شوارع خالية وحركية بطيئة، ولا وجود لمظاهر احتفال أو ملصقات تبرز احتضان المدينة لأكبر محفل كروي إفريقي. إنها أوييم، حيث الاهتمام الأكبر يصوب نحو لقمة العيش وكيفية الوصول إليها؛ فالمستوى المعيشي والدخل الفردي لقاطني المدينة الصغيرة، التي تقع شرق الغابون، يدفع الشعب الفقير بعيدا عن كرة القدم وسحرها. يقول قائل إن الشعب الغابوني على حق عندما انتفض ضد الرئيس علي بونغو، إذ إن البلاد تحتاج سنوات طويلة من العمل على مستوى بنياتها التحتية، حتى ترتقي إلى مستوى يحافظ على كرامة المواطن الغابوني، بدل مجاراة الجارة غينيا الاستوائية، التي فتحت أذرعها لإفريقيا في "الكان" الماضي، بعد أن نظمت نسخة 2012 رفقة الغابون. توفر الغابون على البترول والذهب، إضافة إلى شريط ساحلي، يمكن من استغلال خيرات البحر، يبدو أمرا غير كاف للمسؤولين لتطوير اقتصاد الدولة، التي أنفقت الملايير على بناء ملاعب من الطراز العالمي مثل "أوييم"، الذي يعدّ معلمة هندسية ورياضية وسط قرى هامشية وغابات كثيفة. حبهم لوطنهم يجمع المئات بأوييم كل أربعة أيام وراء شاشة عملاقة، نصبت وسط المدينة من أجل تقريب أبناء المدينة من منتخبهم، الذي استقبل مباريات "الكان" بالعاصمة ليبروفيل. ابتسامة وترحاب تعلو محياهم، كلما صوبت نظرك نحو أعينهم، صغار أو كبار، تجار أو حتى سائقو الطاكسي الطيبون و"الماكرون". وبما أن الكثير منا يزور الغابون لأول مرة لتغطية مشاركة المنتخب المغربي بكأس إفريقيا، فإن الوسيلة المتاحة للتنقل بين أحياء أوييم وقضاء الأغراض الشخصية، إضافة للذهاب إلى الملعب الذي يبعد حوالي 18 كيلومترا، هي سيارة "الأجرة". وهنا ظهرت "الغفلة"، بعد أن اكتشفنا بعد مرور حوالي أسبوع أن الكثير من تنقلاتنا كانت بأثمنة مضاعفة بأربع أو خمس مرات. اعتناق نسبة كبيرة من الغابونيين للديانة المسيحية يجعل الكثير مما هو محرم بالمغرب مباحا هنا، حتى أن عاداتهم وتقاليدهم تقلص من حجم التقارب الفكري بين الجانبين، ناهيك عن العادات الغذائية الغريبة، حيث بإمكانك أكل "نص فيه تمساح" كوجبة عادية، وأشياء أخرى قد لا تخطر على بال. طول مقامنا بالغابون علّمنا أخذ الحيطة والحذر من سائقي سيارات الأجرة؛ لكنه مكننا أيضا، وبعد بحث مضن، من تناول أول وجبة ساخنة بفندق يسمى "أسوك"، بعد 10 أيام من الخبز والمعلبات، وبطاطس مقلية وشرائح ديك رومي وسلطة، كانت أول وجبة رسمية بأوييم. توفر أكلات محلية، مثل الموز المقلي ولحم القردة والتماسيح، جعل من إيجاد وجباتنا اليومية أمرا صعبا للغاية، قبل أن نكتشف أن أوييم لا تضم مغربيا واحدا مقيما، كما قيل لنا، إلا امرأة أيضا تدعى حكيمة، تتوفر على مطعم وسط فندق "سان طوماس"؛ وهي اللحظة التي أنهت معها معاناة قرابة 18 صحافيا مغربيا بالغابون. * لمزيد من أخبار الرياضة والرياضيّين زوروا Hesport.Com