بعد حوالي ثلاثة عقود، يستعيد المغرب رسميا مقعده في الاتحاد الإفريقي، بموافقة 39 دولة إفريقية، متجاوزا تلثي أعضاء الاتحاد. أغلب الآراء أجمعت على أن الاتحاد باعتباره مؤسسة تطمح إلى تعزيز دورها على الساحة الدولية سيربح الكثير من هذه العودة. عودة رأى فيها البعض نصرا سياسيا للمغرب، واعتبرها البعض الآخر خطوة غير محسوبة النتائج، لكونها قد تمثل اعترافا غير مباشر بالبوليساريو. "كم هو جميل هذا اليوم الذي أعود فيه إلى البيت بعد طول غياب، كم هو جميل هذا اليوم الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذين أحبه"، بهذه الكلمات المؤثرة والعميقة، عبر العاهل المغربي على رمزية عوة المغرب إلى الحاضنة الأفريقية، مؤكدا على استمرار المغرب في استراتيجيته القارية والهادفة إلى جعل القارة السمراء قوة اقتصادية وسياسية ذات تأثير دولي. إلا أن هنالك تساؤلات عديدة يثيرها البعض حول هذه العودة، فمادام المغرب قد غادر منظمة الوحدة الأفريقية بسبب البوليساريو، فما الأسباب التي تجعله يعود عن قراره بعد كل هذه المدة، وما الجدوى من هذه العودة مادامت البوليساريو لا زالت موجودة بهاته المنظمة ؟ أكيد أن الأوضاع السياسية والاقتصادية بأفريقيا وبالعالم لم تعد كما كانت عليه قبل ثلاثة عقود، وأكيد أيضا أن المغرب أيقن بعدم فعالية البقاء خارج بيته الإفريقي، خصوصا وأن قوة الاتحاد الافريقي قد تصاعدت في السنوات الأخيرة. إن خيار العودة في تقدير مراقبين، يعبر على أن الساسة المغاربة أيقنوا أن البقاء خارج هذه المنظمة القارية يعني استمرارها في دعم الطرف الآخر، فعودة المغرب إلى الاتحاد ستمكنه من الدفاع عن مغربية الصحراء من داخل أروقته، أو على الأقل سيحد من القرارات الأفريقية التي لا تصب في مصلحته. فبهذه العودة، يريد المغرب أن لا يظل معزولا عن عمقه الإفريقي، ويريد أيضا أن يسمع صوته داخل أروقة الاتحاد، سيما أن صوت البوليساريو هو الصوت الوحيد الذي كان مسموعا. كما يريد أن يدفع بمسؤوليه لشغل مناصب مهمة داخل هذه المنظمة القارية، لكي يستطيع التأثير على مواقف الدول التي لا زالت تلزم الحياد أو ليستميل تلك الدول التي لم تعبر عن موقف واضح من قضية الصحراء. إن الجدال القانوني حول حدث عودة المغرب إلى الحاضنة الأفريقية لا زال مستمرا، سيما وأن قادة البوليساريو، ومن خلاله خرجاتهم الإعلامية، اعتبروه نصرا سياسيا لهم واعترافا ضمنيا بكيانهم. لكن، وبحسب ملاحظين فإن المغرب يحاول تصدير هذا الجدال إلى داخل أروقة الاتحاد نفسه، لعله ينتهي إما بالأخذ بما أخذت به منظمة التعاون الإسلامي بعدم مناقشة هذه القضية داخل أروقة المنظمة، أو بتجميد عضوية البوليساريو على اعتبار أن غالبية دول الاتحاد الإفريقي لا تعترف بهذا الكيان، أو على الأقل ضمان المغرب حياد هذه المنظمة التي كانت تصب قراراتها في صالح أعداء الوحدة الترابية للمكلة المغربية. وفي رأي كثيرين، فقد تبنى المغرب مقاربة واقعية وبراغماتية خلال تبنيه لخيار العودة، وذلك من ناحيتين، الأولى سياسية يسعى من خلالها لملأ الفراغ الذي خلفه وراءه جراء انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية واستغلته البوليساريو وداعميها لصالحهم، والثانية اقتصادية وتتمثل في محاولة ضمان الأرضية القانونية لمشاريعه الاستثمارية بأفريقيا، والتي يشرف عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس وتنفذها كبريات الشركات المغربية. *باحث في مجال علم الاجتماع السياسي