رغم الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية للدولة المغربية، فإن المنشورات الأمازيغية تعرف نموا متباطئا؛ إذ لم يصدر منها خلال الفترة 2015/2016 سوى 50 عنوانا. ومع أن العدد يشكل ضعف ما صدر خلال الفترة 2014/2015، إلا أن النسبة تظل هزيلة وبالكاد تصل إلى 2 في المائة. كانت هذه إحدى خلاصات تقرير أعدته مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء حول حركية النشر في المغرب، كاشفة أن الإنتاج المعرفي الأمازيغي لا يزال ضعيفا، ولا يمثل إلا نسبة قليلة من مجموع ما ينشر في المملكة. التقرير كشف أن من أبرز خاصيات النشر الأمازيغي المغربي أن مضمون كافة المؤلفات لهذه الفترة أدبي صرف، وينقسم إلى 21 عنوانا لدواوين شعرية، و16 مجموعة قصصية، و6 روايات، و5 نصوص مسرحية، وكتاب في الأمثال، وآخر في المنوعات الأدبية يضم مقالات وخواطر. ومن خلال استعراض المنشورات الأمازيغية، بحسب التقرير ذاته، تتبين أيضا نوعية الحرف المعتمد من طرف الكتاب والناشرين؛ إذ يلاحظ تفضيل الحرف اللاتيني ب 18 عنوانا، مقابل الحرف العربي ب 3 عناوين، وحرف تيفيناغ بعنوان واحد، في حين يميل آخرون إلى اعتماد مزدوج للحروف: لاتيني-تيفيناغ عبر 24 عنوانا، أو عربي-تيفيناغ بأربعة عناوين. وبالرجوع إلى حصيلة النشر في فترة 2015/2016، يتضح عدم تمركز الإنتاج الأمازيغي في المجال الجغرافي المعتاد بين مدينتي الرباط والدار البيضاء، كما يؤكد ذلك ظهور بعض الناشرين المتخصصين في المناطق التي تعرف استخداما مكثفا للأمازيغية، فضلا عن ظاهرة الطبع على نفقة المؤلفين بمختلف أنحاء المملكة. الباحث أحمد عصيد علّق على عدد من النقط الواردة في التقرير بالقول إن ما ينشر بالأمازيغية في المغرب أكبر من ذلك بكثير إذا تم احتساب منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومؤلفات عدد من الكتاب الذين يفضلون الإنتاج الذاتي، والتي يتم ترويجها في السوق لكن لا يشملها هذا الإحصاء. وتحدث عصيد، في تصريح لهسبريس، عن ازدواجية الحروف في بعض المؤلفات بين حرف تيفيناغ والحرفين اللاتيني والعربي، مشيرا إلى أن ذلك يعود أساسا إلى عدم تعميم اللغة الأمازيغية في التعليم؛ معتبرا أن من شأن التعميم أن يحسم في الحرف الذي سينشئ أجيالا كاتبة. وبهذا الخصوص، أورد عصيد أن التعميم الذي حدث منذ سنة 2003 أفرز قلّة ممن درسوا اللغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية، ما فرض وجود كتاب يستعملون حروفا أخرى، خاصة اللاتينية التي تبقى الأكثر انتشارا، معتبرا أن هذه المزاوجة ستستمر بالنظر إلى أن التعميم لازال محدودا. وبالرغم من ذلك، يقول الباحث الأمازيغي، فإن أهم شيء حدث منذ سنة 2003 هو أن "اللغة الأمازيغية أصبحت لها ضوابط وقواعد نحوية وصرفية وتركيبية وإملائية تم تدقيقها مؤسساتيا من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وأصبح الكتاب يكتبون باحترام لقواعد اللغة، في الوقت الذي كانوا فيه من قبل يكتبون حسب المزاج"، بتعبيره. وأبرز المتحدث ذاته وجود برامج معلوماتية للحروف والخطوط سهّلت استخدام اللغة الأمازيغية إلكترونيا، "وهذا يجعل كل واحد يستعملها بسهولة، خاصة أن الحرف اللاتيني وحرف تينفيناغ يتبادلان في البرنامج نفسها التي سهلت عملية الكتابة"، على حد تعبيره. وكلما تمحور الحديث عن اللغة الأمازيغية إلا وارتبط بالجدل الدائر حول حرف تيفيناغ، ودعوة الكثيرين إلى استخدام الحرف العربي في كتابتها، وهو ما ردّ عليه عصيد بالقول: "إن عوامل عدة تحكم هذه النظرة المعيارية غير العلمية". وأرجع الباحث الأمازيغي هذه العوامل إلى أن "حرف تيفيناغ كان محظورا من طرف الدولة في فترات سابقة، ومن يكتب به في الفضاء العمومي يزج به في السجن"، في حين إنه أصبح حاليا حرفا رسميا، مضيفا أن "هذا الحظر خلق ذهنية معينة". المعطى الثاني، بحسب عصيد، هو "التعريب الذي كان له تأثير على الذهنية العامة للمغاربة، وكان سببا في خفض جودة التعليم، خاصة في المواد العلمية، وخلق نظرة أسطورية إلى العربية ونظرة تحقير إلى اللغات الأخرى، خاصة الأمازيغية"، مضيفا: "عندما ينظر الناس إلى الأمازيغية تكتب بالحرف الأصلي ينظرون لها بشكل سلبي". العامل الثالث، يضيف عصيد، هو أن "نخبة من التعريبيين تدعو إلى أن تكون الأمازيغية تحت الوصاية الثقافة العربية الإسلامية، وتعتبر الحرف رهانا لتحقيق ذلك"، مشددا على أنه "لا يمكن أن تنهض لغة ما تحت وصاية لغة أخرى". عصيد اعتبر أن "هذه الدعوات خسرت المعركة بعد اعتماد حرف تيفيناغ، في وقت تُبيِّن فيه الدراسات أن هذا الحرف أسهل في التعلم من الحرف العربي الذي يبقى الأصعب بالنسبة للطلبة". ولمعرفة قيمة الحرف، يقول عصيد: "ينبغي أن ننزل إلى الميدان ونرى كيف يتعامل الأطفال وما يقول الأساتذة، ونقوم بالدراسات العلمية". وذهب المتخصص في القضايا الأمازيغية أبعد من ذلك، حينما أكد أن "الصراع حول الحرف هو انعكاس في الواقع لصراع الإيديولوجية الثقافية، وعندما تم إرساؤه لم تتقبل التيارات الإسلامية والتعريبية والقومية ذلك"، ليخلص إلى أنه "يجب على الدولة أن تحسم وتدعم الدراسات العلمية في إطار وحدة وطنية".