السيد الرئيس، بغض النظر عن أي نقاش سياسي أراسلكم من منطلق مدني صرف، وأنا على يقين أنكم تابعتم الحراك الشعبي الذي تلى الحادثة المأساوية لموت المواطن المغربي محسن فكري (رحمه الله)، ولاحظتم كيف كان الحراك تلقائيا مدنيا سلميا، رأينا معنى الاحتجاجات السلمية في أبهى حللها التي قل نظيرها في أقوى الدول ديمقراطية رغم نسبة الأمية والجهل التي تكتسح الشعب المغربي؛ كان الحراك سلميا لأنه كان عاطفيا نابعا من القلب الذي تم إخضاعه لعقل منظم ومنضبط لضرورة الحفاظ على الأمن والأمان، لكن من داخل نواب البرلمان كان قول لم يكن في الحسبان. لن أطيل عليكم وأتوجه رأسا إلى الغاية من مراسلتي، الغاية هي التذكير بوجود ضمن نواب المجلس من وصف مواطنين مغاربة بالأوباش إبان المرحلة الأولى من الحراك فقط لأنهم أرادوا أن يقولوا نحن غاضبون مما وقع. خلال هذه المرحلة، تم بأرذل الأوصاف نعت مغاربة، نساء ورجالا، فتيات وفتيانا، قالوا فقط إننا من جنس الإنسان وما يهمنا هو إنسانية التضامن، قالوا نريد فقط تكريم روح إنسان قتل على هذه الأرض. لكن هناك من كان، من حيث يدري أو لا يدري، يؤجج الغضب ويزرع بذور الفتنة، وهناك من ينتمي إلى المؤسسة التي تترأسونها إن هؤلاء مجرد أوباش، هناك من سعى دون أن يدري أو يدري إلى أن يقتل في أهل الحراك تفاصيل حب الحياة وكأن المغاربة خلقوا فقط لانتخابهم، أليس هذا عداء للبلد؟ لا نزكي مواقف من شخصن الحراك، لكن أيضا لا نزكي من شيطن الحراك، ومن داخل مؤسستكم هناك من شيطن هذا الحراك، كما هناك من خارجها من شخصنها وشيطنها. أراسلكم كي نتعلم على أياديكم أن من يزكي الفرقة بيننا لا مكان له في مؤسساتنا، أراسلكم بصفتكم المؤسساتية لا الشخصية؛ لأن للمؤسسة التي تترأسونها آليات لترسي الممارسات الفضلى ونبذ الممارسات الدنيئة. أراسلكم كي أسائلكم هل يقبل شهداء الحركة الاتحادية عبر التاريخ أن تكون فيكم نائبة برلمانية وصفت مغاربة "بالأوباش" وأطلقت أوصافا هي دعوة صريحة إلى الكراهية وزرع الفتنة في البلاد وسط أبنائه وبناته. أليس مثل هذه الأقوال، السيد الرئيس، تشكل أهم مصادر للفتنة، وللأسف تأتي ممن يفترض فيهم أن يحموا البلاد من الفتن، في حين إنهم لا يؤكدون إلا كونهم لا يليق بهم مقام مجلس النواب بفكرهم وظنونهم وأن مستواهم لا يليق بكل مؤسسات الدولة ولا بمستوى المواطنات والمواطنين الذين وصفتهم بالأوباش، فمغاربة الريف اثبتوا أنهم يتقنون فن الاحتجاج السلمي، الهادف فقط إلى تحقيق مطالب مشروعة دون أي مساس باستقرار بلادهم واحترامهم لمؤسساتها، أثبتوا فعلا أنهم كانوا ولازالوا وسيظلون أوفياء لأرضهم ولوطنهم، فلتثبت إذاً المؤسسة البرلمانية أنها تحترم المغاربة، وتتقن رد الاعتبار لهم. السيد الرئيس، أليس من اللائق بالمؤسسة أن تحرك مسطرة مساءلة النائبة البرلمانية التي أثبتت دناءتها؟ مساءلتها بأي نوع من المساءلة التي ترونها مناسبة من خلال تجربتكم وتاريخ حزبكم وتاريخ المؤسسة البرلمانية، مادام أن هذه التصريحات تمس بمصداقية المؤسسة المذكورة التي من المفروض أن تمثل المغاربة أجمعين. أليس من شأن هذه التصريحات أن تثير ألما معنويا في وجدان أهل الريف بالرغم من أن الملك محمدا السادس قد رعى بصدق مسلسل الإنصاف والمصالحة لتجاوز الآثار السلبية لفترة معينة من فترات التاريخ الأسود للمملكة لتجاوز الضرر المعنوي الذي سكن نفوس المغاربة؟ ألم يتراجع الملك الحسن الثاني (رحمه الله) عن وصفه الذي كررته النائبة البرلمانية التي لا أتشرف بإعادة كتابة اسمها؟ ألم يدعو الملك الراحل إلى سحب هذا المصطلح من قاموس الشعب المغربي وعدم إعادة تداوله؟ لقد كانت الدولة ذكية في التعامل مع الحراك منذ بداياته، فهل تقبلون أن تكون في إحدى مؤسسات دولة أثبتت تعاملها بذكاء نائبة أثبتت تحاملها بغباء؟ في مؤسستكم، السيد الرئيس، نوابا ينتمون إلى من وصفوا بالأوباش، لست منتظرا منهم ممارسات فضلى لرد الاعتبار لذويهم وأهل منطقتهم وللمغاربة قاطبة، لكن كل المسؤولية تقع على عاتقكم كي تثبتوا أنكم أيضا لا تريدون منصبا أكثر من أنكم تريدون أن تعيدوا تكريم سلفنا الذي منح لنا حق القول بأننا مغاربة نؤمن بالمؤسسات. إن مصطلح الأوباش، السيد الرئيس، يترك ضررا معنويا في نفوس مغاربة فيهم الصادق وفيهم الناقم، لكن فلتكن لكم مبادرة تثبت صدقكم لتكن لنا رغبة في مواجهة الناقمين والمنتقمين منا. كلنا إصرار على محاربة فكر الانتقام بما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فلتكن لكم جرأة إبداء اهتمامكم بمن هم سند ومستند وجود مؤسسة أنتم الآن على رأسها. أنا ما أكتب كي عن أحوال النواب أسأل ولا كي أقول لكم ولهم إنني الأفضل، فقط أكتب لأنني منكم ولأنكم مني، أكتب فقط لإعلان انتمائي لمن قال فيه أحدكم إنهم "أوباش". فكر جيدا قبل الإجابة إن قررت الاستجابة، فكر جيدا في أنني أخاطبكم كمؤسسة لها آلياتها ونظامها وأخلاقيتها، فكر جيدا أن الثقة في المؤسسات هي سبيل الدوام والاستمرار في سبيل تحقيق دولة الحق والقانون، لا دولة التمرد والبلادة والسذاجة، كي نبلغ الريادة ويكون لنواب الأمة السيادة. كيف لنائبة برلمانية أن تعتقد أن حقوق الإنسان كفر وممارسيه مجرد أوباش؟ كيف يمكن لنائبة لا صدى علميا لها ولا صيتا استثنائيا أن تصف مغاربة تمثلهم بالوضاعة؟ كيف لها أن تمتلك قوة التنكيل بمواطنات ومواطنين مغاربة؟ أيرضيكم ذلك؟ ربما لن أنتظر منكم ومنهم ومنها إجابة، لكن أنتظر أن يكون جوابكم بأن تكونوا أقوياء في التشريع، أقوياء في أداء الأدوار المخولة للمؤسسة التي تحويكم. أريد جوابا أقوى من ضعف الحكومة، يضاهي قوة المؤسسة الملكية التي أثبتت وحدها، إلى الآن، أنها فقط من تمتلك فن السياسة. السيد الرئيس، نحب البلاد ومقتنعون باستكمال مؤسساتها، لكن نحب أيضا تنبيه وتأنيب وتأديب كل من يؤذيها علانية، كل من يمس بالاحترام اللازم للحريات والحقوق، ونرفض من يجعل نفسه للفتنة والكراهية بوقا. آخر قولي لكم هو أن من بين معاني قول المعنية بموضوع هذه الرسالة هو وجود أوباش في مؤسستكم بانتمائهم لمن وصفوا بالأوباش وبانتخابهم ممن وصفوا بذاك الوصف، فلتزيلوا عنهم إذاً تلك الصفة بالحد الأدنى مما يفترض فعله والقيام به للحفاظ على الاحترام اللازم لمؤسسة تسمى في وطني بمجلس النواب. *دكتور في الحقوق