هل الديموقراطية نمط واحد، أو أنماط وأنواع ؟ أليست الديموقراطية أنموذجا موحدا يسري على جميع البلدان والأقطار في القارات الست؛ أو هي نماذج متنوعة ومتعددة بحسب التربة التي تستنبت فيها بذورها ؟ إذا كانت الديموقراطية في أبسط تعاريفها "هي حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار ممثليه بالاقتراع"، فلماذا تقدّم الغرب الأوروبي والأمريكي الشمالي؛ بعدما تبنى الديموقراطية خيارا استراتيجيا في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وتخلّفت دول الجنوب؛ على الرغم من اعتناق كثير منها الديموقراطية منهجا واختيارا؟ هل ديموقراطية الشمال ليست هي ديموقراطية الجنوب؟ ما نصيب دولنا العربية من الديموقراطية ؟ هل للعرب ديموقراطيتهم الخاصة التي تباين ديموقراطية الغرب؟ هل الفروق بين الديموقراطية الغربية والعربية؛ تقتصر على منهجية وأليات التنزيل، أو تتعلق بالجوهر والمضمون؟ ألا تتشبث دول الجنوب عامة، والدول العربية خاصة، بالجوانب الشكلية والمظهرية للديموقراطية بعيدا عن لبها وعمقها الأساسيين؟ أليست المقارنة بين الشمال والجنوب، من حيث تطبيقات الديموقراطية؛ إساءة كبيرة لمفهوم الديموقراطية كما ترعرع في الغرب؟ تقتضي الإجابة عن هذه الأسئلة المقلقة؛ الانتقال للممارسة على أرض الواقع؛ من أجل التحليل واستخلاص الفروق المائزة بين ديموقراطيتهم وديموقراطيتنا.. في الثامن من نونبر 2016 الماضي؛ أجريت الانتخابات الأمريكية، والتي حددت رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية المقبل؛ والذي لم يكن سوى المرشح دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، والذي حقق فيها المفاجأة؛ وذلك بفوزه الكبير على مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون؛ التي بوأتها استطلاعات الرأي المتكررة، ناهيك عن المناظرات التلفزيونية المباشرة الثلاث، المرتبة الأولى بفار ق النقط عن منافسها.. ما يثير الانتباه من الزاوية الديموقراطية، أن هناك بونا شاسعا بين المرشحين؛ من حيث الخبرة السياسية، والتجربة في ممارسة التدبير الحكومي؛ فإذا كان دونالد ترامب، لا يملك أي رصيد سابق في المناصب السياسية أو الحكومية، فإن هيلاري كلينتون، فضلا عن كونها وزيرة خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية السابقة (2009،2012 )؛ في عهد الرئيس المنتهية ولايته الثانية؛ باراك أوباما (2012، 2016)، فهي زوجة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون (1993،2001)... لكن كل هذه الاعتبارات؛ لم ترجح كفتها في هذه الانتخابات...لماذا؟ لأن النظام السياسي الأمريكي الذي راكم تجربة هائلة في الديموقراطية؛ كما أن الشعب الأمريكي الواعي والمتشبع بقيمها ومبادئها الراسخة المنظمة لكيفية التداول السلمي على السلطة بأسلوب سلس، وبعيدا عن التلاعب بأصوات الناخبين؛ أو تغيير إرادتهم... في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا يمكن أن ترجح العلاقات العائلية، والقرب من الزعامات السابقة، كفة المتنافسين في الانتخابات...وأن تكون لصالح مرشح على حساب المرشح المنافس مهما كان لونه أو عرقه... لقد قال الشعب الأمريكي كلمته في نونبر 2008 و2012، حين اختار مرشح الحزب الديموقراطي؛ الرئيس أوباما؛ بغض النظر عن لون بشرته، وأصوله الافريقية، وعَبّر يوم الثامن نونبر 2016، عن اختياره مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وليس مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون؛ التي لم يشفع لها أمام الناخبين الأمريكيين سواء الكبار أو الصغار، كونها أول امرأة ترشح لهذا المنصب الكبير، أو باعتبارها زاولت مهاما سامية على رأس كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية خلال ولاية أوباما الأولى؛ أو بصفتها زوجة الرئيس السابق للولايات المتحدةالأمريكية بيل كلينتون (1993،2001)... لكن؛ ماذا لو انتقلنا لعالمنا العربي، هل يمكن لزوجة رئيس سابق، إذا قررت الترشح، أو طلب منها الماسكون بالزمام ذلك، هل سَيُتْرَكُ الناخبون والناخبات لإرادتهم ؟ ألن يمارس التاريخ السياسي لعائلة هذه المرشحة في عالمنا العربي، نفوذا وتأثيرا على المصوتين والمصوتات ؟ أولا؛ لابد من الإشارة إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية، قد شهدت تقلد مرشحين من عائلة واحدة منصب رئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية، مثل جورج بوش الأب (1989–1993) وجورج بوش الابن 20) يناير2001 إلى 20 يناير( 2009؛ كما أن هيلاري كلنتون؛ ترشحت للانتخابات في الثامن من نونبر 2016، أما زوجها فقد تقلد الرئاسة ما بين (1993،2001) . بمعنى آخر، فالمرشحون الذين تربطهم أواصر القرابة العائلية أو الزوجية مع الرؤساء السابقين؛ لا يترشحون في السنوات التي يغادر فيها أقاربهم سدة الحكم...وهذا السلوك يدفع عنهم كل شبهة أو ظن باستعمال النفوذ أو احتمال ممارسة التأثير في الناخبين والناخبات... لكن ماذا عن عالمنا العربي؟ إن الأمر هنا مختلف تماما؛ فقد رأينا في الجمهورية السورية العربية؛ كيف وَرَّثَ الرئيس الراحل حافظ الأسد(1971/ 2000)، الحكم لنجله الطبيب بشار الأسد؛ والذي عوض شقيقه الأكبر باسل الأسد؛ الذي وافته المنية في حادث قبل موت أبيه...صحيح أن بشار الأسد تمت تزكيته في استفتاء عام؛ ولكن تأثير والده، وقبضته العسكرية، ساهمتا في تيسير وصول ابنه للحكم...ولم يتقدم لمنافسته أي مواطن من المواطنين... الأمر نفسه كان يُعِدُّ له الرئيس المصري المخلوع؛ حسني مبارك؛ بواسطة نجله جمال مبارك؛ لتقلد الحكم خلفا له؛ لولا ثورة الشعب المصري يوم 25 يناير 2011؛ الذي ملأ ساحات مصر وميدان جيش التحرير؛ مما دفع بالمجلس العسكري إلى الإطاحة بالرئيس السابق؛ الذي تلا بيان تنحيه...نائبه عمر سليمان وهو السلوك ذاته الذي كان يحضر له الرئيس الليبي المنقلب عليه من الثوار؛ حيث كان يهيئ نجله سيف الإسلام لتولي الحكم بعده... والتصرف نفسه؛ كان يستعد له الرئيس المخلوع عبد الله صالح؛ لولا أن أسقطته المظاهرات الشعبية والاعتصامات؛ التي عجلت بالمبادرة الخليجية التي منحته طوق النجاة من الملاحقة...لكنه جنّد ميلشياته العسكرية؛ بزعامة ابنه الذي كان يتولى مهام عسكرية كبيرة؛ وتحالف مع الحوثيين من أجل مهاجمة نائبه الذي تولى السلطة خلفا له... هذه أمثلة عربية؛ تعكس فهم بعض زعماء الجمهوريات العربية في المشرق والمغرب؛ للمسألة الديموقراطية؛ وكيفية تنزيلها على أرض الواقع...حيث نجد هناك رغبة لديهم لتحويل الجمهوريات لملكيات يتم فيها توارث الحكم؛ وشتان بين ترشح أمريكيين ينتمون للعائلة نفسها للانتخابات الرئاسية؛ وسعي بعض الأنظمة العربية، أو بعض الزعامات العربية، إلى توريث منصب رئيس الجمهورية لأبنائهم؛ مما يعد ريعا سياسيا وانقلابا على مبادئ الديموقراطية وقواعدها ومعاييرها؛ كما هو متعارف عليها عالميا...ناهيك عن كونها استخفافا بالشعب وإرادته في التغيير واختيار ممثليه بواسطة الاقتراع المباشر الحر والنزيه...