قرر المغرب الالتحاق بالدول التي باتت تحظر بيع البرقع والخمار لأسباب أمنية . وحظر خياطة البرقع وتسويقه ، رغم أهميته في الحد من صناعة هذا اللباس وندرته ، ليس كافيا مادامت هناك إمكانيات كثيرة لخياطته في المنازل وحتى في محلات صنع الملابس . ذلك أن منع الخياطة والتسويق غير كافين ما لم ترافقهما سلسلة إجراءات وتدابير قانونية تعاقب بغرامات مرتفعة من يرتدين لباس البرقع أو الخمار في الأماكن العمومية وحتى في وسائل النقل الخاصة .ولن يكون المغرب استثناء إن هو سن قوانين زاجرة ، فقد سبقته دول أخرى عريقة في الديمقراطية بعد أن أدركت خطورة هذا النوع من الألبسة التي تساعد الإرهابيين على التخفي والإفلات من مراقبة الأمن . فقد أصدرت سويسرا قانونا يحظر ارتداء النقاب في مقاطعة "تيتشينو" في يوليوز 2016، وحدد عقوبة كل من يخالف ذلك القانون في دفع غرامة قدرها 9200 يورو. وكذلك فعلت فرنسا سنة 2011،حين أصدرت قانونا يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ويعاقب أي سيدة تخالف ذلك القانون بدفع غرامة قدرها 150 يورو.أما بلجيكا فقد جعلت عقوبة أي سيدة تخالف ذلك القانون السجن لمدة 7 أيام أو دفع غرامة 1500 يورو. إن أي قانون لا ترافقه العقوبات الزجرية لن يكون له أثر في سلوك المواطنين ؛ وبلادنا فيها تخمة من هذه القوانين لكن لا أثر لها في الواقع ، ليس لأنها لا تتضمن عقوبات ، ولكن لغياب الجدية والصرامة في التطبيق . إذن قوانين المغرب تواجه عائقين حقيقيين :عائق التفعيل وعائق الصرامة والجدية. أما الذين يدافعون عن الحريات الشخصية فقط حين يتعلق الأمر بالنقاب والخمار ، فعليهم أن يعلموا أن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ ؛ إذ لا يمكن تجريم الإفطار في رمضان بحجة استفزاز الصائمين، أو مطاردة العشاق في الشواطئ الحدائق العمومية بمبرر الإخلال بالحياء العام ، أو محاكمة من غيروا ديانتهم أو بشّروا بها بحجة زعزعة عقيدة مسلم دون أن نقر بأن هذه القوانين التي تشرعن هذه الممارسات السلطوية هي خرق سافر للحقوق والحريات الفردية . هذا في الأوضاع العادية التي لا تواجه فيها الدول والمجتمعات آفتي الإرهاب والإجرام .أما حين يصير البرقع والخمار سلاح المجرمين والإرهابيين فإن مصلحة الوطن وأمن المواطنين يستوجبان حظر إنتاجه وتسويقه وارتدائه في الأماكن العمومية . فمطلب توفير الأمن مقدّم على مطلب توفير الحريات . إذ لا حريات في دولة يتهددها الإرهاب أو ينخرها الإجرام. وخطورة النقاب والبرقع تكمن في: 1 استعماله من طرف الإرهابيين حتى يفلتوا من قبضة ومراقبة الأمن ، فضلا عن كونه ييسر لهم سبل الوصول إلى الأهداف المخطط تدميرها . فهو غطاء للإرهابيين ووسيلة بخسة لكنها فعّالة في إخفاء هوية الإرهابيين . 2 زرع الفتنة والطائفية في المجتمع . فكل مجتمع له تقاليده وثقافته تميزه عن بقية المجتمعات البشرية. وإدخال الخمار والنقاب إلى البيئة المغربية هو تهديد لها لما يبثه فيها من ثقافة الكراهية والإقصاء والتشدد ، بحيث تتشكل داخل المجتمع طوائف مذهبية منغلقة تعادي بقية المجتمع وتهدد وحدة نسيجه الثقافي والديني والمذهبي ، بل تهدد هويته الجماعية . جاء في ويكيبيديا تعريف المجتمع كالتالي (المعنى العادي للمجتمع يشير إلى مجموعة من الناس تعيش سوية في شكل منظّم وضمن جماعة منظمة. وهو مجموعة من الأفراد تعيش في موقع معين تربط فيما بينها بعلاقات ثقافية واجتماعية، يسعى كل واحد منهم لتحقيق المصالح والاحتياجات). فهل العناصر الحاملة لعقائد التشدد والمرتدية للزي الأفغاني تحافظ على العلاقات الثقافية والاجتماعية المميزة للمجتمع المغربي؟ إنهم يقسمون المجتمع إلى مؤمنين وكفارا ،ويحملون مشاعر البغض والكراهية ضد بقية الشعب التي تخالفهم نمط عيشهم وطبيعة عقائدهم القائمة على "الولاء والبراء". إنهم يهدمون الأسس التي قام عليها مجتمعنا منذ آلاف السنين . 3 تكوين أجيال لا ولاء لها للوطن ولا ارتباط لها بالمجتمع .أجيال تعتبر الوطن وثنا ، وسفك الدماء جهادا ، وجز الرقاب عبادة وقتل المرتدين فريضة وقهر النساء شريعة . 4 تهديد مباشر لكل المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية بفضل نضالات الحركات النسائية والهيئات السياسية الوطنية والديمقراطية ،والتي أثمرت مدونة الأسرة القائمة على مبدأ المساواة ، وكذا الدستور الذي ينص على المناصفة . فحملة النقاب والبرقع ، ليس فقط لا يؤمنون بهذه الحقوق التي يضمنها الدستور ومدونة الأسرة ، بل يناهضونها . لهذا ، فقرار وزارة الداخلية منع صناعة وتسويق البرقع ،وإن جاء متأخرا، فهو مطلوب وضروري لحماية أمن المغاربة وضمان استقرار الوطن . والواجب الوطني يقتضي اعتماد الصرامة في منع ارتداء البرقع والخمار في الأماكن العمومية وفرض غرامات مهمة حين مخالفته . إن أمننا الروحي والاجتماعي والثقافي لا يقل أهمية عن أمننا العام ،وكما تصدت الدولة للعناصر المتطرفة بالجدية المطلوبة ، عليها أن تتصدى لكل الوسائل التي يستغلها الإرهابيون لزعزعة أمننا وتهديد استقرار وطننا . نحن في حرب ضد الإرهاب ، ومن يناصر غطاء الإرهابيين فهو حليفهم.