أسالت عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي مدادا كثيرا، وأدلى الكثير من السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين... بدلوهم في الموضوع؛ فأفاضوا في مكاسب ومخاطر هذه العودة، واختلفت التعليقات بين مناصري عودة المغرب إلى بيته الإفريقي وبين المحذرين والمعرقلين... وحتى لا نبقى ندور في الفلك نفسه، نطرح سؤالا قلما سمعه أحد في معظم تلك المداخلات وهو: لماذا اختار العاهل المغربي اللغة الفرنسية وسيلة للتخاطب مع الأفارقة وهو الحريص على إلقاء معظم خطبه في داخل المغرب وخارجه باللغة العربية؟ أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن اختيار اللغة له علاقة بالمستهدف من الخطاب، ومن تم قد يكون في إلقاء الخطاب بالفرنسية رد الجميل للجناح الفرنكفوني بالقارة السمراء، وإرسال رسائل على الجناح الأنكلوسكسوني الذي تتزعمه جنوب إفريقيا، خاصة وأن العاهل المغربي قد كان موجودا بمدغشقر أيام انعقاد القمة الفرنكوفونية الأخيرة نهاية شهر نونبر من سنة 2016؛ أي حوالي ثلاثة أشهر قبل قمة الاتحاد الإفريقي التي انتهت إلى ضرورة تكثيف التعاون بين الأعضاء، مع الإشارة إلى أن أزيد من نصف دول إفريقيا أعضاء في منظمة الفرنكوفونية، وهذه الدول هي: مويسيوس، النيجر، رواندا، بورندي، جيبوتي، الغابون، غانا، البينين، بوركينافاسو، السنيغال، غينيا، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، السيشل، الكاميرون، التشاد، الطوغو، إفريقيا الوسطى، الرأس الأخضر، مدغشقر ، مالي، الكونغو، الكونغو الديموقراطية، كوت ديفوار، جزر القمر، موريتانيا، طبعا إضافة إلى دول المغرب العربي ومصر. إن في اختيار اللغة الفرنسية وسيلة لإلقاء الخطاب تحديد للمستهدف من الخطاب؛ فالخطاب غير موجه إلى الداخل (المغاربة)؛ لأن كل المغاربة مع عاهلهم قلبا وقالبا في الصراع من أجل الوحدة الترابية، والخطاب غير موجه على الدول العربية بالاتحاد الإفريقي؛ لأن التاريخ علّم المغرب أن تلك الدول لا مواقف ثابتة لها، فهي تبطن عكس ما تظهر في الكثير من المرات. فإذا كانت الجزائر واضحة في طرحها وسعيها إلى عرقلة عودة المغرب واستهدافها لوحدته الترابية، فإن مصر وموريتانيا وليبيا وحتى تونس تتأرجح مواقفها بين مجاملة المغرب تارة ومجاملة الجزائر تارات أخرى، وفق التقلبات السياسية... لذلك كان اختيار اللغة الفرنسية رسالة إلى فرنسا، المستثمر الأول بإفريقيا، التي كانت إلى جانب المغرب بمجلس الأمن وفي أروقة الأممالمتحدة، وإلى دول غرب أفريقيا التي تتحدث الفرنسية، وهي الدول التي ظلت على موقف صريح في دعم دائم للمغرب مهما تغير رؤساؤها وحكوماتها، كالسينغال والغابون وكوت ديفولر وغيرها. كما أن للغة الفرنسية خاصية تجمع بين الرومانسية والواقعية، فكانت الأنسب ل"العاطفة والبراغماتية والواقعية" التي توخاها العاهل المغربي في خطابه الذي دام حوالي ربع ساعة، وآثر فيه الواقعية، بعدم الإشارة إلى قضية المغرب الأولى تجنبا لأي انشقاق أو أي رد فعل يكون له نتائج سلبية على المغرب وهو لم يضع رجله بعد في الاتحاد الإفريقي، واكتفي بالتركيز على إنجازات المغرب في إفريقيا منذ اعتلاء محمد السادس عرش المملكة المغربية. وأبرز الخطاب أنه رغم الغياب عن الاتحاد الإفريقي، ظل المغرب حاضرا بقوة في إفريقيا بأكثر من 1000 اتفاق منذ 1999 (بعد 46 زيارة إلى 25 دولة أفريقية)، وهو ضعف ما تم وقيعه طيلة 50 سنة التي تلت الاستقلال، ناهيك عن ضخامة المشاريع المنجزة مع بعض الدول في شرق أو غرب أفريقيا التي ستعود بالنفع على الأفارقة، كمشروع أنبوب الغاز نيجيريا أوروبا مرورا بالعديد من دول غرب إفريقيا، ومبادرة المغرب بتسوية وضعية الأفارقة التي استفاد منها في المرحلة الأولى حوالي 25 ألف أفريقي قبل انطلاق العملية الثانية التي لازالت سارية، وتوفير آلاف المنح للطلبة الأفارقة... وكما كان خطاب ملك المغرب نفعيا كان عاطفيا، ركز فيه على الاقتصاد وتجاهل السياسة، ركز على المشاريع الملموسة وتجنب الوعود البراقة، وهو ما استحسنه الحضور وقاطعوه بالتصفيق عددا من المرات، وحتم على أعضاء المفوضية الإفريقية القيام من أماكنهم والتقدم تباعا للسلام عليه باستثناء ممثل الجزائر إسماعيل شرقي، محافظ الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي، الذي وجد نفسه محرجا مترددا في الوقوف، وبقي يلتفت ذات اليمين وذات الشمال ويسترق النظر إلى العاهل المغربي الذي كان يتلقى التهاني خلف ظهره.