يقول المفكر محمد عابد الجابري: "ليس في القرآن ما ينص على أن المرأة فتنة، ولا أنها تفتُن الرّجل هو الذ يُفتتن بها. وإذا كانت تجذب الرجل ليفتتن بها، فالمسؤولية أولا على الرجل؛ لأن المطلوب منه "غض البصر". أما القول بضرورة فرض نوع من الحجاب على المرأة حتى لا يُفتتن بها، فهذا يخالف نص القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فلماذا تحمل المرأة وزر الرجل كونه لا يستجيب للآية التي تدعوه إلى غض البصر؟ أما إذا افترضنا أن امرأة استثارت عمدا أحد الرجال، وأنه استجاب لإغرائها؛ فالذنب ذنبه. تماما كما إذا استثارت قنينة خمر شهوة الرجل فشرب منها، فالذنب ليس ذنب القنينة". ما أثار انتباهي هو ردة فعل الشارع المغربي الذي انتفض بين مؤيد ومعارض، ناسين أن السلطات المغربية لم تمنع الجلباب المغربي بلثامه أو الحايك. إنها منعت هذا اللباس المستورد من ثقافة غير ثقافتنا. إن البرقع الأسود يحمل رمزية الفكر الوهابي، بإقصائيته وظلاميته وعدائيته للمرأة والحياة. خيمة متنقلة لا يتمثل فيها الحشمة ولا الوقار وليس له علاقة بالدين، إلا بفكر متشدد إرهابي انزرع في مجتمعاتنا بالمغرب العربي. هو دخيل علينا من الوهابية المقيتة عندنا الزي الصحراوي "الملحفة" وكله حشمة ووقار، وتتجلى في أنوثة محترمة. كما "الجلباب" و"الحايك" الموجود في تونس وفي ليبيا. أستغرب من المرأة المغربية التي تقبل ارتداء هذا النوع من اللباس الأسود أو البرقع الأفغاني، وأقول لها: أيتها المرأة المغربية، تريدين حجابا لا يظهر إلا عينيك... لم لا ترتدين "الحايك" المغربي، فهو يحجب كل جسمك ولا تظهرين فيه إلا عينا واحدة؛ بينما حين تلبسين البرقع تظهرين عينيك الاثنتين. و"الحايك" لباس هويته وطننا المغرب، كما الجلباب المغربي بنقابه"، أو أن الأمر أن تكوني نسخة طبق الأصل من المرأة الأفغانية؟ العالم يتقدم إلى الأمام ونحن نمشي نحو أفغانستان، وهل في أفغانستان احترام للمرأة؟ إنها تقاد هناك بالعصا، وتُمنع من تحصيل العلم، ويُمارس عليها العهر بألوان الدين، وفواحش تحت الظلام؛ ففي أفغانستان، توجد أكبر نسبة الاغتصاب، بالرغم من أن المرأة تبدو كخيمة متنقلة في الشارع. فكفانا من التّشدّق والتناقض في الفرائض، مدخلات بالية وجرائم فكرية بأن الحجاب الفضفاض هو الذي يحدّ من الاغتصاب. لم لا يحدّ ذلك البرقع غريزة "ذكور" أفغانستان الأولى في العالم في التحرش الجنسي؟ فحتى الخنزير والكلب ذكرا. في أغلب الدول العربية، تتعرض المرأة للتحرش الجنسي، وأصبح هذا الأمر واقعا يوميا يفوق الأرقام بغضّ النظر عن سنّ الضحية ولباسها ومظهرها ووضعها الاجتماعي. في الحافلات العمومية المكتظة، يجد المتحرش حريته في الاحتكاك بالمرأة بغض النظر عن سنها وشكلها ولباسها؛ فهو لم ير حتى شكل وجهها، المهم أمامه أنثى.. حتى الحيوانات في البادية لم تسلك من شبقكم، هل الحيوانات في البوادي تحتاج أيضا إلى برقع حتى تسلم من غرائزكم وفحشكم؟ عشت أكثر من عشرين سنة في بلاد الغرب وركبت حافلاتهم عشرات المرات ولم أر في حياتي أوروبيا يحتك بجسد امرأة أو فتاة وأغلبهن شبه عاريات. ألهذه الدرجة الرجل الشرقي والعربي تتملكه غرائز حيوانية؟ الأوروبي ليس له دين وإنما يتحلى بالأخلاق، بينما عندنا دين وتنعدم عندنا الأخلاق. في حين أن الأوروبيين لا يزالون في حضارتهم مذهلون في إنتاجاتهم وتقنياتهم، وفي تحقيق عدل نسبي بأوطانهم. هم يؤمنون بأن العصر الذهبي لم يأت بعد، بالرغم من التطور الذي وصلوا إليه.. يعتبرون أن المرحلة الحالية ما هي إلا مقدمة لمرحلة أفضل وأكثر ازدهارا. في حين نحن نقطع البحار بالقوارب إليهم، نصفنا تبتلعه الأمواج والنصف الآخر متشرد في بلدان العالم تاركا وطنه الذي ذهب وولى. يقول المفكر إبراهيم البليهي: "الأخلاق هو ما يفيض من الإنسان تلقائيا. الأخلاق هي الأمانة، إتقان العمل، تبادل الاحترام بين الناس، الانضباط والالتزام. إنها مجموعة من الصفات التي أهلت الغرب إلى أن يتقدّم. لو كان الغرب متخلفا أخلاقيا لما تقدّم. نحن لا ندرك بأن كل سلوك هي أخلاق إما أن يكون خلقا رديئا أم خلقا جيدا. نحن نظن أن الأخلاق هي فقط علاقة الرجل بالمرأة". ألم يقل شاعرنا أحمد شوقي: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت وإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ذهبت الأخلاق وولت في كثير من بلاد العرب، وأصبح فيها حكم لا أعرف إن كان وحشيا، بل أسوأ من ذلك، داعشيا: قطع الرؤوس، وسبي النساء وجهاد النكاح، وفتاوى العهر... إني أشعر بالخجل... فليس هناك كلمات يمكن أن أصف بها هذا التخلف. أهذا ما نريد لمغربنا؟ استيراد البرقع للنساء واللحى الحمراء، كنوع من الزينة لإخفاء شيبتهم بالحنّاء وهم في تصرفاتهم أكثر من المراهقات. واستيراد "الباتشابازي" أو لعب الغلمان. إنه التقوقع بسرعة ضوئية إلى ما وراء الظلام.