر السياسة على التنكر في أردية النفاق والمجاملات وتكر دوما عن الأنياب والمخالب والدسائس ؟ إذا كانت خدمة الصالح العام كما يدعي ذلك كل السياسيين، هي ما يحركهم للترشح والتسابق لولوج المؤسسات المنتخبة وهيئات التشريع والحكومات وقيادة الأحزاب السياسية ، فهل من الضروري أن يجنح التنافس إلى ركوب وسائل إشاعة الضغائن والشائعات والتنابز ؟ ألا يستطيعون أن يختلفوا برحمة وتراحم ويحترموا على الأقل القواعد التي وضعوها لأنفسهم في تدبير تسابقهم لخدمة الشعب كما يدعون ؟ رسالة النائب الشاب وقد وزع الورود يوم عيد الحب كانت بليغة في الرد على مثل هذه التساؤلات تعبيرا عن أماني رومانسية دون شك ، واختفاء الورود من قاعة الجلسات كانت أفصح منها تعبيرا عن حقيقة واقعية ، فإلى متى تظل السياسة عصية على الحب ؟