مملكة الجنون/28 أيها الغارق في بحر الثنائيات...والعالق في عالم الغيبيات...جعلت الصناديق منك رئيسا...وجعلت من المنصب حاجزا...جعلت منك الأيام سيدا...جعلت من التماسيح والعفاريت ''فزاعة''...تبدو تائها حائرا كمن يبحث له عن عنوان...يرسي بمراكبه حتى لا يتيه...يبحث بين كلماته عن معاني عله يقنع بها نفسه...في انتظار ما ستجود به الأقلام من فتاوى...حتى يكون في مستوى تنفيذ التعليمات... يا فاسد الرأي، ما جدوى النقل، في حضرة العقل؟...ما جدوى الرئاسة إذا لم تكن فيها سيدا بالفعل ؟...وما جدوى الإرادة إذا كانت موجهة من الخلف؟ وما جدوى المفاوضات إذا انتهى لديك الكلام؟... أيها الغرور بعينه...إني أناديك من الطابق الأسفل...فهل تسمعني؟ هل تراني واضحة كما أراك؟...وجودك المجاني انتهت صلاحيته منذ زمن...تطلعاتك المتجاوزة أضحكت أعداء الوطن...أفكارك الغير مرتبة و''خرجاتك'' الغير محسوبة جعلتنا حديث أقلام حاقدة...تأثيثك الباهت للفضاءات يستفز كل تواق للحياة...ارتباكك المستمر يضرب اللياقة عرض الحائط...مزاجيتك المفرطة أفقدت في السياسة طعم الانخراط... أنت كالكرسي الذي تعتليه في جموده...قيمتك من قيمته...وجودك كعدمه لا يزيد المكان أي بهاء...ما خطبك يا رجل؟ تبدو تارة جبروتا متسلط اللسان...تكاد الشاشة تترك لك الإطار لتنجو من فلتات اللسان...وتارة أخرى يبدو حجمك صغيرا جدا يكاد لا يلتقطه أي منظار...كيف سمحت أن تكون في المسرحية مجرد قناع؟... يا من فوت علينا فرصة الإقلاع، أنصحك بترك المفاتيح والانسحاب...ارحم نفسك من الإهانة والإحراج...ارحم تاريخا يستحق منك كل الإجلال...ما الذي أتى بك لزمان غير زمانك؟...فكل الأمكنة هنا لا تشبهك...ارتفاعها يتعب متسلقا اختار البسيط واكتفى بتصريف الأعمال...المعقد يتطلب لياقة ذهنية...بنية قوية...وإرادة حديدية...فإما الانخراط الكلي في دوائره...وإما أن يلقي بك خارجه... سعادة الرئيس، للبطولات والأمجاد ثمن...وللتاريخ سياقات وأبواب...وفي حالتك هاته يوصي بالاعتذار ثم الانسحاب كل الحكماء...الحياة تستحق منا المغامرات والانخراط...من لم تكن لديه القدرة على الإقدام والإقناع...والرغبة في صناعة المعجزات...من الأفضل له أن يكون مستكينا تحت التراب...أو يكون خارج دائرة الأضواء...قرارك الرامي إلى عدم الاكتراث بي...جعلك تلطخ سمعة البلاد...أعطيت للإدارة معنى غير المعنى...تصبح بذلك كل الفراشات ضحاياك... أيها المغرور بنفسه...لولا حماقاتك، لما فقدت الأهلية وعضوية الانتماء لحظيرة الحكماء...فلولا إهمالك لرسائلي، لما خرجت من دائرة العقلاء...تجر ذيول خيبة الأمل وتقاوم مرارة النسيان... عار عليك ألا تعترف بفشل مقاربتك...فالاعتراف في مثل هذه المناسبات فضيلة...ربما سيشفع لك يوم ''القيامة''...أتدري ما الفرق بيني وبينك سيدي؟ هو نفس الفرق بين البسيط والمركب...الفرق بين الأبيض والأسود...الفرق بين الوضوح والغموض...الفرق بين الاعتراف بالذات ونكران الآخر...أنا أراك بوضوح بينما أنت لا تراني قط...طالما اعتبرت رسائلي عنوان تمرد وغباء...بطلتها حالمة بائعة كلام وطلاء... هل عرفت الآن من أكون ؟ أنا عاشقة هذه البلاد...قصة حب للوطن، للإنسان وللأرض...دامت أكثر من ألفين وتسع مائة وسبعة وستون عاما...حالمة بغد أفضل يليق بتاريخ حافل وجغرافية أرض رائعة...شعاري العيش الكريم فوق أرض السلام...التوزيع العادل لثروات البلاد...مع حرية التفكير والإبداع...مع مجانية الخدمات لكل الأبناء...والمصالحة مع التاريخ والذات... سعادة الرئيس، بعثر الأوراق...كسر ما بنيناه...حطم أحلاما نسجناها عبر أجيال...ابق كما أنت...جامدا لا تتحرك...جاحدا مقاوما حتمية التغيير...كن حارسا أمينا على النظام...حريصا على عذرية النقل وإعادة إنتاج الفقر...اسحق الحاضر والآتي...اسحق مشاعري ورغبتي في الاعتقاد...اخف معالم عجزك عن إسعاد الملايين...ابق محاصرا بين اللونين الأسود والرمادي...مزق رسائلي...لا تبالي لما أقوله...بل حاصرني وقاوم تمردي...أهدر الوقت والمال...تشبث بموقفك الرجعي...تذكر جيدا أن كما للتاريخ ذاكرة قوية تحتفظ بالمركب وبسيرة الأذكياء...لديه قدرة كبيرة على نسيان الأغبياء...مسرحه كبير لا يليق إلا لعرض أقوى اللحظات...أقوى المشاهد وأقوى الكلمات...استمر في لعب دورك الهزلي...فكل مرادفات الفشل تليق بك...وكل النغمات الحزينة مواتية لوضعيتك...وكل الأقنعة سقطت بعد أن انتهى الكلام لديك... (يتبع).