عامل إقليم الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبا عاما جديدا للعمالة    القضاء يرفض تأسيس "حزب التجديد والتقدم" لمخالفته قانون الأحزاب    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الأخضر    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    الجيش يطرح تذاكر مباراة "الكلاسيكو" أمام الرجاء    منظم للهجرة غير النظامية في الحسيمة يسقط في شباك الأمن    باخرة البحث العلمي البحري بالحسيمة تعثر على جثة شاب من الدار البيضاء    كيوسك الجمعة | المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية يفي بجميع وعوده    المندوبية السامية للتخطيط تعلن عن ارتفاع في كلفة المعيشة مع مطلع هذا العام    المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية في مؤشر القوة الناعمة    انتخاب المغرب رئيسا لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    نتنياهو يأمر بشن عملية بالضفة الغربية    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    توقعات أحوال الطقس ليومه الجمعة    الولايات المتحدة تبرم صفقات تسليح استراتيجية مع المغرب    إسرائيل تتهم حماس باستبدال جثة شيري بيباس وبقتل طفليها ونتانياهو يتعهد "التحرك بحزم"    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    عامل إقليم الجديدة و مستشار الملك أندري أزولاي في زيارة رسمية للحي البرتغالي    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    محامون: "ثقافة" الاعتقال الاحتياطي تجهض مكتسبات "المسطرة الجنائية"    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    تطوان تستعد لاستقبال الملك محمد السادس وسط إجراءات مكثفة    حادثة سير مميتة على الطريق الوطنية بين طنجة وتطوان    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    "مطالب 2011" تحيي الذكرى الرابعة عشرة ل"حركة 20 فبراير" المغربية    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    بلاغ: تفكيك خلية إرهابية وحجز أسلحة بالرشيدية    السلطات تحبط محاولة نواب أوربيين موالين للبوليساريو دخول العيون    انتخاب سلمي بنعزيز رئيسة لمنتدى رؤساء لجان الخارجية بالبرلمانات الإفريقية    جمعية بيت المبدع تستضيف الكاتبة والإعلامية اسمهان عمور    الجيش الملكي يواجه بيراميدز المصري    أهمية الحفاظ على التراث وتثمينه في صلب الاحتفال بالذكرى ال20 لإدراج "مازاغان" ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو    مجموعة أكديطال تعزز شبكتها الصحية بالاستحواذ على مصحة العيون ومركز الحكمة الطبي    حكومة أخنوش تتعهد بضمان تموين الأسواق بجدية خلال رمضان    محكمة إسبانية تغرّم لويس روبياليس في "قبلة المونديال"    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    شمس الدين طالبي يغير جنسيته الرياضية استعدادًا لتمثيل المغرب    سينما المغرب في مهرجان برلين    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتكار الثروة والسلطة بالمغرب .."سْواسة" يقتفون خطى "فْواسة"
نشر في هسبريس يوم 15 - 02 - 2017

لم تكن التجربة الاستعمارية بالمغرب تجربة سياسية أو عسكرية فقط، بل اكتسبت أيضا طابعا اقتصاديا محضا. وكثيرا ما يتم التغافل عن هذا الجانب وسط زحمة العديد من المعارك العسكرية والنضالات السياسية والحزبية. وشكلت الموانئ المغربية محطة انطلاق للغزو الاقتصادي الفرنسي، قبل أن تشكل في ما بعد محطات نزول القوات العسكرية وانطلاقا للعمليات الحربية.
ومن ثمة فإن المشروع السياسي للماريشال ليوطي قام إلى جانب نقاطه السياسية والعسكرية على إشراك النخب الاقتصادية المغربية وعلى رأسها بالطبع النخبة الفاسية؛ ما تولد عنه تحالف بين هذه النخبة وبين الإدارة الاستعمارية، يمكن رصدها في ثلاث مراحل:
1 – مرحلة المشاركة التي استمرت من 1912 إلى 1920.
2 – مرحلة الاحتجاج التي توسطت 1921 و1934.
3 – مرحلة القطيعة التي بدأت في أواخر الثلاثينات وتكثفت في الأربعينيات والخمسينيات.
ولعل هذه المرحلة الأخيرة هي التي شهدت وعي النخبة الفاسية بضرورة التخلص من هيمنة رجال الأعمال الفرنسيين الذين كونوا ما سمي "الباطرونا"، والذين ضربوا حصارا على مختلف الفعاليات الاقتصادية غير الفرنسية، سواء الأوربية منها أو المحلية، وحاولوا خنق مختلف النشاطات التي كانت تمارسها النخبة الفاسية، بالإضافة إلى الفئات التجارية السوسية التي بدأت بدورها تعاني من احتكار "الباطرونا الفرنسية" لقنوات التوزيع الاقتصادي والتجاري داخل المغرب.
لذا، فإن سنة 1944 لم تشكل فقط تأريخا للمطالبة بالاستقلال السياسي، بل كانت تعكس وعي النخبة الفاسية بمصالحها الاقتصادية التي توسعت من جراء ظروف الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تعمل الباطرونا الفرنسية بمساعدة من الإدارة الاستعمارية الفرنسية على التقليص منها والحد من توسعها، إلى جانب تهديد مصالح السوسيين الذين استفادوا من وضعية الحرب وبدؤوا في تنمية مشاريعهم الاقتصادية والتجارية.
ومن ثمة، فقد اضطرت النخبة الفاسية والفئات السوسية لمواجهة الإدارة الاستعمارية، فتمحورت أعمال الأولى على العمل السياسي؛ في حين كان رد فعل الثانية أكثر راديكالية، إذ تبنى أغلب أفرادها فكرة العمل المسلح، وقام بعضهم بتوريد السلاح والدعوة إلى المقاومة المسلحة.
غير أنه بمجرد الحصول على الاستقلال طفح إلى السطح التنافس الاقتصادي بين ثلاث نخب رئيسية في البلاد: النخبة الفاسية، النخبة اليهودية والنخبة السوسية. لكن هذا التنافس الثلاثي سرعان ما سيتحول إلى تنافس ثنائي بعد 1962، بين كل من النخبة الفاسية والنخبة السوسية التي كانت تستشعر هيمنة الفاسيين كخطر يهدد مصالحها، لاسيما وأنها كانت تحس ضعفا في تكوينها كنخبة قوية اقتصاديا ومنسجمة سياسيا وتنظيميا، ما سيجعلها تعمل على تدارك هذا الأمر من خلال تدعيم نفوذها الاقتصادي، وبلورة هويتها السياسية، وخلق إطارها التنظيمي:
1 – تدعيم النفوذ الاقتصادي
الوضعية الاقتصادية للفئات السوسية التي تميزت بضعفها النسبي بالمقارنة بالنخبة الفاسية جعلتها تركز على تدعيم نفوذها الاقتصادي، وذلك من خلال اكتساح المجال الاقتصادي المغربي ثم العمل على ضبطه وتسييره:
أ – اكتساح المجال الاقتصادي:
اتخذ هذا الاكتساح شكلين أساسيين: التوسع المجالي ثم التمركز داخل هذا المجال:
- التوسع المجالي:
عرف جنوب المغرب وبالأخص منطقة سوس عدة هجرات بشرية نحو داخل البلاد؛ وذلك قبل التدخل الفرنسي، لكن التغيرات والهزات التي أحدثها الاستعمار الفرنسي داخل البنيات الاقتصادية الاجتماعية المغربية جعلت الهجرة السوسية تكتسي طابعا متميزا وتتحرك وفق منطق خاص، يقوم بالأساس على تنقل اقتصادي وبشري منظم يشبه إلى حد بعيد "اكتساحا مرابطيا أو سعديا" لأطراف المغرب. وهكذا كانت هجرة التجار السوسيين إلى داخل البلاد تتمحور حول مدن اقتصادية معينة (مراكش، الرباط، طنجة..) في مستهل الثلاثينيات والأربعينيات من القرن 20، لتتوجه في ما بعد "للقلعة الاقتصادية الكبرى"، الدار البيضاء، التي كانت قبلة كل النخب الاقتصادية المغربية المهمة، كالنخبة الفاسية والنخبة اليهودية...وشكلت مجالا للتنافس بين مختلف هذه النخب.
ومن ثمة، يمكن القول إن هجرة التجار السوسيين إلى المدن الرئيسية في البلاد، لتنتهي في آخر المطاف إلى الدار البيضاء، كانت نوعا من الغزو الاقتصادي الذي كان يضاهي في عدة جوانب الحملات السياسية والعسكرية التي كانت تنطلق من منطقة سوس، بالإضافة إلى أنها كانت تتحرك وفق أهداف اقتصادية وفكرية معينة، يلعب فيها التضامن العائلي والقبلي دورا أساسيا.
- التمركز المجالي:
إن الانتشار الجغرافي للتجار السوسيين داخل البلاد، وبالأخص بالدار البيضاء، كان ذا بعد مجالي واضح يتجسد في اختيار قطاعات اقتصادية معينة ثم العمل على إنشاء نقاط تجارية تنتشر شيئا فشيئا لتشمل القطاع كله.
وهكذا يمكن القول إن جهود التجار السوسيين قد انحصرت في البداية على قطاع التوزيع، وعلى الاستحواذ على نقاطه الإستراتيجية، والتي يمكن إجمالها في المحاور التالية:
1 – توزيع المواد الغذائية والتموينية.
2 – قطاع النقل والمواصلات البرية.
3- قطاع توزيع الوقود.
4 – القطاع الفندقي.
ومن الملاحظ أن مختلف هذه القطاعات، بغض النظر عن مضمونها الاقتصادي الواضح، تكتسي طابعا مجاليا خاصا، إذ إن احتكار قطاع توزيع المواد الغذائية هو قبل كل شيء عملية استيلاء على المجال التجاري من خلال خلق عدة حوانيت ودكاكين لتجارة التقسيط، في حين أن قطاع النقل هو سيطرة على طرق تجارية، بينما قطاع توزيع الوقود هو زرع لعدة محطات للبنزين داخل مجال توزيع الوقود، والملاحظة نفسها تصدق على القطاع الفندقي.
إذن فالأمر لا يتعلق بالسيطرة على قطاعات اقتصادية ذات أرباح هامة نسبيا فقط، بل يتعدى ذلك ليصبح اكتساحا لمجال اقتصادي معين والتحكم في منافذه الرئيسية، ما يكشف ميكانيزمات "العقلية الاقتصادية" التي حركت دائما التجار السوسيين في عملية تقوية نفوذهم الاقتصادي، والتي ارتكزت بالأساس على :
– التقشف المعيشي.
– البحث عن الربح.
- التسيير العائلي للمشروع الاقتصادي.
– التضامن المالي العائلي.
ولعل هذه العقلية بمختلف معطياتها هي التي ساعدت رجال الأعمال والتجار السوسيين على تنظيم وضبط مجالهم الاقتصادي:
ب: تنظيم المجال الاقتصادي:
لقد قام هذا التنظيم على مراعاة ضمنية لبعض الشروط الأساسية، منها: عدم التنافس، والتنظيم والتضامن.
فرغم أن قطاع التجارة يقوم على المنافسة الحادة، فإن التجار السوسيين، انطلاقا من تجارب خاصة، عملوا على تجنب أي منافسة تجارية مدمرة من خلال تقسيم ضمني للقطاعات التجارية بينهم، يقوم على شبه "تخصص قبلي" في قطاع من القطاعات، وعلى تمركز جغرافي منفرد داخل القطاع نفسه.
ولعل نجاح هذه العملية يرجع بالأساس إلى معطيين أساسيين، يكمنان في أن نجاح أعضاء قبيلة ما من قبائل سوس في قطاع معين يفضي إلى تحرك مختلف أعضاء القبيلة نفسها للاشتغال بالقطاع نفسه، سواء عبر التناوب العائلي على النشاط التجاري أو فتح مشاريع مشابهة في أماكن أخرى؛ في حين أن المعطى الثاني يتجسد في أن المنافسة الرئيسية للتجار السوسيين قد انصبت على منافس مشترك، وهو "التاجر الفاسي"، ما كان يخفف بالطبع من حدة المنافسات الداخلية بينهم ويجعلها تتوجه إلى "الآخر"، ما يكشف طبيعة العقلية التي تحرك السلوك التجاري للنخبة السوسية، إذ تقوم على "تجاوز الخلافات القبلية الداخلية للتضامن ضد الأجنبي"، الذي يتمثل في النخبة التجارية الفاسية.
2 – التنظيم التجاري
لقد أحس التجار السوسيون بضرورة خلق نظام تجاري محكم تقتضيه طبيعة القطاع التجاري الذي يقوم بالأساس على التيقظ المستمر، وسرعة المعاملات وتنظيمها؛ ولعل خبرتهم الطويلة في هذا الميدان ساعدتهم على مزاولة نشاطهم بشكل فعال، في حين أن طبيعة المنافسة التجارية (خصوصا الفاسية) كانت تتطلب هذا التنظيم. وقد تجلى ذلك بالخصوص في بداية مزاولة السوسيين لنشاطهم التجاري في قطاع توزيع المواد الغذائية؛ إذ إن نجاحهم في هذا القطاع، والذي ارتبط بهم بشكل غريب، لا يرجع إلى نسبة عددهم داخله، بل إلى مستوى تنظيمهم المحكم، سواء في ما يخص التناوب على مزاولة النشاط التجاري أو في تقسيم العمل التجاري بينهم.. ولعل هذا التنظيم هو الذي دفع بعضهم إلى الاشتغال في قطاعات أخرى أكثر تطورا، مستندين في ذلك دائما إلى:
٭ التسيير العائلي للمشروع الاقتصادي.
٭ التجديد الدائم للمشروع الاقتصادي.
3 – التضامن التجاري
إن روح التضامن القبلية التي تحرك العقلية الاقتصادية السوسية كثيرا ما دفعت التجار السوسيين إلى التضامن في ما بينهم. وقد تجلى ذلك بالأساس في أن كل وافد سوسي جديد إلى المدينة يشتغل في نفس المشروع العائلي، أو لأحد أبناء القبيلة، ليستقل في ما بعد بمشروعه الاقتصادي الخاص، وليقوم بنفس العمل تجاه أفراد عائلته وأبناء عمومته. والإقبال على هذه الطريقة لا يرجع فقط إلى تضامن عائلي وقبلي محض، بل أيضا إلى التكاليف الرخيصة التي تترتب عن تشغيل يد عاملة رخيصة ووفية، وبالتالي فإن الاستغلال الاقتصادي كثيرا ما يتخذ بعدا أبويا وقبليا يخفف من حدة علاقات الاستغلال.
إلى جانب ذلك ينصب التضامن بين التجار السوسيين على إقراض بعضهم بعضا، خصوصا في فتح المشاريع الاقتصادية الصغيرة التي كثيرا ما تكون ضرورية للانطلاق وتنمية المشاريع الكبرى؛ ذلك أن عملية الإقراض هذه تتجاوز كثيرا الإجراءات البيروقراطية وتعقيدات المسطرة الإدارية والتقنية التي تقوم عليها الأبناك ومؤسسات القرض، ما يسمح بالتوسع في المشاريع الاقتصادية المستقلة وتشجيع روح المبادرة لدى الأفراد، الشيء الذي جعل النخبة السوسية أكثر انفتاحا على التطورات الاقتصادية الدولية وأكثر تشبثا بتحديد الهياكل الاقتصادية الوطنية.
ولعل مختلف هذه المعطيات قد أتاحت للتجار السوسيين "تطورا اجتماعيا سريعا، وجعلتهم بواسطة التجارة يحتلون مكانة بارزة جنب العائلات الارستقراطية الكبرى التي مارست بشكل وراثي هيمنتها على الإدارة المخزنية والتجارة الكبرى، بحيث حقق بعض السوسيين ثروات طائلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما استفاد بعضهم من توجيه الدولة ليحتل مكانة مرموقة داخل الطبقة الوسطى المغربية الصاعدة والديناميكية".
ما يعزز هذا القول البحث الذي قامت به إحدى الشركات الأمريكية (Novaction) المتخصصة في الأبحاث والدراسات المستقبلية حول عقد مقارنة اقتصادية بين النخبة السوسية والنخبة الفاسية، والتطور الذي عرفته الأولى على حساب الثانية في مختلف القطاعات الاقتصادية الرئيسية:
(الجدول مقتبس من مجلة لاماليف رقم 117 – يونيو- يوليوز 1980)
وعلى ضوء هذا الجدول خلصت الشركة الأمريكية إلى أن النخبة السوسية قد تجاوزت منافستها الفاسية في قطاع الصناعة الغذائية، وتساوت معها في قطاع الخدمات، وتطاردها في قطاع الصناعة الخفيفة والثقيلة. وأمام هذا التطور تبدو النخبة الفاسية جامدة سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي.
2 – بلورة هوية سياسية:
شكلت مرحلة ما بعد الاستقلال فترة هيمنة النخبة الفاسية سواء على المستوى السياسي أو الإداري؛ ذلك أن أغلب كبار التجار الفاسيين كانوا يتقلدون وظائف قيادية داخل حزب الاستقلال ويؤثرون على قرارات هذا الحزب نظرا لتمويلهم له، في حين قاموا بتأسيس الاتحاد المغربي للصناع والتجار والحرفيين في مارس 1956، وأسندت رئاسته إلى أحد أعضاء النخبة الفاسية. إلى جانب ذلك استطاعت النخبة الفاسية أن تتمركز داخل أهم المناصب الحساسة في الجهاز الاقتصادي للدولة، ما وفر لها عدة امتيازات اقتصادية ومالية زادت من نفوذها الاقتصادي جعلها تفكر في الحد من نشاط مختلف النخب الاقتصادية المنافسة، وعلى رأسها بالطبع النخبة اليهودية والنخبة السوسية. ولعل إحساس هذه الأخيرة بضغوط الهيمنة الفاسية أفضى بها إلى بلورة عدة أساليب ومواقف استطاعت بها الدفاع عن نفسها ومحاولة إثبات ذاتها:
أ – الدفاع عن الذات والاحتجاج السياسي:
إن المنافسة الاقتصادية بين النخبة الفاسية والنخبة السوسية كانت لها عدة انعكاسات سياسية، فبالإضافة إلى الإستراتيجية السياسية المختلفة التي ساندتها كل واحدة منها في مواجهة الإدارة الاستعمارية، تجسدت هذه المنافسة داخل حزب الاستقلال الذي كان في نظر النخبة السوسية "حزبا فاسيا" يكرس المصالح الاقتصادية للنخبة الفاسية، وبالتالي استغلت الظروف الداخلية التي كان قد عرفها الحزب في 1958 فنزلت بكل ثقلها من أجل الانشقاق وإضعافه، إذ كان في إضعافه إضعافا لمنافستها، في حين عملت على تشجيع تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كحزب معارض ليس فقط للمؤسسة الملكية، بل بالأساس للهيمنة الفاسية التي تجسدت في نظرها في هيمنة الفاسيين على دواليب حزب الاستقلال. وهكذا انسحب أعضاء النخبة السوسية من حزب الاستقلال للتخلص من هيمنة منافسيهم السياسية، واحتجاجا عن هيمنتهم الاقتصادية والامتيازات الاقتصادية التي يتمتعون بها.
وقد رافقت هذه الخطوة الأولى قيام بعض رجال الأعمال السوسيين بالعمل على رئاسة الغرفة التجارية بالدار البيضاء، مفوتين الفرصة على منافسيهم الفاسيين الذين حاولوا في مستهل الستينيات السيطرة على هذا الجهاز واستغلاله لمصلحتهم.
كما أن التجار السوسيين لم يعملوا فقط على تشجيع الانشقاق داخل حزب الاستقلال، بل ساندوا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في كل تحركاته السياسية، فعملوا على تقوية موقعه داخل الغرفة التجارية بالدار البيضاء، واستغلوا شبكتهم العلائقية والزبائنية في ضمان انتصاره الانتخابي في عدة مدن مغربية وبالأخص في منطقة سوس.
وقد استمرت مساندة النخبة السوسية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية طيلة المدة التي كانت تحس بأنه يعبر عن وضعها الاقتصادي ويترجم سخطها تجاه منافستها. لكن بحلول 1963 بدأت هذه النخبة تحد من تشجيعها اللامشروط للحزب، نظرا لسياسة هذا الأخير الراديكالية ونظرا لبعض التنازلات التي قدمها النظام لها، ما حول وضعها الاقتصادي وبلور موقفا سياسيا مخالفا.
ب إثبات الذات والمساندة السياسية:
شهدت بداية السبعينيات إحساس النخبة السوسية بتزايد نفوذها الاقتصادي وبلورة موقف سياسي تجسد في التحالف الجديد بين النظام وهذه النخب، وتمثل بالأساس في الزيارة الملكية إلى أكادير في 1971. ولعل هذه الزيارة كانت نتيجة مسلسل من التقارب السياسي بين الطرفين، إذ إن النظام كان محتاجا لخلق توازن بين النخب الاقتصادية والحد من هيمنة النخبة الفاسية، في حين رأت النخب السوسية فرصة لبروزها السياسي والاقتصادي. وسيزداد هذا التقارب بعدما اتخذ النظام عدة إجراءات اقتصادية، كان من أهمها مغربة قطاع التجارة، وقطاع المهن الحرة، ما قوى من المكانة الاقتصادية التي كانت تحتلها النخبة السوسية داخل الرقعة الاقتصادية المغربية (Echiquier économique marocain)، وأفضى إلى بلورة موقف سياسي تميز بالأساس، "بالاستقلال والحياد". ويمكن إجمال هذا الموقف في عنصرين أساسيين:
1 – عدم التحزب:
في الانتخابات التشريعية لعام 1977 تميزت الحملة الانتخابية للمرشحين السوسيين بتبني موقف حر ومستقل ورفض الانضمام إلى أي حزب من الأحزاب السياسية المغربية التي تم انتقادها بعنف من طرف المستقلين السوسيين، إذ أوضح المرشح السوسي لدائرة أيت باها أن "كل منتخبي 1963 المنتمين إلى الجماعات السياسية لم يكونوا في الواقع إلا منفذين لسياسة أحزابهم، ذلك أن كل ما تحقق من إنجازات داخل منطقة سوس كان بمبادرة من مهاجري الإقليم...".
2 – الضرب على الوتر السوسي:
تركزت الحملة الانتخابية أيضا على التأكيد على الهوية السوسية بكل مقوماتها الجغرافية، الفكرية والتاريخية، وقد برز ذلك من خلال ما صرح به الدكتور أحمد رمزي، الذي كان المنافس الانتخابي لعبد الرحيم بوعبيد، الأمين العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في منطقة أكادير: "سوس أنتجت ومازالت تنتج الرجال. بعدما أعطيت الزعامة للآخرين جاء الوقت ليتسلمها السوسيون. إن سوس تشترك بشكل كبير في تنمية البلاد بواسطة الديناميكية وروح المبادرة التي كانت تطبع هذه المنطقة، لكن تمثيلها السياسي مازال لا يتوافق وقوتها الاقتصادية. لقد جاء الوقت ليتم التعبير عن هذه المنطقة من خلال ثوابتها التاريخية، الجغرافية والثقافية."
وقد تجندت النخبة السوسية بمختلف فعاليتها للعمل على انتصار "أبناء الإقليم"، وخاصة في إطار المنافسة الانتخابية بين السكرتير العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والدكتور أحمد رمزي، الذي كان مرشحا مستقلا، لتمثيل الدائرة الانتخابية لمدينة أكادير. وقد تم الاستناد لأجل إنجاح الممثل المستقل على ميكانيزم "التضامن السوسي" في مواجهة الأجنبي، استغلت فيه كل العلاقات الزبونية والتضامنية التي تجمع بين التجار الكبار ورجال الأعمال بالدار البيضاء، في حين تم توظيف تكتيك سياسي خاص يرمي إلى تجاوز كل المنافسات بين أبناء الإقليم، ثم العمل على الحصول على الدعم الشعبي لممثلي الإقليم المستقلين.
وعموما فإن هذه الانتخابات وما تمخض عنها عن حملات سياسية كانت تعكس بشكل واضح تقوي النخبة السوسية وبلورتها لهوية سياسية مستقلة ستعمل على تأطيرها فكريا وتنظيما.
3 خلق إطار تنظيمي:
من المعروف أن بولنتزاس ربط بين وجود الطبقة وخلقها لتنظيمها السياسي، في حين أن هذه الظاهرة يمكن تعميمها على مختلف الشرائح الاجتماعية (طبقة، فئة، نخبة...)؛ ذلك أن الوعي بالمصالح المشتركة غالبا ما يفضي إلى وعي سياسي يبلور في إطار تنظيمي بمختلف أبعاده السياسية، النقابية أو الثقافية. وهذه العملية غالبا ما تعرف عدة تطورات تستغرق وقتا معينا يتحدد بدينامية نخبة ما داخل الهيكلة الاجتماعية التي أفرزتها.
من هنا تنطبق سيرورة هذه العملية على مختلف النخب المغربية بصفة عامة، وعلى النخبة السوسية بصفة خاصة، التي عملت على تطوير أساسها الاقتصادي الذي بلور وعيا سياسيا وفكريا وجد إطاره التنظيمي في جمعية إيليغ:
أ – إيليغ والتشبث بالهوية الإقليمية:
منذ 1965 بدأت النخبة السوسية تبلور وعيا فكريا يستند في مقوماته الجوهرية على التشبث بالمعطى الإقليمي. وقد تجسد ذلك بالخصوص في إطار الحملة الانتخابية التي قادها مرشحو إقليم السوسيين وتجنيد كل الفعاليات الجهوية حول هذا المعطى. لكن في مستهل الثمانينيات، وفي إطار المناخ السياسي العام الذي شجع على خلق عدة تنظيمات ثقافية، تم تأسيس جمعية إيليغ للتنمية والتعاون في 6 شتنبر 1986.
لكن ما تنبغي الإشارة إليه أن بلورة هذا التنظيم قد أتى متأخرا نوعا ما، إذ بخلاف النخبة الفاسية التي أفرزت منذ العشرينيات عدة كوادر سياسية وثقافية ساهمت في بلورة وعي متجانس لهذه النخبة، فإن النخبة السوسية افتقرت إلى كوادر محلية نتيجة لأن المنطقة السوسية حرمت من تجهيز تعليمي قار بعدما ركدت بنياتها التعليمية التقليدية، ما حرمها طويلا من تقلد وظائف سياسية وإدارية داخل دواليب الدولة، وجعلها تعتمد على تنظيمات سياسية خارج الإقليم، كالاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ذلك أن تعاطف النخبة السوسية مع هذا الحزب لا يرجع فقط إلا أنه كان منافسا لحزب الاستقلال المتعاطف مع النخبة الفاسية، أو لأن أحد أعضائه القياديين كان وزيرا سابقا، بل يرجع أيضا إلى افتقار محرج لكوادر سياسية أو ثقافية يمكن أن تعبر عن طموحات النخبة السوسية. إذن فجمعية إيليغ تشكلت لتوافر عدة عوامل مساعدة:
1 – تشكل كوادر سياسية وثقافية محلية.
2 – حصول تمايز اجتماعي كبير بين الشرائح السوسية (الفقيرة منها والغنية).
3 – الظرف السياسي الملائم الذي شهد تشكل عدة جمعيات ثقافية بتشجيع من النظام .
ورغم أن الجمعيات الثقافية التي تكونت من طرف أعيان نخب بعض المدن المغربية تتشابه في تشبثها بهوية إقليمية تتجسد في اسم لنهر أو جبل معين (الأطلس الكبير، أبو رقراق...) أو لمدينة معينة (فاس، الرباط، البيضاء...) فإن النخبة بلورت تشبثها بهوية إقليمية ذات دلالة تاريخية وفكرية متجذرة ارتبطت الأولى بمنطقة إيليغ، والثانية بإرث فكري خاص يظهر من خلال التأكيد التالي: "إن الموقع الممتاز الذي تحتله بادية "إليغ" وما شابهها إلى حدود الصحراء المغربية، وما شهدته هذه المناطق قبل غيرها، من دعوات للجهاد وتأكيد على عناصر الوحدة ورفض للمحاولات الاستعمارية التجزيئية، دفع كل ذلك بالمختار السوسي... إلى الدعوة إلى التشبث بالهوية الإقليمية والدفاع عن تراثها الثقافي". وبالتالي فالأمر لا يتعلق باسم لمنطقة ما، بل بشخصية سوسية عالمة ارتبط اسمها باسم احد أهم مؤلفاتها الفكرية (الألفيات)، ما يؤكد أن تسمية الجمعية قد استندت إلى وعي عميق بالخصوصية الفكرية والثقافية للمنطقة، وبوعي كبير بارتباط أعضاء النخبة السوسية بمنحدرهم المحلي جغرافيا وفكريا.
ب: إيليغ والتمسك بالإرث المحلي:
إن المشروع الفكري للمختار السوسي لم يكن وليد صدفة عابرة أو شعورا بأسف على مجد محلي زائل أو تحقيقا لرغبة عائلية خاصة، بل إلى جانب مختلف هذه العوامل التي ساهمت في بلورة هذا المشروع، هناك وعي مبكر بضرورة خلق تجانس فكري لنخبة سوسية مستقبلية. ولعل ما يؤكد هذا الطرح المؤشرات الضمنية التي تحكمت في بلورة المشروع:
1 – رصد معالم النخب السوسية السالفة.
2 – عدم التجانس الفكري والسياسي مع النخبة الفاسية.
3 – الدفاع عن المنحدر الإقليمي.
وإلى جانب كل هذه المؤشرات، هناك نبوءة المختار السوسي التي تجسدت في إحدى مؤلفاته (الجزء الأول من المعسول) يقول فيها: "نحن موقنون بأنه سيأتي يوم يثور فيه أولادنا أو أحفادنا ثورة عنيفة ضد كل ما لا يمت على غير ما لآبائهم من النافع المحمود، ثم يحاولون مراجعة تاريخهم ليستفيدوا منه كل ما في إمكانهم استدراكه."
من هنا يتبين أن النخبة السوسية من خلال جمعيتها إيليغ لم ترتبط فقط بمنحدر جغرافي بل أيضا بإرث فكري نبع من المنطقة وحاول تجسيد معالمها، الشيء الذي خلق نوعا من التجانس الفكري العميق بين أعضائها ورسخ الهوية الإقليمية بينهم، سواء فكريا أو تنظيميا.
ج – إيليغ وتنسيق الجهود الجماعية
إن من يتمعن في القانون الأساسي للجمعية يجده قائما على عناصر ثلاثة:
1 – الارتباط بالهوية المحلية.
2 – ترسيخ التضامن بين الأعضاء.
3 – تنسيق وتنظيم الجهود الجماعية.
فإذا كان العنصر الأول يعتبر أحد مكونات التجانس الفكري بين أعضاء الجمعية، فإن ما يزيد من هذا التجانس تقنين العضوية بها بحصرها أساس في "أبناء المنطقة"، والعمل على تقنين التضامن بين أعضائها، إذ إن مفهوم التضامن في العقلية السوسية يكتسي دلالة خاصة، تقوم على التخفيف من المنافسة الداخلية بين الأعضاء وانصهارهم ضد كل منافس خارجي، الشيء الذي يظهر إلى حد كبير ترسخ ميكانيزمات العقلية الثقافية السوسية في أذهان أعضائها، والتي كثيرا ما أثبت فعاليتها في مواجهة منافسة باقي النخب الاقتصادية المغربية. في حين تعد الجمعية أداة تنظيم لمختلف الجهود الاقتصادية للنخبة السوسية من خلال خلق عدة لجان (اللجنة المالية، لجنة الصيد والفلاحة، لجنة الدراسات المستقبلية، لجنة العلاقات الخارجية والإعلام، لجنة السياحة والتعمير، لجنة التجهيزات الأساسية والصناعة...). وكل هذه اللجان تعتبر إطارا لتنظيم مختلف جهود أعضاء النخبة السوسية في مختلف المجالات الاقتصادية الوطنية الهامة، في الوقت الذي تشهد الرقعة الاقتصادية الوطنية (الخوصصة) والدولية (العولمة الاقتصادية) عملية صراع اقتصادي محموم على مركزة الرأسمال والتموقع داخل المجالات الاقتصادية الحساسة.
ولعل ما يعكس تجذر الوعي بالهوية السوسية تنظيم مهرجان تمنتار الذي يعقد سنويا بأكادير، العاصمة الاقتصادية والسياحية لسوس، الذي تشرف عليه فعاليات ومكونات النخب السوسية.
ويتميز هذا المهرجان عن مختلف المهرجانات الموسيقية والغنائية بطابعه الأمازيغي وإشعاعه الثقافي .
ولم تكتف النخبة السوسية بالتموقع على الصعيد الاقتصادي والتنظيمي، بل تمكنت مع مرور الوقت من ولوج المجال الإداري والسياسي. وهكذا لوحظ تسرب عدة فعاليات سوسية إلى دواليب الدولة، إذ ضمت تشكيلات حكومية في نهاية حكم الملك الراحل الحسن الثاني وزراء سوسيين، كعبد الرحمان بوفتاس الذي تقلد مهام وزارة السكنى، وحسن أبو أيوب الذي عين على رأس وزارة التجارة الخارجية، ليعين بعد ذلك سفيرا بباريس .
وقد تنامى نفوذ هذه النخبة في عهد الملك محمد السادس الذي عين السيد محمد حصاد واليا على مراكش قبل أن ينقله لولاية طنجة، التي أصبحت تحظى باهتمام ملكي خاص، خاصة بعد الشروع في إنجاز مشروع طنجة المتوسط، ليتم بعد ذلك تعيينه كوزير للداخلية في حكومة بنكيران الأولى.
وفي نفس السياق يمكن الإشارة إلى تعيين السيد عزيز أخنوش، ذي الأصول السوسية، كوزير للفلاحة ضمن حكومة عباس الفاسي التي تم تشكيلها في أكتوبر 2007، وحفاظه على نفس المنصب الوزاري في حكومة بنكيران التي أفرزتها نتائج الانتخابات التشريعية لدستور فاتح يوليوز 2011 .
بل إن نجم هذه الشخصية السوسية زاد سطوعا، على المستوى الاقتصادي من خلال تموقع مجموعته أكوا ضمن أكبر المجموعات الاقتصادية بالمغرب؛ في حين تحول خلال الملابسات التي أفرزتها الانتخابات التشريعية لأكتوبر 2016 إلى شخصية سياسية قوية تدور في محيط الملك، أوكلت لها مهمة قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان يترأسه صهر الملك الراحل الحسن الثاني أحمد عصمان عند تأسيسه في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وبهذه الصفة دخل أخنوش في تحالف سياسي مع رئيس الاتحاد الدستوري، الذي يعتبر من بين مكونات النخبة السوسية الجديدة التي راكمت إلى جانب ثروة الأعمال سلطة تسيير الشأن العام، سواء على المستوى المحلي أو البرلماني .
ولعل هذا التحالف السوسي هو الذي يمكن أن يفسر مطالبة أخنوش بإقصاء حزب الاستقلال من تشكيل حكومة بنكيران الثانية؛ فقد تشبث بذلك منذ بداية تفاوضه مع بنكيران، الذي يحيل اسمه على النسيج العائلي الفاسي، خاصة أن والدته كانت دائما ميالة لهذا الحزب الذي اعتبر دائما حزب النخبة الفاسية بامتياز. كما أن حرص أخنوش على ضم حزب ساجد ولشكر كشخصييتين تنتميان إلى المجال السوسي قد يعكس تقوي هذه النخبة السوسية وطموحها إلى أن تعيد تجربة النخبة الفاسية في احتكار تسيير الدواليب الإدارية والسياسية بعيد الاستقلال.
وبهذا الصدد سبق للباحث الأمريكي واتربوري أن أشار في كتابه أمير المؤمنين إلى أن "السوسيين لم يتميزوا لا بثرائهم، ولا بتعليمهم، ولا بتواجدهم داخل الإدارة، ولكن بفضل تضامنهم وتنظيمهم الاقتصادي اقتحموا الطبقة الاقتصادية وأصبحوا جزءا من النخبة السياسية المغربية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.