عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي هي عين العقل. وقد تمكن جلالة الملك، بمقاربته الواقعية والبراكماتية والمرنة في تدبير ملف العودة إلى الاتحاد الإفريقي، توفير كل الشروط الذاتية والموضوعية لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، بالرغم من كل مناورات ومكائد أعداء الوحدة الترابية؛ وعلى رأسهم مفوضية الاتحاد الإفريقي، التي تنوب بالوكالة عن اللوبي المعادي للمغرب. وإذا كانت محطة العودة إلى الاتحاد الإفريقي مضمونة، فإن محطات ما بعد هذه العودة هي التي ستكون شرسة وشاقة ومعقدة؛ عكس ما يعتقد البعض، لكون المغرب سيكون في مواجهة مباشرة داخل فضاء الاتحاد وخارجه مع أعدائه على كل المستويات، وخصوصا منها القانونية والدبلوماسية والسياسية، إطارها العام القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الذي صيغ في غياب المغرب ووفق رغبات وأهداف خصوم الوحدة الترابية على كل أجهزته، وهي: الجمعية العامة للاتحاد - المجلس التنفيذي- ومحكمة العدل الإفريقية - الدائمين للجنة الاتحاد الإفريقي- مجلس السلام والأمن- المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي- اللجان الفنية المتخصصة في سياق مخالف لسياق قرار عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي. سياق عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي يمكن وصف السياق العام للعودة بأنه دقيق يوجد فيه المغرب في وضعية مريحة نتيجة السياسة الملكية الواقعية والبراكماتية اتجاه الدول والشعوب الإفريقية، خصوصا بعد رحيل معمر القذافي ودخول الجزائر في أزمات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية صعبة نتج عنها انهيار مؤسساتها المالية التي لم تعد قادرة على الاستمرار في تحمل نفقات جبهة البوليساريو التي تحولت على إثر تراجع المساعدات المالية الدولية والجزائرية والليبية إلى فضاء للاسترزاق والإرهاب والاتجار في البشر والأسلحة أصبحت فيه هذه الجبهة تشكل خطرا على الجزائر ذاتها. وعلى هذا الأساس، فقد اختار المغرب الوقت المناسب للعودة إلى الاتحاد الإفريقي وهو واع كل الوعي بأن هذه العودة هي محطة من محطات أخرى قد تكون صعبة وشاقة ستتخللها مواجهات وحروب قانونية ودبلوماسية وسياسية شرسة بين المغرب - الذي يسعى طرد ما يسمى بالجمهورية الوهمية وفق مساطر القانون التأسيسي للاتحاد معقدة - وبين خصومه. الأهداف الآنية والإستراتيجية لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سيحقق المغرب من هذه العودة نوعين من الأهداف: أولها آنية، وهي وقف كل القرارات التي كان يصدرها الاتحاد الإفريقي ضد المغرب والمواجهة المباشرة مع أعداء الوحدة الترابية داخل الاتحاد ومعرفة الدول الصديقة الحقة المستقلة في قراراتها والدول المنافقة. ثانيهما تعديل القانون التأسيسي لطرد ما يسمى بالجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي ومن خلاله العودة القوية للمغرب إلى الواجهة الإفريقية، خصوصا أن الاستثناء المغربي في مجالات الأمن والاقتصاد والدين والتنمية البشرية والإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية وخبرة المغرب في مواجهة الإرهاب أصبحت مطلوبة من لدن عدد من الدول الإفريقية، وعليه فعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وترؤس جلالة الملك شخصيا الوفد الرسمي لقمة إثيوبيا له أهداف إستراتيجية أكثر منها تكتيكية. تحقيق أهداف المملكة بحاجة إلى ثورة في الدبلوماسية المغربية والى أموال كثيرة تفترض عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي ثورة دبلوماسية لتحقيق الأهداف المسطرة والتي هي بحاجة إلى لوبيات وأموال ومواجهات ومناورات وتحالفات داخل فضاء الاتحاد الإفريقي، خصوصا أن الرباعي الجزائر / جنوب إفريقيا/ نجيريا/ أنغولا قد تغلغلوا كثيرا في الاتحاد الإفريقي وتحكموا في أهم أجهزته. ومن ثم، سيواجه المغرب مقاومات شرسة ومناورات قوية من لدن الرباعي سالف الذكر قبل وأثناء التصويت على عودة المغرب إلى الاتحاد وبعدها، خصوصا أنهم يتوفرون على سلط المال والدبلوماسية الفعالة. وهنا يجب أن نكون صادقين أن تحقيق الأهداف سالفة الذكر لن يكون سهلا؛ بل إنه يتطلب أولا تقوية الجبهة الداخلية، ثانيا قيام الأحزاب والحكومة والبرلمان والقطاع الخاص بثورة فكرية تبعد عنها الخوف للخوض في ملف الصحراء متخذة من الدبلوماسية الملكية اتجاه الدول والشعوب الإفريقية خارطة طريق. عودة المغرب لا يعني الطرد المباشر والآني للجمهورية الوهمية من الاتحاد الإفريقي مساطر التشطيب أو طرد الدول من الاتحاد الإفريقي محددة في القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، خصوصا المادة الثانية والثلاثين منه المتعلقة بالتعديل والمراجعة والتي جاء فيها: 1/ يجوز لأية دولة عضو تقديم مقترحات لتعديل أو مراجعة هذا القانون. 2/ تقدم المقترحات المتعلقة بالتعديل أو المراجعة إلى رئيس اللجنة الذي يقوم بدوره بإحالتها إلى الدول الأعضاء في غضون ثلاثين (30 يوماً من استلامها). 3/ يقوم مؤتمر الاتحاد، بناء على توصية من المجلس التنفيذي، بدراسة هذه المقترحات في فترة زمنية مدتها عام بعد إخطار الدول الأعضاء طبقاً لأحكام الفقرة الثانية من هذه المادة. 4/ يتم إقرار التعديلات والمراجعة من جانب مؤتمر الاتحاد بالإجماع، أو بأغلبية الثلثين في حالة تعذر ذلك. وتقدم إلى جميع الدول، بالإضافة ما نصت عليه المادة الحادية والثلاثين حول إنهاء العضوية التي نصت: 1 -على أية دولة ترغب في التخلي عن العضوية أن تقدم إخطارا كتابيا بذلك إلى رئيس اللجنة الذي يقوم بإبلاغ الدول الأعضاء بالأمر. وبعد مرور عام واحد من تاريخ انتهاء مثل هذا الأخطار، إذا لم يسحب، يتوقف تطبيق القانون فيما يتعلق بالدولة المعنية التي تنتهي عضويتها بالتالي في الاتحاد 2 -خلال فترة السنة المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة، تلتزم الدولة العضو الراغبة في الانسحاب من الاتحاد بأحكام هذا القانون وتظل مقيدة بتنفيذ التزاماتها المنصوص عليها في هذا القانون إلى يوم الأعضاء للتصديق عليها وفقا للإجراءات الدستورية لكل دولة. وتدخل حيز التنفيذ بعد مرور ثلاثين (30) يوما من إيداع وثائق التصديق لدي رئيس اللجنة من قبل ثلثي الدول الأعضاء. وعليه، فان عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي لا يعني الطرد المباشر للجمهورية؛ بل إن ذلك سيطول، وسيتم مساطر القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الذي صادق عليه البرلمان المغربي بغرفتيه مؤخرا. قبول القانون التأسيسي للاتحاد لا يعني الاعتراف بالجمهورية الوهمية يحتوي القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي على بعض المواد التي يمكن أن تخلق بعض المشاكل للمغرب مستقبلا إذا لم يسرع بعد عودته إلى الاتحاد بتعديلها؛ وفي مقدمتها: 1/ الخريطة المعتمدة من لدن الاتحاد الإفريقي والتي تعدّ الجزء الجنوبي هو “دولة الجمهورية العربية الصحراوية” الوهمية. 2/ اعتبار الجمهورية العربية الصحراوية (البوليساريو) من الأعضاء المؤسسين للاتحاد، وكأنها دولة قائمة السيادة. 3/ ينص القانون على أن جميع النزاعات بين الدول الأعضاء تفضها محكمة العدل الإفريقية أو المؤسسات التابعة للاتحاد الإفريقي. 4/ احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال، خصوصا أن البرلمان بغرفتيه لم يناقش بعمق مواد هذا القانون بالتفصيل. والأكيد هو أنه ليس للمغرب خيار آخر غير هذا القبول؛ لأنه ليس عضوا بالاتحاد. لذلك، فمصادقة البرلمان المغربي بغرفتيه على القانون التأسيسي للاتحاد فيه بعدان تكتيكي وإستراتيجي، وهو لا يعني الاعتراف بالجبهة لكون الشعب المغربي قد حسم قضية الوحدة الترابية منذ 1975 باعتبارها قضية وجود وليس قضية حدود. المحطات الصعبة هي ما بعدة عودة المغرب إلى لاتحاد الإفريقي عكس ما يردده البعض من أن عودة المغرب إلى لاتحاد الإفريقي لن تكون سهلة نتيجة نوعية الخصوم وإمكاناتهم المادية ووزنهم الإفريقي والدولي، وما قرار رئيسة المفوضية للاتحاد الإفريقي إحاطة أعضاء منظمة الاتحاد الإفريقي بمساطر خاصة وسياسوية تأجيل انضمام المغرب إلى الاتحاد إلى ما بعد اختتام أشغال المؤتمر الإفريقي إلا مؤشرا أوليا وظاهرا لمناورات القوى المناهضة لعودة المغرب نتيجة تحكم الجزائروجنوب إفريقيا ونيجيريا في دواليب الاتحاد الإفريقي وأجهزته، وتبين أنه منذ وصول جلالة الملك إلى إثيوبيا أصيبت هذه القوى بالسعار وبدأت في وضع العراقيل قبل انطلاق المؤتمر بهدف عرقلة العودة ونهج سياسة الحرب النفسية؛ وهو ما يشير إلى أن الأمور لن تكون سهلة للمغرب بالنسبة إلى سنوات 2017 و2018، وما ستعرفه من مناورات ومكائد ومواجهات ودسائس قوية للحد من إستراتيجية المغرب للعودة بقوة داخل الاتحاد ووضع حد لتلاعبات القوى المعادية بقوانين منظمة الاتحاد الإفريقي وأجهزتها؛ وهو ما يعني أن محطة العودة ستكون أسهل من باقي المحطات، خصوصا في المجال القانوني لطرد الجمهورية الوهمية من الاتحاد وفق مساطر ستكون صعبة ومعقدة تتطلب ثورة أخلاقية وسياسية عند قادة دول الاتحاد الإفريقي مبنية على قوة الشرعية وليس شرعية القوة. مشاركة جلالة الملك في القمة الإفريقية إرباك كبير لحسابات الجزائر والبوليساريو وحلفاءها مشاركة جلالته تعدّ حدثا بارزا في إفريقيا وانتصارا قويا للمغرب تتجاوز العودة القوية له بالمنظمة الإفريقية، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الغياب؛ بل إنها تدشن لمرحلة جديدة في مسار الاتحاد من الأكيد أنها ستربك كل حسابات الجزائر وقادة الجمهورية الوهمية، وقد تدفع بالكثير من الدول ضحية الطرح الجزائري إعادة نظرها. ويكفي أن نؤكد على كلامنا الحيز المهم الذي احتلته مشاركة جلالة الملك بالقمة الإفريقية في وسائل الإعلام الجزائرية التي وصفتها بالهزيمة النكراء للدبلوماسية الجزائرية، بعد سحب الرباط البساط من تحت أقدام الجزائر من بعد قبول أكثر من 43 دولة عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي. وبصفة عامة، مشاركة جلالة الملك في القمة والتغيرات التي وقعت في مواقف عدد من الدول الإفريقية دوّخت الجزائر وبعثرت أوراقها وجعلت من وجود البوليساريو بالاتحاد الإفريقي مسألة وقت ليس إلا؛ لكنه لن يكون بالهين. إن السؤال المقلق هو ما بعد العودة وإلى متى يبقى المغرب يسير بوتيرتين في المجال الدبلوماسي: وتيرة سريعة وفعالة وإستراتيجية للمؤسسة الملكية، ووتيرة بطيئة وشبه غائية للأحزاب التي فشلت إلى حد الآن في تشكيل حكومة لمواجهة التحديات الوطنية فكيف لها مواجهة التحديات الخارجية؟. *أستاذ التعليم العالي جامعة محمد الخامس الرباط