إن تشكيل حكومة بن كيران سواء الأولى أو الثانية لا يمكن فصلها عن سياقها السياسي الذي لعب دورا أساسيا في تحديد ملامح وتركيبة هاتين الحكومتين . فإذا كان الحراك السياسي ل 20 فبراير قد لعب دورا محوريا بالإسراع في تشكيل حكومة بن كيران الأولى بمختلف مكوناتها الدستورية والسياسية ، فقد شكلت ملابسات انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في البطء الذي عرفه تشكيل حكومة بن كيران الثانية، والتي أفرزت نوعا من الانتظارية السياسية دفعت ببعض المحللين أو المتتبعين إلى اعتبارها بمثابة حالة استثناء غير معلنة. الخلفية السياسية لتعثر تشكيل حكومة بن كيران بعد تعيين الملك لبنكيران رئيسا للحكومة استجابة للنتائج التي أفرزتها صناديق ثاني انتخابات تشريعية في ظل دستور فاتح يوليوز 2011 ، دخل هذا الأخير في مفاوضات مع مختلف مكونات الرقعة الحزبية لتشكيل حكومته ، معلنا منذ البداية بأنه سيتحالف مع كل من حزبي التقدم والاشتراكية و الاستقلال في انتظار أن يحسم حزب التجمع الوطني للأحرار في شأن قيادته بعدما استقالة صلاح الدين مزوار . لكن بمجرد صعود عزيز أخنوش إلى قيادة التجمع ظهر من أول لقاء بين رئيس الحكومة ووزيره ضمن حكومة تصريف الأعمال بأن المفاوضات ستكون عسيرة بحكم بعد شقة الخلاف بين الرجلين خاصة بعدما أعلن بن كيران تشبثه بحزب الاستقلال وزعيمه شباط ضمن ائتلافه الحكومي المقبل ، في الوقت الذي عبر فيه أخنوش على ضرورة ضم حليفه الاتحاد الدستوري إلى الحكومة بالإضافة إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بزعامة لشكر . وهذا بالطبع ما اعتبره بن كيران كنوع من التطاول على صلاحياته كرئيس للحكومة . غير أن هذه الواجهة السياسية التي تعكس بعض الخلافات الظاهرة لهؤلاء الفاعلين السياسيين تخفي خلفية سياسية يبدو أنها هي التي تحكمت في سيرورة ملابسات تشكيل حكومة بن كيران . إذ لا ننسى أن هذه المفاوضات أو اللقاءات قد جرت في ظرفية سياسية تميزت بالخصوص بالانشغال بالترتيب لدخول المغرب إلى الاتحاد الافريقي في فصل جديد من فصول الحرب الطويلة الدائرة مع كل الجزائر وجبهة البوليزاريو . فلأول مرة في سابقة سياسية في تاريخ المغرب يتم توجيه خطاب ملكي من خارج المملكة وضمن بلد إفريقي مقرب للمغرب . وهكذا أعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، يوم الجمعة 4 نونبر ، أن الملك محمد السادس، "سيقوم ابتداء من يوم الأحد 6 نونبر 2016 ، بزيارة رسمية لجمهورية السنغال الشقيقة واعتبارا لعمق الروابط الأخوية والروحية والإنسانية، التي تجمع المغرب والسنغال، وللمكانة الخاصة التي تحظى بها إفريقيا عند جلالة الملك، ولدى المغاربة قاطبة، والاهتمام السامي الذي يوليه لها، فقد قرر جلالته، حفظه الله، أن يوجه خطابه السامي بمناسبة تخليد الذكرى الحادية والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، إلى شعبه الوفي، من مدينة دكار" من هنا ن يظهر أن صيغة هذا البلاغ الملكي الإخبارية ، كانت تختزن مضمونا سياسيا متميزا يربط بين مناسبة وطنية وإلقاء أول خطاب ملكي من خارج المملكة لاعتبارات تهم استحقاقات سياسية خارجية كانت لها الأولوية في نظر العاهل المغربي على أية أولوية سياسية داخلية بما فيها تشكيل حكومة بن كيران . لكن هذا لم يمنع من أن مضمون هذا البلاغ سيكون له تأثير عميق على سير و رسم ملامح هذه الحكومة المقبلة . ففي خطاب الملك الذي ألقاه من داكار ، شكلت الخريطة الجغرافية التي ظهرت وراء الملك وهو يتلو خطابه الموجه إلى عموم الأمة بالمغرب خلفية ذات دلالات سياسية وأبعاد عميقة في رسم الخريطة الحكومية المقبلة . وقد انعكس ذلك جليا من خلال المقتطف الأخير من هذا الخطاب الذي شدد على ما يلي : "شعبي العزيز، لقد أثبتت سياستنا في إفريقيا، والحمد لله، نجاحها، وبدأت تعطي ثمارها، سواء على مستوى المواقف السياسية بشأن قضية وحدتنا الترابية، أو من خلال تعزيز الحضور الاقتصادي للمغرب، وتطوير علاقاته مع مختلف دول القارة. فالمغرب اليوم يعد قوة إقليمية وازنة، ويحظى بالتقدير والمصداقية، ليس فقط لدى قادة الدول الإفريقية، وإنما أيضا عند شعوبها. وإننا نتطلع أن تكون السياسة المستقبلية للحكومة، شاملة ومتكاملة تجاه إفريقيا، وأن تنظر إليها كمجموعة. كما ننتظر من الوزراء أن يعطوا لقارتنا، نفس الاهتمام، الذي يولونه في مهامهم وتنقلاتهم للدول الغربية. إن المغرب يحتاج لحكومة جادة ومسؤولة. غير أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية. بل الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها إفريقيا. حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه. الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة. وسأحرص على أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها. فالمغاربة ينتظرون من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة." من هنا ، يبدو لكل متمعن في مضمون هذا الخطاب الربط الجدلي الوثيق بين البعد الإفريقي واي تشكيل أو هندسة حكومية سواء في : تصوراتها التي ينبغي حسب صانع القرار السياسي أن " تكون السياسة المستقبلية للحكومة، شاملة ومتكاملة تجاه إفريقيا،" أو في توجهاتها التي ينبغي وفق هذا الخطاب أن تتحكم في عمل وزراء الحكومة المقبلة ، حيث "ننتظر من الوزراء أن يعطوا لقارتنا، نفس الاهتمام، الذي يولونه في مهامهم وتنقلاتهم للدول الغربية " ، أو في برنامجها السياسي الذي ينبغي طبقا للتصور الملكي أن يكون منسجما ومتركزا بالخصوص على القضايا الإفريقية ، حيث أن "الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها إفريقيا. حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه." كما بدا من أن هذا الخطاب الملكي لم يقتصرفقط على رسم ملامح الحكومة المقبلة ، بل كانت لغته السياسية حازمة وحاسمة من خلال التأكيد على وضع هذا التصور حيز التنفيذ . وهكذا أعلن العاهل المغربي في نهاية هذا الخطاب بأنه سيحرص شخصيا على "أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها فالمغاربة ينتظرون من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة." من هنا ، يبدو بأن مضمون هذا الخطاب سواء في مضمونه ، أو لغته أو حتى في ظرفيته يضاهي إلى حد بعيد خطاب 9 مارس 2011 ، حيث إذا كان هذا الأخير قد رسم ملامح دستور فاتح يوليوز 2011 متساوقا مع ظرفية داخلية اتسمت بحراك سياسي خاص ، فخطاب داكار جاء ليحدد ملامح حكومة تتساوق مع ظرفية اقليمية ودولية اتسمت بحراك دبلوماسي و برهانات سياسية ثقيلة خاصة بعد الاحتكاك القوي مع بعض ممثلي المؤسسات الدولية وعلى رأسهم الأمين العام السابق للأمم المتحددة ، بالإضافة إلى المواجهات الدبلوماسية التي خاضها المغرب سواء على الصعيد الثنائي ( السويد) أو الجهوي ( الاتحاد الأوربي) . من هنا ، يبدو أن خطاب داكار قد أطر بشكل كبير وعميق تجاذبات بن كيران مع مفاوضه الرئيسي أخنوش حول تشكيل الحكومة المقبلة ، وحددت مساحات الكر والفر التي امتدت بينهما خاصة بعدما اندمج هذا المفاوض في الحركية الملكية في التنقل بين العواصم الإفريقية استعدادا لمعركة الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي . 2-التفاعلات السياسية لتعثر تشكيل حكومة بن كيران مع بداية العد العكسي لعقد مؤتمر أديس أبيبا ، تزايدت التحركات الملكية إلى مختلف عواصم الدول الإفريقية التي يمكن أن تسهل عملية عودة المغرب إلى مجاله التنظيمي الإفريقي الرسمي المتمثل في منظومة الاتحاد الإفريقي التي عوضت منظمة الوحدة الإفريقية التي انسحب منها في 1984 بعد القبول بعضوية جمهورية ا جبهة البوليزاريو . وهكذا اكتست الزيارات الملكية التي قام بها الملك محمد السادس إلى كل من مالي ، وكوت ديفوار ، وغينيا كوناكري ، و الغابون دلالة دبلوماسية خاصة في الترتيبات التي واكبتها وفي المدة التي استغرقتها ، وفي طبيعة وحجم الوفد الذي رافق الملك إلى هذه البلدان. فقد ضم هذا الوفد كبار المستشارين و مكونات النخبة الاقتصادية والإدارية ، بالاضافة إلى عدد من الوزراء كان من بينهم الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار بوصفه وزير الفلاحة والصيد البحري في حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها بن كيران . فقد رافق ، العاهل المغربي في العديد من زياراته لتوقيع مجموعة من الاتفاقيات التي تهم الجانب الاقتصادي و التجاري والاستثماري مع بعض الدول الإفريقية بما فيها تلك التي لها ثقل ديمغرافي وسياسي واقتصادي داخل القارة وعلى رأسها نيجيريا التي أبرم معها المغرب اتفاقية لإنجاز مشروع أنبوب الغاز ، واثيوبيا ، التي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي ، التي أبرم معها المغرب اتفاقية حول إنجاز مشروع للأسمدة. وقد ساهمت مختلف هذه الزيارات الملكية في اضطرار رئيس الحكومة بن كيران ، الذي لم يكن ضمن الوفد الرسمي المرافق للملك في هذه الزيارات الإفريقية ، إلى انتظار وزير الفلاحة في حكومته ، للعودة للبلاد لاستئناف المفاوضات حول تشكيل الحكومة . وهذا بالطبع ما أظهر بن كيران أمام الرأي العام، كرئيس حكومة فاقد لزمام المبادرة في هذه المفاوضات رغم أن حزبه قد حصل على 125 مقعدا بمجلس النواب في الوقت الذي لم يحصل حزب التجمع الوطني للأحرار إلا على 37 مقعدا . وهذا بالطبع ما يعكس إلى حد بعيد الدلالة السياسية التي بطنتها الفقرة التي وردت ضمن خطاب داكار من " أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية " فأخنوش كرجل المرحلة الجديدة التي يراهن عليها القصر ، بعد ما فشل المراهنة على حزب إلياس العماري في الحصول على المرتبة الأولى وإبعاد بن كيران عن الواجهة السياسية ، مكنته هذه الزيارات من اللعب على عامل الزمن للضغط على رئيس الحكومة ليس كمفاوض على أسس انتخابية بل كمفاوض سياسي يحظى بثقة القصر ، وشخصية أساسية ضمن الشخصيات المقربة من المربع الملكي ، حيث يعتبر هذا الملياردير السوسي من الشخصيات القليلة التي حظيت بتشريف الملك بالإفطار في بيتها مع ما رافق ذلك من تغطية إعلامية سواء كانت تلفزية أو صحفية . ولعل هذا الوضع قد قلب إلى حد بعيد منطق المفاوضات ، حيث جعل عمليا أخنوش بمثابة رئيس الحكومة الفعلي والمتحكم في أوراق وتوقيت عملية التفاوض، في حين انزوى بن كيران ، رئيس الحكومة المنتخب شعبيا والمعين ملكيا ورئيس حكومة تصريف الأعمال، في زاوية المنتظر لأجوبة وردود أخنوش الذي عين على جناح السرعة رئيسا لحزب التجمع الذي بوأته صناديق الاقتراع في المرتبة الرابعة بعد كل من الأصالة والمعاصرة الذي فضل التموقع في المعارضة ، وحزب الاستقلال الذي قبل التحالف مع حزب العدالة والتنمية إلى جانب حزب التقدم والاشتراكية . ولعل هذا ما جعل الأمين العام لهذا الحزب الأخير ، السيد نبيل بنعبد الله، يؤكد في اختتام الدورة الثامنة للجنة المركزية لحزبه يوم الأحد 5 فبراير 2017 بالرباط، على أن "الوصول إلى تشكيل الحكومة، لابد أن يكون نتيجة الاعتماد على الدور الذي سيقوم به رئيس الحكومة"، مشددا على ضرورة أن يكون "المسؤول عن الحكومة معززا مكرما للقيام بدوره؛ لأن حكومة قوية تعني رئيس حكومة قوي متجاوز لبعض الاعتبارات التي على الجميع عدم الالتفات إليها". 3-االتداعيات السياسية لتعثر تشكيل حكومة بن كيران في سياق النتائج النهائية التي أفرزتها الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016 ، أعلن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بعد تعيينه من طرف الملك رئيسا للحكومة ، عن تشبثه بحزب الاستقلال بزعامة حميد شباط كشريك رئيسي في تشكيل حكومته المقبلة إلى جانب حليفه الاستراتيجي حزب التقدم والاشتراكية بزعامة أمينه العام نبيل بن عبد الله . غير أن أخنوش الذي عوض مزوار على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار اشترط على بن كيران إبعاد حزب الاستقلال عن تشكيلة الحكومة المقبلة للقبول بمشاركة حزبه فيها الشيء الذي رفضه رئيس الحكومة المعين معتبرا ذلك تطاولا على اختصاصاته الدستورية . وقد كان هذا الخلاف بداية للتصعيد بين الرجلين ، و تشبث كل واحد بموقفه مما أثر على تعثر المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة . وقد زاد هذا التصعيد في المواقف مع مرور الوقت . إذ بعد شهر على اللقاء الأول بين المتفاوضين الرئيسيين ، ظهر بأن شقة الخلاف بينهما قد اتسعت بعدما اشترط أخنوش في لقائه مع رئيس الحكومة بمراكش في 16 نونبر 2016 على هامش اجتماعات المناخ ، ليس فقط إبعاد حزب الاستقلال ، بل ايضا إشراك كل من حليفيه الاتحاد الدستوري ، وكذا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . ولعل هذا ما دفع برئيس الحكومة المعين إلى التصريح في إحدى استجواباته مع أسبوعية تيل كيل الناطقة بالفرنسية بأنه " إذا استمر حزب التجمع الوطني للأحرار في رفضه لمشاركة حزب الاستقلال في الحكومة فإننا سنكون أمام أزمة " لكن يبدو أن تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط بشأن "الانفصال الذي وقع عام 1959 خلق مشكلا للمغرب هو إنشاء دولة موريتانيا" أحرج رئيس الحكومة وأضعف من موقفه التفاوضي في مواجهة أخنوش خاصة في ظرفية سياسية كان يتهيأ فيها المغرب للانضمام للاتحاد الإفريقية . وقد ظهر ذلك واضحا من خلال مسارعة وزارة الشؤون الخارجية المغربية والتعاون إلى رفض تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، حيث أكدت في بلاغ صادر عنها " إن المغرب "يعلن رسميًا احترامه التام لحدود الجمهورية الإسلامية الموريتانية، المعروفة والمعترف بها من طرف القانون الدولي، ووحدتها الترابية"، وأن "تصريحات شباط لا تمس سوى بمصداقيته". كما تابعت الوزارة التي يترأسها السيد صلاح الدين مزوار، الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للأحرار، إن المغرب "واثق من أن موريتانيا ورئيسها وحكومتها وشعبها لن يولوا أهمية لهذا النوع من التصريحات"، وإن حميد شباط يساير بتصريحاته "المنطق نفسه الذي يتبناه أعداء الوحدة الترابية للمملكة، الذين يناوؤون عودتها المشروعة لأسرتها المؤسساتية الإفريقية " وبالتالي ، فقد كانت للضجة السياسية التي خلقتها تصريحات شباط الحليف الرئيسي لرئيس الحكومة أثر كبير في تراجع موقفه التفاوضي أمام رئيس التجمع أخنوش ، نظرا للحرج السياسي الذي أحس به ، خاصة بعدما أرسل كمبعوث للملك لمقابلة الرئيس الموريتاني بمدينة الزويرات بهدف احتواء الأزمة التي تسببت فيها تصريحات زعيم حزب الاستقلال المغربي “حميد شباط”، التي قال فيها إن “موريتانيا تاريخيا أراض مغربية”. وهكذا صرح بنكيران أمين عام حزب العدالة والتنمية، للصحافة إن اللقاء مع الرئيس الموريتاني “كان وديا وصريحا رغم أنه كانت فيه صعوبات”، مشيرا إلى أن “اللقاء كان جد ناجح”. وتابع: “تكلمنا بصراحة ووضوح عن الصعوبات التي كانت من قبل، وتحدثنا عن التصريحات الأخيرة وعواقبها”. وأشار بنكيران إلى أن مكالمة العاهل المغربي الملك محمد السادس مع الرئيس الموريتاني قبل زيارته موريتانيا “سهلت” مهمته. وبين أنه “في الحقيقة وجدت الجو مهيأ بسبب المكالمة التي أجراها الملك بالرئيس الموريتاني، والتي سهلت المأمورية”. ونتيجة لهذا الوضع ، فقد اضطر رئيس الحكومة إلى الرضوخ لأهم شرط من شروط أخنوش من خلال التخلي عن حليفه شباط ، وإبعاد حزب الاستقلال من تشكيلة الحكومة . ولعل هذا ما شجع أخنوش من الرفع من سقف شروطه السياسية من خلال التأكيد على ضرورة إشراك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة بعدما نجح بمساندة من حلفائه في انتخاب أحد قياديي هذا الحزب كرئيس لمجلس النواب في مفارقة ديمقراطية غير مسبوقة . فقبيل موعد انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي ، والذي كان يفترض تنظيميا المصادقة البرلمانية على النظام الأساسي لهذا الاتحاد ، تم الإسراع إلى استئناف عقد الدورة الخريفية لمجلس النواب التي جمدت بسبب تعثر المفاوضات حول تشكيل الحكومة . وهكذا تم انتخاب الحبيب المالكي الذي لم يفز حزبه إلا ب20 مقعدا برئاسة مجلس النواب بعدما تم التصويت عليه بأغلبية عددية من طرف نواب حزب الأصالة والمعاصرة المعارض ، والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية ...بينما اضطر حزب بن كيران إلى التصويت بأوراق بيضاء في حين انسحب نواب حزب الاستقلال من التصويت احتجاجا على التحول الذي عرفته مجريات الاحداث و هذا الانقلاب المفاجئ في التحالفات داخل المعترك الحزبي . لكن يبدو أنه ، وحتى بعد القبول بالانضمام الرسمي للمغرب إلى الاتحاد الإفريقي الذي تجسد من خلال إلقاء العاهل المغربي خطابا كرس فيه هذه العضوية ، فمازالت مكونات المشهد الحزبي تنتظر عودة الملك إلى البلاد التي يمكن أن تعطي دفعة للمفاوضات بين رئيس الحكومة و حليفه المحتمل عزيز أخنوش لوضع الملامح الرئيسية للحكومة المقبلة بعدما تم الاستجابة لأهم الشروط الرئيسية لهذا الأخير والمتمثلة في إبعاد حزب الاستقلال وزعيمه شباط (1) عن أي انضمام لهذه الحكومة ، وانتخاب المالكي على رأس مجلس النواب . ولعل هذا ما عكسه تصريح بن كيران ا جوابا على سؤال يهم الكيفية التي استطاع بها أن يشكّل الحكومة بمعية صلاح الدين مزوار، الذي كان حينها رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار بعد انسحاب حزب الاستقلال سنة 2013، بالقول: "لم أكن راغبا في التحالف مع صلاح الدين مزوار، وهو أيضا، لكن الملك قرّب وجهات النظر بيننا". بالمقابل أشار رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش في تصريح صحفي على هامش الاجتماع الذي عقده مع المنسقين الجهويين الجدد لحزبه يوم الإثنين 6 فبراير 2017 بالدار البيضاء إن "رئيس الحكومة يعرفنا جيدا، ويعرف وفاءنا والمعقول الذي يتميز به حزبنا ونحن نريده أن يكون رئيس حكومتنا، ومستعدون للتعاون معه والعمل إلى جانبه للدفع بالبلاد قدما نحو الأمام"؛ مضيفا أنه "إذا كانت هناك من حواجز صغيرة فمن الواجب علينا رفعها، لأن المغرب بأكمله على موعد مع تحديات جديدة تستوجب تظافر جهود الجميع". من خلال كل هذا ، يظهر بأن ملابسات انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي قد لعبت دورا أساسيا في الظروف التفاوضية التي أحاطت بتشكيل حكومة بن كيران الثانية ، وأن التعثر الذي تعاني منه لا يرتبط بمفاوضات بين مكونات المشهد الحزبي الظاهرة ، بل هو في العمق تنفيذ لإرادة ملكية حددت منذ البداية في خطاب داكار الذي رسم خارطة طريق هذه الحكومة المقبلة سواء في برنامجها أو في أولوياتها أو في طبيعة البروفايلات الوزارية التي ينبغي أن تتوفر عليها . 1-حسم حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، في فحوى الرسائل التي حملها مستشار الملك محمد السادس الطيب الفاسي الفهري في تصريحاته غير المسبوقة، والتي خرج بها بخصوص تأثير التصريحات الصادرة عن الأمين العام لحزب الاستقلال بخصوص ملف عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، والتي أكد فيها أن "موريتانيا تاريخيا هي أرض مغربية". فقد قال شباط، الذي حل ليلة الخميس على قناة فرانس 24: "هذه رسالة للمؤتمر السابع عشر، والفاسي الفهري جاء لمهمة"، مضيفا أنه "كان سببا رئيسيا في البلاغ الصادر من طرف مجموعة داخل حزب الاستقلال، تقوم بدور معاكس للتنظيم". وفِي وقت أكد المستشار الملكي أن التصريحات شباط "خلقت مشاكل كثيرة للدبلوماسية المغربية"، مستدلا على ذلك بكون "الوفود الإفريقية بلغت الوفد المغربي باستغلال الطرف الآخر لهذه التصريحات"، لم يتأخر كثيراً كبير الاستقلاليين عن إعلان أن رسالة التصريحات الصادرة عن الفاسي الفهري واضحة. وقال شباط إن "صاحب الجلالة لا يتدخل في شؤون الأحزاب، ولا يغضب على أبنائه الذين يثق فيهم"، مبرزا أن الرسالة وصلت، وأن التصريح المذكور "كهرب الجو في المغرب لأن الشعب كان منشرحا بعودته إلى بيته من الباب الكبير"، حسب تعبيره ونبه المسؤول الحزبي ذاته إلى أنه "تم استغلال تصريحه الذي جاء في سياق تاريخي"، مؤكدا أنه "ليس نادما على هذه التصريحات، باعتبارها جاءت في سياق مرتبط بسنوات معينة".