بالرغم من أن استقلال المغرب كان قد تم منذ أزيد من 50 سنة، فإن العديد من المظاهر التي تحدث في المملكة العربية الوحيدة بأفريقيا، يثير الشكوك تلو الشكوك مع توالي السنوات، والتي تؤكد في مجموعها، أن فرنسا سحب جنودها وقيادتيها العسكرية والمدنية من المغرب بفعل ثقل تكاليف التواجد المباشر على الخزينة العامة الفرنسية، وعلى دافعي الضرائب من المواطنين الفرنسيين، ليتحول إلى احتلال بالنيابة وبتكاليف أقل. "" فالحكم الفرنسي المباشر على المغرب والمغاربة ما زال مستمرا، بعل ورثتها من الذين يحلو للكثير من المغاربة تسميتهم ب"وليدات فرنسا" {تصغير لأبناء فرنسا}، والذين تخرجوا من معاهد وكليات "الجسور والقناطر" في فرنسا، ليعودوا إلى بلادهم ليخاطبوا أبناء الشعب المتوزعة أصوله بين الأصول العربية والأمازيغية، بلغة موليير. آخر ما حصل في هذا الأمر، كان عندما اعتلت السيدة وزير الشباب والرياضة الفرنسية {عفوا المغربية} نوال المتوكل منصة الجمعية العامة بالأمم المتحدة حيث خاطبت الحضور باللغة الفرنسية، كما لو أنها كانت وزير منصبة في وزارة رئيس الحكومة الفرنسية "فرانسوا فيون"، بالرغم من أنها منصبة في حكومة بلد دستورها الوطني يؤكد أن اللغة الرسمية للبلاد هي اللغة العربية، وتناست هذه العداءة السابقة، من أن المغاربة لو كانوا يفضلون أن يتكلم مسؤولوهم بلغة غير لغتهم، لفضلوا بقاء الحماية الفرنسية. ويا ليت نوال المتوكل استفادت من الدرس الذي قدمته للمسؤولين المغاربة، صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى قرينة العاهل المغربي التي خاطبت المؤتمر العام لمنظمة اليونيسكو وفي قلب العاصمة الفرنسية باريس بلغة عربية فصيحة، بالرغم من أن تكوينها الأكاديمي والعلمي كان باللغة الفرنسية باعتبارها مهندسة للمعلوميات. خنوع المسؤولين المغاربة من "وليدات فرنسا" جعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لا يأبه بمقومات السيادة المغربية، ونراه كيف خاطب الدول المتوسطية انطلاقا من مدينة طنجة، كما لو أنه يخاطبهم من مدينة مارسيليا الفرنسية، حيث نصبت السلطات المغربية خلفه وفي القصر الملكي بمرشان العلمين الفرنسي والأوربي، وكتبت أمامه لافتة بالفرنسية تقول "طنجة: أكتوبر 2007"، هذا دون الحديث عن مخاطبته لنواب البرلمان المغربي من عرب وامازيغ، ومما كانت لغتهم الثانية هي الإسبانية من أبناء الشمال والصحراء باللغة الفرنسية، دون أن يخطر ببال المسؤولين المغاربة أن يجهزوا البرلمان بأجهزة ترجمة فورية. التدخل الفرنسي المغربي يتجاوز اللغة ومقومات السيادة الوطنية، ليصل إلى الاستحواذ على مقدرات الشعب المغربي، حيث كانت الشركات والمؤسسات الفرنسية المستفيد الأكبر من عمليات خصخصة المؤسسات الاقتصادية المغربية، بل ومن حيث لا ندري تكون الشركات الفرنسية هي التي تؤول إليها المشاريع المهمة، والتي كان آخرها صفقة قطار "تي جي بي" السريع، دون حاجة الرباط إلى الإعلان عن مناقصة دولية للقيام بهذا المشروع. أمام هذا الإحتلال الفرنسي للمغرب "عقولا ومقدرات"، لا يسعنا نحن المؤمنين بهوية المغرب العربية الأمازيغية، وبمقوماته الحضارية كأمة عظيمة على ممر التاريخ، إلا التنبيه إلى هذا الأمر، الذي بات يؤثر على مكانة المغرب بين الدول المستقلة، وهذا الأمر الذي لن يتم تجاوزه إلا عبر طرد "وليدات فرنسا" من مهام الحكم، كأمين عام الحكومة الذي يفرض على الوزراء الحديث أمامه باللغة الفرنسية لأنه لا يفقه شيء في اللغة التي يخاطب بها ملك البلاد مواطنيه، كما يفرض عليهم تقديم مشاريع القوانين باللغة المستعمر الفرنسي، دون إغفال أن هؤلاء مما يحكمون المغرب، ما إن تنتهي مهامهم كرئيس الحكومة السابق إدريس جطو، حتى ينتقلوا إلى "وطنهم الأم" فرنسا لمتابعة أعمالهم الخاصة. وعلى رئيس الحكومة عباس الفاسي الذي ينتمي إلى حزب طالما أكد على عروبة المغرب ومقوماته الحضارية أن يدافع عن هذا التوجه، ويؤكد على وزراءه التحدث أمام المحافل الدولية باللغة العربية ، بدل استخدام اللغة الفرنسية سواء عند استقبالهم لنظرائهم الفرنسيين، أو حتى الأجانب، فلا يعقل أن نشاهد وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري، يتحدث مع نظيره الإسباني، وهو يتحدث باللغة الفرنسية، في حين نرى السينيور ميغيل إنخيل موراتينوس، ورغم معرفته باللغة العربية وبالفرنسية وبالإنجليزية، يتحدث بلغة بلاده ولغة مواطنيه الإسبان الذي يمثلهم، باللغة الإسبانية. في الأخير لا يسعنا إلا أن نقول للسيدة نوال المتوكل وأمثالها من الوزراء والمسؤولين المغاربة. عليكم أن تعرفوا أن السبب الأكبر وراء نكبات المغرب هو الاحتلال الفرنسي الذي قسم المغرب، وألحق أجزاء واسعة غنية بالبترول من ترابه بالجارة الجزائر، وأن هذا الإستعمار كان وراء أكبر ضربة وجهتها جهة ما للعرش المغربي على ممر التاريخ، عندما قامت العام 1953 بنفي الأسرة الملكية إلى المنفى، وعليهم أن يعرفوا أن الإحتلال الفرنسي كان مجرد لحظة عابرة {45 سنة} في تاريخ الأمة المغربية التي يزيد عمر دولتها عن 14 قرنا من الزمن. ونقول بالمناسبة أيضا، بورك فيك أيتها الأميرة للا سلمى وأنت ترفعين لواء المقومات الحضارية للمغرب ولشعبك، وسط فرنسا بتحدثك باللغة الرسمية والدستورية للبلاد. [email protected] عن يومية "الراية" – قطر.